أخونا بابا الكاثوليك - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أخونا بابا الكاثوليك - تكنو بلس, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 07:08 صباحاً

أحمد الصاوي* 


كان اختيار الكاردينال الأرجنتينى خورخي ماريو بيرغوليو ليجلس على الكرسى البابوى لبطرس الرسول، ويصبح البابا فرنسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية، أبعد من مجرد حدث قدري أو مصادفة كونية حسنة منحت العالم، وليس الكاثوليك فقط، البابا الجنوبى الاستثنائى القادم من المجتمع اللاتينى ليطوف بالكنيسة العملاقة العالم، مبشراً بقيم التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية بين جميع البشر، لكنها كانت تعبيراً عن لحظة فارقة فى عمر الكنيسة الكاثوليكية كانت تحتاج فيها إلى شخصية الحبر الأعظم الراحل تحديداً دون غيره. 

خرجت الكنيسة الكاثوليكية من حبرية البابا الراحل "البولندي" يوحنا يولس الثانى (1978- 2005)، لتودع حقبة كبرى ارتبطت بالحرب الباردة وتوازناتها وبصراع مع الشيوعية استخدم فيه الإيمان سياسياً، وسرعان ما انتقل إلى صراع مكتوم مع العالم، دفع الكنيسة نحو الحركة البطيئة المتأنية التى خلقت تحفظاً غير معلن فى الانفتاح والحوار. لكن 8 سنوات من حبرية البابا الأسبق "الألماني" بنديكت السادس عشر (2005- 2013)، حولت هذا التحفظ إلى توجس، والحركة البطيئة إلى سكون، وسط تفجر قضايا وتحديات لا يمكن التعامل معها بالجمود أو التجاهل أو الاحتواء، ما ألقى بتأثيره على الكنيسة وشعبيتها بين المؤمنين داخلها ومع العالم. 

هنا فى الشرق وداخل الأزهر الشريف، الكيان الأكبر إسلامياً، انتهى الحوار مع الفاتيكان إلى قطيعة والعلاقة البروتوكولية إلى تجميد بعد محطات توتر، كان بطلها الرئيس استدعاء البابا بنديكت حواراً تاريخياً ( يمس بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام ) بين إمبراطور بيزنطي ومثقف فارسي، لكن البابا فرنسيس جاء منطلقاً من حوار تاريخي آخر بين السلطان الكامل سلطان المسلمين فى مصر المملوكية، والقديس فرنسيس الأسيزي فىي القرن الثالث عشر الميلادي، وفي أتون الحرب الصليبية على الشرق ومن داخل معسكرات المسلمين في مدينة دمياط التي ذهب إليها فرنسيس الأسيزي طوعاً ليجري حواراً يتعرف من خلاله إلى حقيقة الإسلام والمسلمين. 

من هنا يمكن القول إن اختيار البابا فرنسيس جاء استجابة للحظة كانت تحتاج فيها الكنيسة الكاثوليكية لإصلاح داخلها يمنحها دفعة من الحيوية، وإصلاح مع العالم يراه من منظور الشراكة والأخوة، لبابا يرى فى نفسه أنه يمثل كل الناس بتنوعاتهم، وأن لديه مسؤولية عن كل المؤمنين وغير المؤمنين. 

أتعب البابا فرنسيس من سيأتي بعده، ترك له إرثاً كبيراً من الانفتاح والحوار والمبادرات الإصلاحية والنظرة الشاملة إلى الكوكب وسكانه باعتبارهم إخوة، والزهد الذي استمر حتى رسم سيناريو تجنيزه ودفنه. 

يوم إعلان وفاته حكيت أنني تحدثت إلى فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر عن البابا فرنسيس في بداية عودة الحوار بين الأزهر والفاتيكان بعد ثلاثة أعوام من بداية حبريته، وبعد لقاءين فقط بينهما، فقال لي "إنه رجل دين حقيقي"، وعندما سألته عن القصد من ذلك، قال إنه يعبر عن الصورة الطبيعية والمفترضة عن رجل الدين فى أن يكون "زاهداً خيراً محباً للناس، متسامحاً، خلوقاً، عطوفاً، خدوماً، قريباً من الضعفاء والفقراء، رجلَ سلام، يفعل ما يقول.. لا يتعصب أو ينحاز في خصومة على أساس ديني أو مذهبي".

بينما يجتمع مجمع الكرادلة فىي الفاتيكان لاختيار خليفة البابا فرنسيس، الأرجح أن بين أيديهم هذا التراث الكبير من الحوار والانفتاح والعلاقة المختلفة جداً مع الشرق ورموزه وعلى رأسهم الإمام الأكبر شيخ الأزهر الذي وقع معه البابا الراحل وثيقة الأخوة الإنسانية، والتزم من خلالها العمل معه على نشر مبادئها وتحويل نصوصها إلى واقع مفعّل. 

بعض التحليلات يذهب إلى أن اختيار البابا فرنسيس كانت له ظروف تاريخية احتاجت فيها الكنيسة الكاثوليكية إلى شخص مثله لتعبر منعطفات كبرى وتتجاوز أزمات صعبة، وأن بعض الفاعلين داخل حاضرة الفاتيكان يفضلون فرملة "الفرنسيسية" قليلاً، سواء ما يتعلق منها بالحوار مع الشرق المسلم، أم في البحث عن سبل لتوحيد المعمودية مع الكنائس الأخرى، أو الإصلاحات الداخلية، بالتوازي مع اتجاه العالم يميناً خصوصاً فى الغرب.

لكن يقينى أن البابا الراحل وضع الفاتيكان على قضبان مختلفة تماماً، وأن بقاء الكنيسة الكاثوليكية ككيان ملهم للعالم كله، وكمرجعية أخلاقية، أصبح أمام كل الناس مرهوناً باستمرار تلك "الفرنسيسية"، وبخليفة نستطيع أن نصفه فى الشرق بـ"أخونا" كما كنا نصف سلفه، يكون قادراً على التعبير عن تلك الحالة ونقلها إلى آفاق أرحب تعزز خيار الأخوة الإنسانية كخيار وحيد قادر على أن يحمي العالم من التوترات والتنازعات الدينية والطائفية وتلك السياسية التي تستثمر في الدين كأداة صراع وليس كأداة تعايش.

*رئيس تحرير جريدة "صوت الأزهر"

 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق