نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تخلُّع
وقيامة
وشفاء - تكنو بلس, اليوم السبت 10 مايو 2025 03:26 صباحاً
«لنفسي، المخلَّعة جدًّا بأنواع الخطايا والأعمال القبيحة، أنهض يا ربُّ بعنايتك الإلهيَّة، كما أقمت المخلَّع قديمًا. حتَّى إذا تخلَّصتُ ناجيًا أصرخ: أيُّها المسيح، المجد لعزَّتك». هذا ما نصلِّيه في أحد المخلَّع (يوحنَّا 5: 1-15) الَّذي هو الأحد الرابع في زمن البندكستاريون[1].
لكلِّ حدث إنجيليٍّ بُعدٌ محلِّيٌّ وتاريخيٌّ وزمنيٌّ وجغرافيٌّ، وآخر مستمرٌّ ليعني كلَّ واحد منَّا في كلِّ الأزمان والأمكنة. هذا يعني أنَّنا جميعًا مخلَّعون بخطايانا وضعفاتنا وبحاجة إلى أن يشفينا الربُّ ويقيمنا من سقطاتنا.
الربُّ يأتي ليلتقي بكلِّ واحد منَّا، لا يتركنا، ولكنَّه يسألنا أوَّلًا إذا كنَّا فعلًا نريد الشفاء، وأجمل شفاء هو التوبة.
رحمة الربِّ لا متناهية، وشفاء المخلَّع جرى في «بيت حسدا» Bethesda. هي كلمة ذات أصل آرامي أو عبري، وتتكون من جزأين:
"بيت Bet": وتعني "منزل" أو "مكان"، و"حسدا" (ḥesda) ويُعتقد أن معناها هو "رحمة" أو "نعمة" أو "إحسان".
المخلَّع كان مرميًّا هناك عند باب الضان الَّذي هو باب سور الخراف الَّذي كانت توضع فيه الخراف وتغسل في البركة جانب الباب، لتُقَدَّم في الهيكل تكفيرًا عن الخطايا. فأتى الربُّ وألغى كلَّ الطقوس الحيوانيَّة وقدَّم نفسه ذبيحة حيَّة أبديَّة عن البشريَّة جمعاء. لهذا قال يسوع لليهود إنَّه أعظم من الهيكل الحجريِّ ويريد رحمة لا ذبيحة (متَّى 12: 7)، مسترجعًا الآية نفسها الَّتي أعطاها في العهد القديم لهوشع النبيِّ: «إنِّي أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفةَ الله أكثر من محرقات» (هوشع 6: 6).
ما أجمل هذه الكلمة «معرفة الله»، فما يريده الربُّ هو أن «نعرفه ذاته» وليس أن نعرف عنه، وشتَّان بين الاثنتين. فالأولى تجعلنا حقًّا أبناءه بالنعمة، أمَّا الثانية فقد تؤدِّي بنا إلى الغدر به كما تكمل الآية: « كآدم تعدَّوا العهد. هناك غدَروا بي» (هوشع 6: 7). وقد نماثلهم بالغدر كلَّ يوم إذا اكتفينا بمعرفة عقليَّة عن الله من دون أن نعيشها ونحياها، فنستخدمها وسيلة للانتفاخ والتكبّر، وهذا تحديدًا ما حذَّر منه الآباء القدِّيسون، نذكر منهم قول القدِّيس مكسيموس المعترف: «اللاهوت يصبح شيطانيًّا إن لم يُعَشْ».
لقد برهن يسوع للمخلَّع أنَّه الطبيب الشافي، وبكلمة منه نُشفى إذا رجونا ذلك بصدق. وسؤاله له «أتريد أن تبرأ؟» ما هو إلَّا شفاء روحيٌّ قبل أن يكون جسديًّا. فالاغتسال الخارجيُّ بالماء يبقى خارجيًّا ما لم نغتسل بدموع التوبة ونولد من جديد بمياه معموديَّة الروح القدس كما قال يسوع لنيقوديمس: «الحقَّ الحقَّ أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» (يوحنَّا 3: 5).
قد نصل أحيانا إلى حالة يأس كما وصل إليها المخلَّع إذ اعتراه المرض ثمانيَ وثلاثين سنة. ولكنَّ الشفاء حصل بلحظة «قُم. احمِلْ سريرك وامشِ»، ولنا يقول: «قُم. احمِلْ ولادتك الجديدة وامشِ».
لا ننسَ أنَّنا في زمن البنكستاريون نسير نحو العنصرة، فهذا الأحد والأحدان اللذان سيليانه، أي أحد السامريَّة وأحد الأعمى الَّذي اغتسل في بركة سلوام، يوجد فيهما ماء إشارة إلى المعموديَّة الجديدة.
وما شفاء يسوع في يوم السبت إلَّا تأكيد على أنَّه واضع السبت وكلِّ الشرائع والنواميس، ولكن مع تجسُّده دخلنا اليوم الجديد، اليوم الأوَّل، اليوم الملكوتيَّ الَّذي هو يوم الربِّ، يوم الأحد، اليوم الثامن، وهو تذوُّق مسبق للملكوت الإلهيِّ.
الشعب العبريُّ تاه في الصحراء مدَّة زمن مرض المخلع نفسها، وذلك قبل أن يدخل أورشليم الأرضيَّة تحضيرًا لأورشليم السماويَّة، ولكنَّه خسر الأخيرة لأنَّه أراد مسيحًا على قياسه وبمفهومه، ولم يفهم أنَّ الله مملكته ليست من هذا العالم، ولا يتكلَّم على حياة ترابيَّة فانية بل على حياة سماويَّة أبديَّة. وقد جاء المسيح ليقول له بأنَّه «هو» أورشليم السماويَّة، فإمَّا أن نشفى وإمَّا أن نبقى قابعين في مرضنا.
هناك من يريد أن يستخدم الربَّ لنزوات مرضيَّة، فيرفض أن يبرأ لأنَّ مرضه يعطيه امتيازات وهي في الواقع كاذبة وفانية. لهذا، فليس من طريقين نختار إحداهما، بل هو طريق واحد واتِّجاه واحد، وهو المسيح كما قال: «أنا هو الطريق والحقُّ والحياة» (يوحنَّا 14: 6)، أمَّا عكس ذلك فهو طريق جهنَّم. إمَّا أن نكون معه وله، وإمَّا أن نكون ضدَّه.
أهمِّيَّة شفاء مخلَّع بركة بيت حسدا تظهر بقوَّة في النصوص الليتورجيَّة الَّتي تحاكينا لتشفينا. كذلك نجد الشفاء في الفنِّ الكنسيِّ منذ القرون الأولى. ففي غرفة المعموديَّة في Dura-Europos، في سوريا، نجد جداريَّة تعود إلى العام 232–235م تظهر الحدث (صورة 1). وجودها هناك لكون المعموديَّة هي ولادة جديدة طاهرة، كذلك هي التوبة كما قال الربُّ للمخلَّع: «ها أنتَ قد برئتَ، فلا تُخطئْ أيضًا، لئلَّا يكون لك أَشَرُّ» (يوحنَّا 5: 14).
أيضًا يوجد ناووس (صورة 2) في متحف الفاتيكان من القرن الرابع-الخامس الميلاديِّ معروف بناووس بيت حسدا The Bethesda Sarcophagus، منقوش الشفاء في وسطه ضمن نقوش أخرى.
كذلك نشاهد في Codex Egberti (980-993م) في ألمانيا تصويرًا (صورة 3) لشفاء المخلَّع من ضمن تصاوير يضمُّها المجلَّد.
طبعًا هناك تصاوير أخرى عن شفاء مخلَّع بيت حسدا، ولكن يبقى التصوير الأجمل والأسمى أيقونة شفائنا نحن، هذا إذا صرخنا فعلًا للربِّ: «اشفنا».
إلى الربِّ نطلب.
[1]. زمن البندكستارين هو الفترة الممتدَّة من أحد الفصح إلى أحد جميع القدِّيسين، ويضمُّ الصعود الإلهيَّ والعنصرة. وكلمة البندكستريون يونانيَّة وتعني الخمسين.
0 تعليق