نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الـ"بلاي ليست" الموسيقية: مرآة لهويتنا ومشاعرنا - تكنو بلس, اليوم الاثنين 12 مايو 2025 09:26 صباحاً
في كل صباح، قبل أن يبدأ صخب العالم الخارجي، أجد نفسي أفتش بين الأغاني عن لحنٍ يواكب حالتي المزاجية. من دون أن أدرك، أرتب قائمتي الموسيقية (My Playlist) بعناية؛ أختار أنغاماً توقظني بلطفـ أو تدفعني بنشاط نحو مواجهة تحديات اليوم.
لست وحدي في هذا الطقس الصباحي؛ فالكثيرون، أثناء استعدادهم للخروج إلى أعمالهم، أو خلال قيادتهم سياراتهم، أو حتى في أثناء ارتشاف قهوتهم الأولى في منازلهم، يرافقهم نوع من الموسيقى المختارة بعناية — مزيج من الألحان التي تخفف توتر البدايات وتحفّز على الانطلاق.
هذه الملاحظة البسيطة جعلتني أتأمّل: هل اختيارنا لقوائمنا الموسيقية المفضلة عشوائي أم يحمل إشاراتٍ خفية عن مشاعرنا الداخلية وحاجاتنا النفسية؟ وكيف تؤثر الحالة المزاجية اللحظية في اختياراتنا الموسيقية؟
الموسيقى وسيط نفسي وبيولوجي
تشير الأبحاث النفسية والعصبية إلى أن القوائم الموسيقية ليست مجرد ترف فنّي، بل تؤدي دوراً وظيفياً في تنظيم المشاعر ودعم الصحة النفسية؛ إذ يبدأ كثيرون يومهم بأغانٍ مفعمة بالحيوية والإيقاع السريع لتحفيز الجسم والعقل. هذا الاختيار ليس اعتباطياً؛ فالموسيقى ذات الإيقاع المرتفع تساهم في تحفيز إفراز هرمون دوبامين، المرتبط بالشعور بالسعادة وزيادة النشاط، ما يحسّن استعداد الأفراد لمواجهة الضغوط اليومية.
خلال ساعات العمل أو الدراسة، يُلاحظ تحوّل في نوعية الموسيقى المختارة نحو أنماط أكثر هدوءاً. وأثبتت الدراسات أن الاستماع إلى أنغام خافتة ومنظمة يساعد على تقليل المشتتات وتحسين التركيز والإنتاجية، حيث تعمل الموسيقى هنا كحاجز صوتي ناعم يعزل الفرد عن الضوضاء الخارجية ويثبت انتباهه على المهمّات المحدّدة.
أما في فترات المساء، فيتجه الكثيرون لاختيار أنماط موسيقية مريحة مثل الجاز الناعم أو المقطوعات الصوتية الهادئة. هذا الانتقال الموسيقي المدروس يسهم في تهدئة الجهاز العصبي وتقليل مستويات التوتر، ما يمهّد لنوم أعمق وأكثر استقراراً.
القوائم الموسيقية كنافذة على الشخصية
تحلّل الدراسات النفسية العلاقة بين التفضيلات الموسيقية وبعض سمات الشخصية. فمحبّو الموسيقى الكلاسيكية أو التجريبية يميلون إلى الانفتاح والفضول الفكري، بينما يظهر عشاق الروك والهيب هوب والموسيقى الإلكترونية مستويات أعلى من الحيوية الاجتماعية والبحث عن الإثارة. هذا التنوّع في التفضيل يكشف أن الموسيقى ليست فقط وسيلة للترفيه، بل أيضاً أداة للتعبير عن السمات النفسية العميقة.
في هذا السياق، طرحت "النهار" أسئلة قليلة على المعالجة النفسية أنّا ماريا ماروني.
كيف تفسّرين الدور النفسي الذي تلعبه قوائمنا الموسيقية في حياتنا اليومية؟
القائمة الموسيقية ليست مجرّد تجميع لأغانٍ نحبها، بل هي أداة نفسية فعّالة نستخدمها – أحياناً بشكل لا واعٍ – للتعبير عن الذات وتنظيم مشاعرنا. في العلاج النفسي العيادي، نعتبرها وسيلة تساعد الأفراد على وضع مشاعرهم في أماكنها الصحيحة، فتسهّل عليهم التعامل مع التحديات اليومية وضغوط الحياة.
هل يمكن للموسيقى أن تساعد في كشف مشاعر مكبوتة أو غير معبّر عنها؟
بالتأكيد. تشغيل الحاسة الموسيقية يحرّك المشاعر العميقة، ويمنح الشخص فرصة للتعبير عن مشاعر قد يصعب الإفصاح عنها لفظياً. عندما يجد المستمع نفسه في أغنية تتناول مشكلة يعيشها، يشعر بالارتياح، وكأن هناك من يفهمه ويعبّر عنه. هذا يُخفّف القلق، لأن الأغنية تكسر رقابة "الأنا الأعلى" وتسمح بخروج المشاعر المكبوتة من اللاوعي إلى الوعي، ما يوفّر نوعاً من الراحة النفسية.
هل يرتبط اختيارنا لنوع الموسيقى بذوقنا فقط، أم أنّه يحمل مؤشرات أعمق عن هويتنا وشخصيتنا؟
اختيارنا للموسيقى يعكس الكثير من جوانب هويتنا، ومزاجنا، وحتى قيمنا وأخلاقياتنا. فعلى سبيل المثال، عندما نميل إلى أغانٍ تحتوي على عبارات نابية أو كلمات تمسّ بالدين أو الأخلاق، فإن هذا الاختيار قد يكون تعبيراً عن تمرّد داخلي أو حاجة للتنفيس. عندما نغنّي هذه الأغاني، فإننا نُفعّل حاسة السمع، ونُدخل مشاعرنا إلى حيّز الإدراك الخارجي، ما يساعدنا على تنظيم أفكارنا ومشاكلنا بطريقة واقعية، وبالتالي تقليل التوتر والضغط.
هل يمكن اعتبار القوائم الموسيقية محفزاً يومياً؟
نعم، بالتأكيد. القوائم الموسيقية تُحفّز المثابرة وتدفعنا إلى مواصلة يومنا. قد تحتوي قائمة الصباح على أغانٍ حماسية تشجّعنا على الانطلاق، بينما تساعدنا قوائم المساء على الاسترخاء. إنها تُنظّم إيقاعنا الداخلي بما يتناسب مع حاجاتنا النفسية في كل مرحلة من اليوم.
هل تستخدمين الموسيقى في جلسات العلاج النفسي؟
أجل. أستخدم الموسيقى، لا سيما الهادئة منها والخالية من الكلمات، كوسيلة للاسترخاء والتخفيف من الضغط النفسي، خصوصاً في حالات الحساسية المفرطة أو القلق أو الاكتئاب. تؤثّر الموسيقى في هذه السياقات بشكل كبير، فهي تُساعد المريض على الدخول في حالة من الهدوء العميق وتخفيف الأعراض النفسية بشكل فعّال.
هل يعكس تغيّر الذوق الموسيقي مع مرور الوقت تطوّرات في الهوية الشخصية؟
تنضج الأذن الموسيقية مع نضوج الفرد نفسه، فمع التقدم في العمر وتراكم الخبرات، يتغيّر ذوقنا، ويتحول من الانجذاب إلى الإيقاعات السريعة مثلاً نحو موسيقى أكثر عمقاً وتأمّلاً. كما أن الموسيقى يمكن أن تكون أداةً للتواصل الاجتماعي، إذ تُقرّب بين الناس عبر الذكريات المشتركة أو الذوق المتقارب.
هل يمكن لتحليل تفضيلات شخص ما الموسيقية أن يكشف عن آليات دفاعية أو صراعات نفسية داخلية؟
نعم، لأن الموسيقى قد تُستخدم كآلية دفاعية ضد القلق. الجسم بطبيعته يبحث عن وسائل للهروب من الألم، والموسيقى قد تكون أحد هذه الوسائل. عندما نلجأ إليها، نمنح أنفسنا مهرباً آمناً من الضغط، ونُخفّف من وطأة المشاعر الصعبة بطريقة غير تصادمية، الأمر الذي يُساعدنا على التكيّف.
كيف تؤثر الذكريات المرتبطة بأغانٍ معينة في رؤيتنا لذواتنا؟
ترتبط الموسيقى ارتباطاً وثيقاً بالذكريات، خاصة الجميلة منها. عندما نستمع إلى أغنية ارتبطت بلحظة سعيدة أو بمرحلة خالية من الألم، تُعيدنا الأغنية تلقائياً إلى ذلك الزمن. هذه العودة تخلق حالة من الراحة النفسية، وتُعيد بناء صورة الذات بشكل أكثر توازناً وطمأنينة، خصوصاً في حالات الصدمة أو الحنين إلى فترات آمنة من الحياة، وأنا أستخدم هذا التأثير أحياناً كجزء من العلاج، خاصة عند معالجة صدمات الماضي.
0 تعليق