اعترافات بيتهوفن ( 7 من 8) - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اعترافات بيتهوفن ( 7 من 8) - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 08:45 مساءً

إِنه نصٌّ فرنسيٌّ للكاتب اللبناني الفرنكوفوني المحامي اسكندر نجَّار، كان صدر كتابًا في بيروت لدى منشورات L’Orient des livres. تمَّ إِطلاقُهُ ضمن "مهرجان البستان 2020" في الاحتفاليةٍ الخاصة: "أُمسيات باريس"، على "مسرح إِميل البستاني" مساءَ الأَربعاء 26 شباط/فبراير 2020 بأَداء الممثِّل الفرنسي جان فرنسوا بالمير Balmer قراءةً النص، وعبدالرحمن الباشا عزفًا على الـﭙـيانو.
ومساء التاسع من آب/أغسطس 2022، تَمَّ إطلاقُ النص بالعربية على مسرح "مونو" – الأَشرفية، بأَداء الممثل بديع أَبو شقرا قراءةً النص، والفرنسي نيكولا شوڤرو Chevereau عزفًا على البيانو. وصدرَ النص العربي كتابًا لدى "منشورات سائر المشرق".

سأَقتطف من تلك "الاعترافات" مقاطعَ موجزةً على 8 حلقات مختَصَرة. 
هنا الحلقة السابعة (قبل الأَخيرة).

كارل ابنُ أَخي
جُرحٌ بليغٌ آخَرُ في اعترافاتي، يَعصُر قلبي كلَّما أَتذَكُّرُه: علاقتي بــكارل، ابنِ شقيقيَ الأَوسط غاسبار الذي مات فجأَةً عن 41 سنة (1774-1815). كان، في سنواته الأَخيرة، عَهَد إِليَّ بأَن أَكُون وحدي وصيًّا على وحيده كارل، لكنه قبيل وفاته قرَّر تعيينَ زوجته جوانَّا شريكةً لي في الوصاية.
بصفتي وصيًّا على كارل، وحيال سُوء السلوك لدى أَرملة أَخي، خِلتُ أَني أَستطيع أَن أَحضُنَه وأَهتمَّ به وحدي. كنتُ في حماستي أَرى في كارل وَلَدي الذي لم أُرْزَقْهُ. وتمنّيتُ أَن أَجعلَ منه الـمُبدع الـمُبْكر كما كانَ موزار، وفي بالي أَنني أَقوم بما كان يريده لي أَبي في طفولتي.

مارستُ على أُمِّه ضغوطًا قاسية
أَعترف أَنني مارستُ عليه امتلاكيةً مَرَضية ضاغطة.
كنتُ بغُروري أَدَّعي أَن أَكون له ﭘـيغماليون، إِنما لم تكُن له أَيُّ مهارةٍ، ولا أَيُّ رغبةٍ أَن يصبحَ عازفَ ﭘـيانو ماهرًا. عاندتُ. رفعتُ دعوى على أُمه متهمًا إِياها في الـمحكمة لأَحرُمها من الوصاية وأَمنعَها من رؤْيته. اِتّهمتُها بالخيانة الزوجية، وبالتسميم لزوجها، وبجرائمَ أُخرى اختَلَقْتُها زُورًا يـمنعني الخجل من ذكرها هنا. سـمَّيْتُها "ملِكة الليل"، لأُثبتَ أَنْ لا خصالَ أَخلاقيةً لها كي تربّـِي ولَدها. ربما كان يمكن أَن أَنجحَ في رعايته وحدي، من دون اتهام أَرملة أَخي لو أَنها انصاعت، لكنَّ عنادَها الشَرِس أَرغمَني على مواجهتها خمس سنوات متتالية في الـمحكمة. وبفضل علاقاتي مع المسؤُولين، ربحتُ الدعوى، ونلتُ رعاية الولد وحدي. ولا أَنسى، لحظة صدور الحكْم، نِظْرةً مُـخيفةً في عينَي جُوانَّا، امتزجَ فيها اليأْس والحقد، الضِيقة والثورة.

 

كارل بيتهوفن شابًّا: هربَ من وصاية عمِّه العبقري

 

كان عازفًا بليدًا
برغم انشغالاتي وإِعاقتي، تبنَّيتُ وحدي تربية ابن أَخي. رسائلي إِليه، وهو في المدرسة الداخلية، كنتُ أَبدأُها بعبارة "ولَدي الحبيب"، وأُوقِّعها بعبارة "أَبوكَ الطيِّب الـمُخْلص". وكما الـمروِّضُ يَلجُم حصانه، كنتُ أَستعيدُه المعزوفةَ ذاتها عشرات الـمرّات حين أُعطيه درس العزف، عاجزًا بسبب صمَمي عن تقدير مستوى عزْفه.
كنتُ أَظُن أَن الـمثابرة الـمتواصلة معه قد تؤَدّي به إِلى مستوى الإِبداع. لـم أَتنبَّه إِلى أَن الـموهبة لا تتكوَّنُ ولا تنمو بأَمْرٍ من أَحد. كان كارل عازفًا مواظبًا، صحيح، إِنما بلا مهارة. لكنني أَصمَمْتُ عنه، وهنا التعبير عن الصمَم في محلّه، مدفوعًا برغبتي أَن أَراه يحمل الشعلة من أُسرة بيتهوﭬـن. 

يتجنَّب السير حدّي
كان قليلَ التهذيب، كثيرَ الـمعاشرات السيئة، متواصلَ الاستدانة، دائمَ العُقوق تجاهي، رافضًا حتى السيرَ حدِّي متحجِّجًا بــ"مظهري الـمـجنون". لم أَرَ، بل لم أَشأْ أَن أَرى، كيف لا تستهويه الموسيقى. وحين باح لي يومًا أَنه يهوى الأَحصنة، ويحلم بأَن ينضمَّ إِلى سلاح الفرسان، انفجرْتُ ضاحكًا. ظننتُ أَنه يمزح.
ذات صباح، بلا أَيِّ إِشارة مُسْبَقة، هرَب من بيتي، عابرًا شوارعَ ﭬـيينَّا إِلى قلعة رَاوْهِنْشْتَايْن (قلعةٌ مهجورة خَرِبَة يعود بناؤُها إِلى القرن الثاني عشر) في بادِن (مدينةٌ نـمساوية على 26 كلم جنوبـيَّ ﭬـيينا) حيث اعتدْنا أَن نتنزَّه. هناك، وسط الخراب، استلَّ مسدّسًا، وجَّهَهُ إِلى صدغه وضغَط على الزناد. لكنَّ الطلقة حادَت قليلًا، وأُعجوبيًّا لَـم يُصَب إِلَّا بِـجرحٍ فقط في جبينه. ولاحقًا صرَّح: "فَلْيَكُفَّ عمِّي عن إِزعاجي باتّهاماته وتَذَمُّراته. أَمسيتُ أَسوأَ، لكثرة ما يريدني أَن أكون أَرادني أَفضل". 

 

كارل بيتهوفن رجلًا: تحرَّر من ضغوط عمِّه المجنون

كارل بيتهوفن رجلًا: تحرَّر من ضغوط عمِّه المجنون

 

كاد ينتحر بسببي
محاولةُ الانتحار هدَّتْني: كدتُ أُسبِّب موتَ مَن كنتُ أَعتبرُه ولدي!
أَخيرًا تراجعتُ نادمًا فتحرَّر كارل من قبضتي وراح يعيش مع أُمه، ملتحقًا بالخدمة العسكرية في إِيغلو) مدينةٌ تشيكية، على 122 كلم جنوبي شرقي العاصمة ﭘْـــراغ(.
آخرُ ما وصلني منه: صورة له بالبزَّة العسكرية، وعلى جبينه خصلةُ شَعرٍ تُـخفي الجرح في جبينه. في تلك الصورة ما يختصر ابنَ أَخي: تَـخَـلِّـيه عن عالَـم الـموسيقى، وفي جبينه أَثَرٌ بالغٌ عن عملٍ بائسٍ قام به، سبَبُهُ إِصراري على أَن أَجعلَ منه مبدعًا لَـم يكُن يريد أَن يَـكونَه.

الحلقة الثامنة (الأَخيرة): انتقامي من الحياة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق