نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب في الخليج: صفقات بمئات المليارات ورسائل إلى المنطقة والصين - تكنو بلس, اليوم الجمعة 16 مايو 2025 06:25 صباحاً
في لحظة سياسية واقتصادية بالغة التعقيد تمرّ بها المنطقة، جاءت جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الخليج هذا الأسبوع عرضاً سياسياً واقتصادياً مدوّياً، أعاد رسم الملامح الجيوسياسية، وترك بصماته على قمتين مهمتين: قمة الرياض الأميركية الخليجية وقمة بغداد العربية. لكن الواقع أن القمة الأولى خطفت كثيراً من الأضواء من الأخرى، على وقع إبرام صفقات بمليارات ورفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا وإعادة رسم الخرائط السياسية الإقليمية والدولية.
وإلى جانب الصفقات التي وقعها ترامب في الرياض والدوحة وأبو ظبي خلال زيارته إياها على التوالي، وسجّلت قيمها مجتمعة أرقاماً لافتة بمئات مليارات الدولارات وشملت أسلحة وطائرات وتكنولوجيات بما فيها الذكاء الاصطناعي، أعلن الرئيس الأميركي أن الجولة قد تدرّ ما يصل إلى أربعة تريليونات دولار من الاستثمارات الخليجية في البنية التحتية الأميركية.
لكن المعركة الترامبية الحقيقية لم تكن اقتصادية فحسب، بل تكنولوجية واستراتيجية ضد الصين، لكن دول الخليج لن تتراجع عن حفاظها على علاقات طيبة في مختلف المجالات مع بكين، ما يجعلها قوة لا يمكن تجاهلها في التوازنات الإقليمية والعالمية. لقد ألغى ترامب "قاعدة نشر الذكاء الاصطناعي" التي وضعها بايدن، ما فتح الباب أمام تصدير شرائح متقدمة إلى العالم، وخصوصاً دول الخليج، ما يمثّل تحدياً للهيمنة الصينية على سباق الذكاء الصناعي في الشرق الأوسط.
إضافة إلى الصفقات والاستثمارات، حمل ترامب أجندة سياسية لا تقلّ دراماتيكية: لقد أعلن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وعقد لقاء غير مسبوق مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. هذان التطوران اللذان حظيا بتأييد نادر من شخصيات أميركية مثل الديموقراطي المخضرم ليون بانيتا، اعتُبِرا خطوة أولى نحو إدخال سوريا في المسار الأميركي، وربما نحو تمهيد الطريق لتطبيع سوري مستقبلي مع إسرائيل، وفق ما لمح إليه ترامب صراحة.
أما إيران، فكانت حاضرة بثقلها في خطابات ترامب، إذ تحدّث الأخير عن "مفاوضات جدية" مع طهران في شأن برنامجها النووي، ملمحاً إلى اقتراب التوصل إلى اتفاق جديد. وبينما أصر على أن معالجة الملف الإيراني يجب أن تجري "بذكاء لا بعنف"، حذّر من أن رفض إيران للشروط الأميركية قد يفتح الباب أمام تصعيد عسكري.
هذه الرسائل الكثيفة لم تكن بمعزل عن قمة بغداد العربية المقررة السبت، والتي أصرّ المسؤولون العراقيون على تقديمها محطة لمّ شمل للموقف العربي. ومع حضور عشرات القادة والمبعوثين، وطرح مشاريع لمراكز عربية لمكافحة الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة، بدت القمة محاولة لإثبات أن العرب قادرون على المبادرة لا التلقي. إلا أن التزامن الزمني والسياسي مع جولة ترامب ألقى بثقله على النقاشات، وخصوصاً أن أبرز تطورات القضية السورية، أحد محاور القمة، كان يُحسَم على طاولة قمة الرياض.
في هذا السياق، قد تبدو تصريحات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، التي رحب فيها برفع العقوبات عن سوريا واعتبر قمة الرياض "مكملة" لقمة بغداد، محاولة ديبلوماسية لاحتواء الواقع الجديد. لكن الرسالة الأوضح كانت أن واشنطن، عبر ترامب، عادت إلى الشرق الأوسط لا كوسيط سلام تقليدي، بل كمهندس لتسويات كبرى يُعَاد من خلالها تشكيل ميزان القوى الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي في الإقليم.
أما غياب الرئيس السوري عن قمة بغداد، وتكليف وزير خارجيته أسعد الشيباني ترؤس الوفد، فكان بدوره دليلاً على هشاشة الموقف العربي الموحد حيال الملف السوري، في مقابل التصميم الأميركي على إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق. وترافق ذلك مع تباينات أميركية - إسرائيلية، وخصوصاً أن ترامب تجاوز تل أبيب في اتفاق إطلاق آخر رهينة أميركي حي في غزة، وفي اتفاق وقف الهجمات الحوثية على أهداف أميركية، ما أزعج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بدا ترامب في هذه الجولة كأنه يستعيد أسلوبه القديم في الجمع بين "التشويق السياسي" و"البراغماتية الاقتصادية"، لكنه فعل ذلك في لحظة تفتقر فيها العواصم العربية إلى رؤية موحّدة. فبينما كانت قمة بغداد تدعو إلى تكامل اقتصادي عربي، كان ترامب يُطلِق سباقاً اقتصادياً تكنولوجياً بطابع دولي، ويرسم حدود شراكات جديدة. وفي نهاية المطاف، يبدو أن "قمة بغداد" تحاول التشبث بحد أدنى من الاستقلالية، لكنها تتراجع أمام زخم واشنطن وتمركز الثقل العربي في الخليج العربي.
0 تعليق