نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"إيران أولاً"... تحرير السياسة الخارجية من أيدي الموتورين - تكنو بلس, اليوم الأحد 18 مايو 2025 11:58 مساءً
لا تزال التجربة الإيرانية مُلهمةً بشكل كبير، فالدولة ذات الحضارة العريقة عاشت تجربة الثورة عام 1979، واتشحت بسواد الملالي وأعلنت تأسيسها الجمهورية الإسلامية، وذلك في ضدية مع مرحلة النظام الشاهنشاهي العلماني.
ومِثل أي أيديولوجيا تبحث عن عدو تُعلق عليه إخفاقاتها، أعلن الخميني الذي قضى على شركائه في الثورة، أن أميركا هي "الشيطان الأكبر"، ولم يكن موقفه ينبع من رؤية مثالية كما تصورت التيارات الإسلامية في عالمنا، إنما كان فزعه من تكرار تجربة الانقلاب على مصدق 1953، الذي وضع بذرة التأميم لطرد الإنكليز من المنطقة، إذ كان الخميني يتوجس من عودة الشاه محمد رضا، وقد أقلقته موافقة الرئيس الأميركي جيمي كارتر على دخوله للعلاج في أميركا، وهو ما اعتبره مؤامرة على الثورة.
من هنا بدأت القطيعة بين إيران وأميركا، بينما كانت لدى كارتر رغبة في الحفاظ على العلاقات مع طهران والقبول بحكومة الأمر الواقع آنذاك، ولذلك عمل على الاتصال بها؛ ما أطاح بتلك الحكومة الموقتة التي قادها مهدي بازركان، إذ سيطر الثوار المَوْتُورون على توجهات السياسة الخارجية واتهموا تلك الحكومة والقوميين بالعمالة لأميركا، وطالبوا بعودة الشاه لمحاكمته في إيران مقابل تحرير رهائن السفارة الأميركية! وهؤلاء أيضاً قادوا بلادهم إلى قطيعة إقليمية وهو ما ظهر من خلال موقفهم تجاه مصر-السادات.
ثم بدأت إيران فصلاً من محاولة بناء نموذج مضى طويلاً على الخط الذي رسمه المَوْتُورون، حتى أن التيار المعارض لهؤلاء وهم الإصلاحيون، أشاروا إلى هؤلاء بحكم الأقلية، فالتيار المحافظ ظل طوال الوقت يكرر نظرته التي حملها تجاه حكومة مهدي بَزرگان واصفاً أي حكومة إصلاحية بالعميلة للغرب. لكن هدفه الحقيقي كان المكاسب التي حققها من التموضع الاجتماعي والمكانة التي اكتسبها هذا التيار المتشدد، ليتم بذلك اختزال ثورة شعبٍ في طبقة اجتماعية تتكسب من أزمات نظامها والعداء مع الغرب!
بينما رفعت إيران شعار "لا شرقية ولا غربية" في سياستها الخارجية، كان لا مفر من بحثها عن تفاعل مع العالم الخارجي، إذ كان من المستحيل استمرار العمل بذلك الشعار، فلم يستطع المحافظون المهيمنون على السلطة الالتزام بسياسة عدم الانحياز، بل وجدوا أنفسهم إلى جانب القوى الشرقية باسم العداء تجاه الغرب، وتورطوا مع روسيا في سوريا وأوكرانيا وأفريقيا على سبيل المثال، باسم محاربة الأحادية القطبية في العالم!
أما الإصلاحيون فاختاروا شعار "إيران أولاً" وهي السياسة التي أرادها مهدي بَزرگان بالحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، فقبلوا الدخول في مفاوضات مع القوى الأوروبية والأميركية وكذلك مع روسيا والصين تحت مظلة مجموعة 5+1 من أجل التوازن بين الشرق والغرب والأهم رفع العقوبات الأممية والغربية عن بلادهم، وبالفعل تم التوصل إلى اتفاق عام 2015، لكن المحافظين دمروه بتحالفهم مع الروس، وذلك بشهادة وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف.
والآن، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقام خلال ولايته الثانية بتوضيح شعاره: "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" على أنه يعني: "أميركا أولاً". ومن ثمّ فإن معركته ليست عسكرية مع روسيا والصين، وصراعه ليس على الاحتفاظ بالأحادية القطبية؛ بل على "أميركا أولاً" في أي معادلة اقتصادية أو تجارية. أمرٌ اتضح بشكل جليّ خلال زيارته دولاً في الخليج العربي، وإفصاحه عن رغبته في استعادة العلاقات مع إيران في الضفة الأخرى، بينما تدور أحاديث عن استثمارات أميركية ضخمة تنتظر الاتفاق بين واشنطن وطهران. وفي الأثناء يخطط أيضاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة طهران قريباً للاحتفال بالمعاهدة الاستراتيجية بين بلاده وإيران.
وبذلك، إذا ما نجحت طهران في التوصل إلى اتفاق مع الغرب، وهو أمرٌ محتمل بقوة ولو بشكل موقت مرحلي، نجد تجربتها قد انتهت بالعودة إلى إيران-الشاه حيث كان الشمال للروس والجنوب للأميركيين والإنكليز، والعودة أيضاً إلى إيران-بَزرگان حيث "إيران أولاً" شعارٌ لم تفهمه عقولٌ عليها أقفالها!
0 تعليق