نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لأنّ إبادة الذاكرة جزء من الإبادة الجماعية... الفلسطينيون يوثّقون مأساتهم بصور تلازمهم أينما هجّروا (صور وفيديو) - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 03:35 مساءً
لطالما كانت إحدى هواياتي أن أبحث عن الصور الفوتوغرافية وأنبش الأوراق للحصول على المزيد منها، وعندما كنت أعثر على ذلك الكنز، كنت أنادي جدتي لأطرح عليها أسئلة لا تنتهي، بعضها تصعب الإجابة عنه مثل "شو صار بالصور؟" وبعضها الآخر يحتاج لمجهود كبيرٍ وشرح مفصل "تيتا ليش ما أخدتي كل الصور معك؟".
من منا لم ينبش أرشيف عائلته بحثاً عن مزيدٍ من الصور لذلك المنزل الذي طالما بقي عالقاً في الذاكرة، وحاولنا رسم صورٍ له في مخيلتنا كما وصفوه لنا بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة؟ من منا لم يشاهد الصور الفوتوغرافية التي توثّق نكبة الفلسطينين الأولى عام 1948ولم يتخيل وجود أجداده وأهله داخل الحافلات تنقلهم خارج مدنهم وقراهم إلى مكان بعيد خلف الحدود بعد أن تم تهجيرهم منها.
لطالما سمع المقدسيون خصوصاً من بعض أهلهم خلال نزهة بالسيارة، أو خلال كزدورة، كما اعتدت مع والدتي، باتجاه أحياء الطالبية أو البقعة أو القطمون: "هون كان بيتنا"،"وهون إنولد أبوك وأُخرج طفلاً صغيراً مع عائلته".
أطفال في مركز الألعاب في مخيم المغازي للاجئين، قطاع غزة، 1956. المصدر: أرشيف الأونروا، جاك مادفو
أصبحت الصورة وثيقة تاريخية
للصورة الفوتوغرافية تأثير قوي، فهي تغني عن ألف كلمة، تجاوزت أهمية الصورة المجالين الإعلامي والسياسي، لتصبح إحدى الأدوات الأساسية في حفظ الذاكرة المجتمعية والمكانية، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي انتقلت من الاحترافية لتصبح أداة سهلة في يد كل شخص.
هناك الكثير من الفلسطينيين الذين حرموا قسراً من توثيق لحظات حياتهم في الماضي، كما في الحاضر، وربما في المستقبل أيضاً، أسرى قبعوا وما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي محكومون بمؤبدات طويلة، منهم إخوة أو أبناء عمومة أو حتى أبناء لأسرى يقضون محكوميتهم، كان يحق لهم أن يتصوروا مرتين في العام وقد تمتد لأربعة أعوام، لكن بسبب الأوضاع اللإنسانية التي يعانون منها لم يعد مسموحاً لهم التصوير، فلا تصل صورهم أصلاً، واقتصر الأمر على توثيق لحظة خروجهم ومقارنة أحوالهم بكيف كانت؟ وكيف أصبحت؟
مع مرور الوقت أصبحت الصور الفوتوغرافية بمثابة وثيقة تاريخية، وفي ضوء الحرب المستمرة على غزة، أصبح جلياً أن الإبادة الإسرائيلية تستهدف الوجود الفلسطيني بكل أشكاله، وتسعى للقضاء على كل ما هو حي وحيوي وقابل للحياة، وتتعمد تشويه الذاكرة الجماعية ومحوها. فالاستهداف المتعمد للأرشيفات الفلسطينية يفضح التوجه الاستعماري لطمس الهوية والحضارة والتاريخ.
عن ذلك، يقول المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة لـ"النهار" إن إنشاء أرشيف للاجئين الفلسطينين من وثائق وصور فوتوغرافية وسلايدات وأفلام، يعتبر من أهم الأنجازات التاريخية التي قامت بها الوكالة، فقد قامت ولا تزال تقوم بعملية أرشفتها رقمياً وتقدر بأكثر من 30 مليون وثيقة، بالإضافة إلى مئات الأفلام وأكثر من نصف مليون صورة بالأبيض والأسود والملونة، التي واكبت الحراك الاقتصادي والاجتماعي وعملية اللجوء الفلسطيني، وهناك كذلك صور لما قبل عام 1948.
ويعتبر أن "هذه الوثائق التي لا تقدر بثمن تمت أرشفتها إلكترونياً وأخرجت بسلام من غزة ولم تفنَ، وما زلنا نقوم بأرشفة المزيد من الوثائق، كلها تشكل الذاكرة الجماعية للفلسطينيين وتحديداً اللاجئين، لذلك لا خوف على الماضي وعلى الحاضر، هناك جهد كبير الآن يشمل كل المناطق للإسراع في الأرشفة والحفاظ على ما نملكه".

وقت للعب في مخيم قبر الست بسورية، 1972. المصدر: أرشيف الأونروا، م. نصر
ويلفت أبو حسنة إلى أنه بإمكان المعنيين من باحثين وأكاديميين ومؤسسات وأي لاجئ فلسطيني حول العالم الوصول إلى هذه الوثائق والصور والأفلام من خلال موقع الأونروا بتقديم طلبٍ للمسؤولين عن الأرشيف وتحديد الصور والأفلام التي يريدونها.
وأدت حرب الإبادة إلى تشريد الأرشيفات الخاصة وسلبها وتهجيرها، وهو ما حدث خلال النكبة ما دفع الفلسطينيين اليوم إلى استخدام أساليب بديلة للحفاظ عليها، والتي ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في تفادي ضياع الذاكرة والهوية والرواية الفلسطينية، منها الأرشفة الرقمية للمجموعات العائلية، والتي تُعد مصدراً لكتابة التاريخ الاجتماعي والسياسي ولتوثيق الإبادة التي تشهدها غزة والضفة الغربية، فالخطوة الأولى لتدمير أي شعب تبدأ بمحو هويته وذاكرته، وتدمير تاريخه وثقافته، ليتم إعادة كتابة التاريخ من جديد وفقاً للمستعمرين.
من غزة إلى الضفة صور تكرر
المصوّرة الصحافية فريال عبده من غزة، والتي نزحت مع عائلتها أكثر من 7 مرات خلال الحرب التي تقترب من يومها الـ 580، تقول لـ"النهار" إن أولويات النازح هي الهاتف النقال و"اللاب توب" ثم النقود والشهادات وبالطبع بطاقة الهوية وجواز السفر وألبوم الصور في حقيبة يطلق عليها "الشنطة المهمة" التي يجب أن يحملها أحد أفراد العائلة على ظهره، وتعتبر من الأساسيات.
وتضيف: "أستدركت ألبوم الصور بعد أن حرق بيتنا، ووجدت بقايا منه فأخدت المتبقية ومسحتها ووضعتها بين الشهادات، لقد فقدت نصف صور طفولتي لكن البعض الآخر لايزال معي، إذ أرشفته رقمياً، لكني فقدت أرشيفي الخاص الذي عملت عليه منذ أيام الجامعة".
وتروي أن أمها "لم تهتم كثيراً لفقدان صورها القديمة فأغلب من فيها الآن هم شهداء وبالنسبة إليها ذكرى مؤلمة لها، لكنها تهتم كثيرأ بصور الأحفاد وهو أرشيف جديد نسبياً منذ عشر سنوات وهو ما يتذكره الجميع"، متابعة: "حالياً، اختلفت نظرتي إلى التصوير وأصبحت أهتم أكثر بتصوير كل المشاهد التي تلفت انتباهي، كما أوثق أي دمار يشدني، أو كتابة على الحائط، وبما أني فقدت أرشيفي أسعى اليوم لاستعادته، فأنا أذكر الملامح الحزينة على وجوه الناس وكيف كنت أركز على التقاط الصور لإظهارها، وعلى جمال البحر على رغم الحصار".
وتختم بأن "الصورة أو فكرتها تبقى عالقة في ذهني، وأفكر كثيراً لماذا لم ألتقطها من زاوية أخرى أو بطريقة مختلفة، أما أكثر الصور الحزينة التي التقطها خلال الحرب فصورة لعائلتي وكنت أمشي خلفها ولا أنسى صورة والدي، وهناك صورة أخرى لا تزال عالقة في ذهني خلال الهدنة الأخيرة التقطت صورة لغرافيك "في أمل" بين الركام وكلما ضاقت بي الدنيا أتذكرها وأقول لنفسي في أمل حتى لو بين الركام".
نزحت الناشطة الاجتماعية عبلة عيد (59 عاماً) مع 27 فرداً من عائلتها من مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية مرتين، منذ بداية العملية العسكرية المستمرة منذ أكثر من 100يوم، كانت نعتقد أن العملية ستستغرق أياماً معدودة أو أسبوعاً على أبعد تقدير، لكنها فاقت اليوم الأربعة شهور.
تقول إن "أولويات النزوح تختلف من شخصٍ إلى آخر، كل بحسب ظروفة واحتياجاته وتفكيره، وبسبب الاجتياحات المتكررة للمدينة سابقاً، لدينا في المنزل حقيبة فيها كل الأوراق المهمة والنقود والشهادات تحسباً لأي طارئ، لأن جنود الاحتلال في العادة إذا دخلوا إلى البيوت ووجدوها فالاحتمالات كبيرة بأن يمزقوها".
وتتذكر عيد دائما "صورة باب البيت القديم، وغرفتي وأزقة المخيم والحارة والجيران، وجمعة الجارات على باب البيت".

صورة قديمة حفظتها فريال عبده في مجموعة صورها

صورة قديمة حفظتها فريال عبده في مجموعة صورها

صورة قديمة للنزوح حفظتها فريال عبده في مجموعة صورها

صورة قديمة حفظتها فريال عبده في مجموعة صورها
صور لا تنسى
يرى مصور وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في مدينة جنين محمد منصور، وهو أحد المصورين يغطون العملية العسكرية منذ لحظاتها الأولى، أن مشهد النازحين أثناء خروجهم من المخيم يعتبر من أصعب اللحظات التي يمكن توثيقها، بخاصة الأطفال وكبار السن، اثناء سيرهم في الشوارع المدمرة. وهناك أيضا صور أشلاء الشهداء وتفجير جيش الإحتلال عدداً كبيراً من المنازل دفعة واحدة قبل أكثر من شهرين في مخيم جنين، كانت لحظات مؤثرة وصعبة، فأنت ترى أمام عينيك أحياء سكنية كاملة تدمر خلال ثوان".
ولا يعتقد منصور أنه أثناء خروج الناس من المخيم تذكروا أخذ الصور معهم لأن الأولوية تكون للخروج، والكثير من الناس فقدوا مقتنياتهم وكل ما يتعلق بحياتهم، ولو أتيح للناس العودة وأخذ كل مقتنياتهم من بيوتهم، سيكون خيار جلب ألبومات الصور وارداً جداً.
ويشير منصور إلى أن أهالي الشهداء يهتمون كثيراً بالصور لتبقى ذكرى أبنائهم حاضرة دائماً، وينشرونها في منصات التواصل الإجتماعي أو يعلقونها داخل بيوتهم.

نزوح من مخيم جنين للاجئين - محمد منصور
0 تعليق