تأثير القدرة المؤسسية لإستيعاب المساعدات الحكومية على الدين العام في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تأثير القدرة المؤسسية لإستيعاب المساعدات الحكومية على الدين العام في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 05:54 مساءً

أظهرت دراسة حديثة عن القدرة المؤسسية لاستعياب المساعدات الحكومية على الدين العام في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن استدامة الدين العام في هذه الدول تتأثر بشكل كبير بجودة المؤسسات والاستخدام الفعّال للمساعدات الأجنبية. وتبرز أهمية الأطر الحوكميّة القوية، لاسيما من خلال الإدارة العامة الرقمية، في التخفيف من مواطن الضعف المالي وضمان مساهمة المساعدات الخارجية في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام بدلا من إعادة إنتاج دوامات الديون.

 

وتبرز الدراسة التي أعدتها الدكتورة علا الصيداني الحوكمة المؤسسية كعامل حاسم في إدارة استدامة الدين العام. إذ ترتبط الحوكمة الفعالة بانخفاض مستويات الدين، بينما تؤدي الهياكل المؤسسية الضعيفة إلى تفاقم تراكم الديون نتيجة سوء تخصيص الموارد واستشراء الفساد. ومن المثير للاهتمام أن البلدان ذات الأطر المؤسسية القوية قد تشهد أحياناً زيادات في الاقتراض، وإن كانت بشروط ميسرة لتمويل استثمارات إنتاجية، وذلك بسبب سمعتها الجيدة في دفع الديون عند استحقاقاتها. ومن هنا، تبقى الموازنة بين سهولة الاقتراض والانضباط المالي أمراً ضرورياً. وتُعد رقمنة العمليات الحكومية تحولاً نوعياً يعزز من قوة المؤسسات بشكل ملحوظ، حيث تسهّل أدوات الحوكمة الرقمية تحقيق مزيد من الشفافية وتقليص فرص الفساد وتعزيز الانضباط المالي عبر تحسين تتبع وإدارة الدين العام. ومن ثمّ، تسهم الرقمنة في تعزيز الصلابة المالية، بما يجعلها عنصراً محورياً في استراتيجيات إدارة الديون الفعالة.

 

تُقدم الدراسة أيضاً مؤشراً مركباً جديداً لقياس قدرة المؤسسات على امتصاص المساعدات، مما يُظهر أن الحوكمة الفعالة، إذا ما تكاملت مع تحسين رأس المال البشري والبنية التحتية الجيدة (تحديداً الحصول الى الكهرباء) ورقمنة العمليات الحكومية، تعزز بدرجة كبيرة من كفاءة استخدام المساعدات. وتتمكن الدول ذات القدرة المؤسسية العالية من استخدام المساعدات الخارجية بفعالية أكبر بما يتماشى مع أولوياتها التنموية الاستراتيجية، وبما يسهم في تخفيض أعباء ديونها. ويُعد هذا المؤشر من المساهمات العلمية الجوهرية في الأطروحة، حيث إنه لا يكتفي بتوصيف حالة المؤسسات فحسب، بل يقيس بطريقة كمية وتراكمية قدرة الدولة على تحويل المساعدات إلى نتائج تنموية ملموسة. وتكمن أهمية هذا المؤشر في أنه يُظهر كيف أن امتلاك بيئة مؤسساتية ذات قدرة استيعابية مرتفعة قد يُخفف من الأثر السلبي لسوء جودة المؤسسات. فحتى في البلدان التي تعاني من ضعف مؤسسي مزمن، تُظهر النتائج أن وجود عناصر بنيوية داعمة، مثل البنية التحتية الرقمية، وكفاءة رأس المال البشري، وسهولة الحصول على الكهرباء، يؤدي إلى تقليل الأعباء المرتبطة بالديون العامة. وهذا يُعد دليلاً عملياً على أن تعزيز القدرة الاستيعابية المؤسسية يُمثّل أداة فعالة للتعويض عن هشاشة الحوكمة العامة، وتوجيه المساعدات نحو أهداف تنموية مستدامة. 

 

كما تحدد الدراسة الدور الحاسم للعوامل السياقية في إدارة الأزمات، مبيّنةً أن الهشاشة والظروف الحرجة (حروب وتحديات أمنية والتأثر بالنزاعات) عادةً ما تضاعف من تراكم الديون بسبب النفقات الطارئة الممولة عبر الاقتراض دون تخطيط مالي استراتيجي كافٍ. لذا، فإن تعزيز الأطر المؤسسية والحفاظ على إدارة مالية منضبطة خلال الفترات المستقرة أمران أساسيان للتخفيف من هذه الهشاشات.

 

 

صورة تعبيرية (وكالات)

 

استجابة لهذه النتائج، توصي الدراسة بوجوب تنفيذ استراتيجيات إدارة الدين المتكاملة بشكل شامل مع التركيز على الحوكمة المالية الرشيدة، وتنويع مصادر الإيرادات، وتوجيه الموارد المقترضة نحو القطاعات الإنتاجية. كما أن الإصلاحات المؤسسية والحكومية ضرورية، إذ تحتاج دول المنطقة الى تعزيز معايير الحوكمة، وتطبيق تشريعات المسؤولية المالية، واستخدام أدوات الحوكمة الرقمية لضمان الشفافية والمساءلة. ويُوصى بإنشاء مكاتب متخصصة لإدارة الديون مزودة بكوادر فنية قادرة على التعامل مع آليات الاقتراض المعقدة. وفي ما يتعلق بالإنفاق العسكري، توصي الدراسة بإعادة تقييمه استراتيجياً، بحيث يتم إعطاء الأولوية للكفاءة والشفافية ومواءمة ميزانيات الدفاع مع أهداف التنمية الاقتصادية الأوسع. وينبغي التركيز على الاستثمارات الدفاعية التي تقدم فوائد مزدوجة مثل الأمن السيبراني والبنية التحتية للاتصالات. أما إدارة التضخم فتتطلب تنسيقاً متكاملاً بين السياسات النقدية والمالية، مع تعزيز استقلالية البنوك المركزية وتبني إجراءات مستهدفة للسيطرة على التضخم. كما أن تشجيع الاقتراض بالعملات المحلية وتطوير أسواق الدين المحلية يُساعد في الحد من المخاطر المرتبطة بالديون بالعملات الأجنبية.

 

تؤكد الدراسة كذلك ضرورة تحسين استغلال المساعدات الأجنبية عبر مواءمة برامج المساعدات بشكل وثيق مع الأهداف التنموية الاستراتيجية للدول المستقبِلة، وتعزيز مشروطية المساعدات بما يضمن تحقيق تحسينات ملموسة في الحوكمة وجودة المؤسسات؛ الامر الذي يساعد تدريجياً في تخفيف الحاجة الى المساعدات الخارجية. أخيراً، تشدد الدراسة على أهمية تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات عبر بناء احتياطيات مالية خلال الفترات المستقرة وتوظيف آليات إعادة هيكلة الديون بشكل استباقي عند الحاجة. كما أن الاستثمار في برامج بناء القدرات واستخدام الحوكمة الرقمية سيُعزز من قدرات إدارة الديون ومتانة المؤسسات في البيئات المتأثرة بالأزمات. 

 

في الخلاصة، تتطلب إدارة الدين العام بفعالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اعتماد نهج شامل يدمج بين تعزيز المؤسسات، تبني سياسات مالية منضبطة، الاستغلال الاستراتيجي للمساعدات الحكومية، وتنفيذ إصلاحات مستهدفة لمعالجة مواطن الضعف الاقتصادي. إن تنفيذ هذه التوصيات سيُسهم في تعزيز الصلابة المالية ودفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام في المنطقة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق