نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عندما تكون الضمانات شفهية، فهل تعني الحرب حتماً؟ - تكنو بلس, اليوم الخميس 22 مايو 2025 04:58 صباحاً
استضافت سلطنة عمان أخيراً الجولة الرابعة من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، التي استمرت لأكثر من ثلاث ساعات، وجمعت ممثلين للطرفين بوساطة عمانية. ووصفت هذه الجولة بأنها "صعبة ولكن مفيدة"، حسب تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي.
"صعبة ومفيدة"، عبارة لها دلالات تترك للمتابع التكهن، حيث يجد البعض في صعوبتها طريقاً مسدوداً نحو الحرب مستندين إلى ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الجمعة 16 أيار/ مايو الجاري، إن طهران لم تتلق أيّ مقترحات مكتوبة من الولايات المتحدة بشأن اتفاق نووي محتمل، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن إيران تلقت اقتراحاً من هذا القبيل.
مهلًا يا سيد عراقجي، ما تطلبه من ضمانات خطية من الولايات المتحدة ألا يذكّر بشيء؟ عد بالزمن سنوات إلى الوراء، عندما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلب الضمانات الأميركية الخطية بعدم إقدام حلف شمال الأطلسي (الناتو) على تهديد أمن بلاده القومي ولم ينلها، عندها اختار الحرب. هل تذكر أن بوتين قرّر أخذ الضمانات بقوة بلاده العسكرية، لهذا اجتاحت قواته الأراضي الأوكرانية، ولم تزل تقاتل إلى اليوم، فهل هذا ما ستقوم به بلادك في ما خص أخذ الضمانات؟
كان الرئيس بوتين يصدر الإنذارات للغرب قبل بداية عمليته العسكرية الخاصة في أوكرانيا. لقد أوضح أكثر من مرة في عام 2021 أنه يفكر ملياً في عدد من الخيارات إن لم تُقدّم له الضمانات المطلوبة، إذ قدمت يومها موسكو مسوّدات وثائق أمنية، تطالب حلف شمال الأطلسي برفض عضوية أوكرانيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق والتراجع عن الانتشار العسكري للحلف في وسط وشرق أوروبا، ولكن دون جدوى.
قد تكون الأمور هنا مختلفة عنها عند الروسي، على اعتبار أن الآخر المختلف عن روسيا، كان يجد في الدفع بها لحرب في أوكرانيا نوعاً من الاستثمار، إذ وجدت واشنطن أنها أساسية لإتمام سياساتها التي وضعتها إدارة بايدن والمرتبطة بـ"احتواء" القوة الصاعدة، الروسية والصينية، بينما كان الأوروبي يتخوف من أحلام الرجل الروسي ببناء الإمبراطورية، لهذا كان يشترط عدم ضمّ أيّ من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً إلى حلف الناتو أو إلى الاتحاد الأوروبي.
الأكيد، أن الإيراني سينتظر كثيراً للحصول على الضمانات التي يطالب بها، لأنّ الغرب لا يبدو أنه يعطي مثل هذه الضمانات، تحديداً للدول ذات الثقافة غير الغربية. فإن الصراع بين الشرق والغرب لا يموت، فهو منذ نشأة الحضارات، والغرب يجد أن ثقافته تعلو فوق الثقافات الأخرى. هذا ما يجعل لغة التخاطب مع الآخر تمتاز بالفوقية والتعالي، وهذا ما عانى منه بوتين ولم يزل، فأن يقول رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن بوتين "يجب أن يدفع الثمن إذا استمر في رفضه التفاوض من أجل السلام مع أوكرانيا"، هو دليل على العقلية الغربية ولغتها في مخاطبة الآخر المختلف عنها.
كما موسكو كذلك طهران، فاللغة التي يتمسك بها الغرب تجاه إيران وملفها النووي، لا تخلو من التعالي وإصدار الأوامر والتهديد بفرض المزيد من العقوبات. طريقة التعاطي هذه مع الدول، أعطت لها فكرة التضامن وتضافر الجهود لفكّ عقدة التعالي الغربي عبر طرح مشروع "الصدمة الإيجابية" في النظام الدولي القائم.
أدركت إدارة ترامب أن خطيئة السياسة التي اعتمدتها إدارة جو بايدن السابقة أدت بهذه الدول إلى أن تجتمع على مبدأ "العدو يجمعنا". هذا الإجماع على ضرب الهيمنة الأميركية، دفع إدارة ترامب إلى وضع استراتيجية ترتكز على "تشتيت" التركيز عبر حصر الأزمات في مناطق الصراع. لهذا افتتح ترامب عهده بإطلاق الدعوة نحو السلام، ليطلق بعدها "الحرب التجارية" مع الدول تحديداً الصين.
استطاع ترامب ضبط حدود الصراع مع الصين، وجعله يرتبط بحدود الرسوم الجمركية، حيث تخوض اليوم بكين مفاوضات شاقة مع الإدارة الأميركية لمعالجة هذه الأزمة المستجدة. لم تطل روسيا تلك الرسوم، لأنّ الأميركي يجد ضرورة حصر صراعه مع روسيا على الأراضي الأوكرانية، وعدم السماح لها بأن تناور في ساحات أخرى تحديداً الإيرانية.
تحدد طهران اليوم وضعها بالمعقد، فهي من ناحية وقّعت على شراكات استراتيجية مع كل من الصين وروسيا، ولكن في الوقت نفسه تجدها ترزح تحت تأثير العقوبات، حيث إسقاطها يُعدّ مستحيلاً، لأنّ الأميركي يربط التفاوض بمعضلتين لا تقلان أهمية عن معضلة التسلح النووي، وهما التخلي عن وكلائها في المنطقة، وتفكيك برنامجها الباليستي.
ليست سهلة تلك المفاوضات، رغم إعطائها صفة الإيجابية، فهي معقدة ومتشابكة وقد لا يكون لها أفق. فالغربي حتماً لن يعطي الضمانات الخطية، بل سيكتفي بالتطمينات ليضع نفسه في حالة المراقب لأي تطور جديد لأي أزمة طارئة، لأنّ الحلفاء الذين أجمعوا على إزاحة الأمركة عن النظام العالمي، لديهم "تكتيكاتهم" أيضاً التي تواكب مراحل التسويات مع الغرب.
لقد ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أشرف على تدريبات للقوات الجوية وشدد على ضرورة تكثيف الاستعدادات للحرب. ليس من باب الصدفة إشرافه على هذه التدريبات، وهناك آلاف من جنوده يقاتلون إلى جانب الجيش الروسي في منطقة كورسك، بل هو تبادل أدوار متفق عليه مسبقاً، يقوم على رفع التهديد من أحد أركان التحالف بوجه الهيمنة الأميركية، كي يضع الغرب أمام خيار الحرب الحاضر دائماً، إذا فشلت المفاوضات، ودخلت إحدى الدول في حرب مباشرة مع واشنطن.
إن فشل التفاوض الأميركي الإيراني، قد لا يعود سببه إلى الآلية المطروحة في شروط المفاوضات، بل في عنصر المفاجأة الذي قد تقوم به إسرائيل بقصفها المنشآت النووية وربما غيرها في إيران، إذ إن عنصر المباغتة هو السياسة الأحب في الاعتداء الإسرائيلي لتوجّه الضربة القاضية للخصم، تماماً كما فعلت مع العرب في حرب 1967.
لا شيء مستبعداً حيث لا ضمانات خطية غربية ستعطى لإيران، وما دامت إدارة ترامب لا تستطيع فرض سلام في أي ساحة ساخنة في العالم. لهذا كل شيء متوقع ومطروح، فهل من حرب قادمة توسعية في المنطقة؟
0 تعليق