نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الديمقراطية في فخ الإسلام السياسي - تكنو بلس, اليوم الأحد 25 مايو 2025 12:35 صباحاً
استغلت الجماعة مناخ الحريات في أوروبا، لا سيما حرية التعبير والمعتقد، لبناء بنية تحتية دعوية ظاهرها الوعظ والإرشاد، وباطنها التمكين السياسي، فلم يكن اختراق الإسلام السياسي للساحة الأوروبية عشوائياً، بل نُفّذ بمنهجية دقيقة، مستنداً إلى قراءة ذكية للثغرات القانونية والبيئة السياسية الأوروبية...
بريطانيا وفرنسا، بحكم إرثهما الاستعماري وموقعهما في الحرب الباردة، كانتا من أوائل الدول التي فتحت الأبواب، بدافع حسابات استخباراتية تارة، وسذاجة ليبرالية تارة أخرى.
في خمسينيات القرن الماضي، احتضنت لندن شخصيات إخوانية بارزة هاربة من بطش أنظمة ما بعد الاستقلال، وعلى رأسهم سعيد رمضان، صهر حسن البنا وأحد أهم مهندسي التمدد الإخواني في الغرب... مما حول بريطانيا إلى الملاذ الأول لهم...
أسس رمضان في جنيف حينها «المركز الإسلامي» بغطاء أوروبي، واستخدمه كنقطة انطلاق لشبكة علاقات واسعة مع الدوائر الغربية، خاصة خلال الحرب الباردة.
لاحقاً، برزت أسماء أخرى مثل كمال الهلباوي، المتحدث الرسمي السابق للإخوان في أوروبا، وعزام التميمي، الذي قاد واجهات فكرية وإعلامية إخوانية في لندن، من أبرزها قناة «الحوار» وصحيفة «الرائد».
هؤلاء وغيرهم أسهموا في ترسيخ خطاب إخواني ناعم يوائم القيم الغربية ظاهرياً، بينما يبني مشروعاً أيديولوجياً موازياً.
منحت بريطانيا جماعات إسلامية إدارة مراكز كبرى كمسجد فينسبري بارك، الذي تحوّل لاحقاً إلى منصة لخطاب متشدد تحت إمامة أبو حمزة المصري، ثم ارتبط لاحقاً بشخصيات مثل أنجم شودري، المحسوب على تيارات أكثر وأكثر تطرفاً... رغم هذه المؤشرات، بقي التعامل الرسمي متساهلاً تحت ذريعة «الاندماج والتعددية».
أما بفرنسا فكانت الحال علمانية مُخترقة وتواطؤاً ميدانياً!! فرغم صرامة نموذجها العلماني، وقعت فرنسا في الفخ ذاته... فبعد موجات الهجرة المغاربية، لجأت الدولة إلى التعامل مع جماعات إسلامية منظمة، أبرزها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF)؛ الذي أسسه الشيخ فؤاد العبدلي واحتضن لاحقاً شخصيات مثل عمار لازار وطارق أوبرو، الذين قدموا أنفسهم كتيار «إسلامي وسطي»، بينما ارتبطوا أيديولوجياً بالإخوان.
ومن أبرز الشخصيات التي أثارت جدلاً كبيراً: طارق رمضان، حفيد حسن البنا، والأستاذ السابق بجامعة أوكسفورد... ورغم قضايا أخلاقية لاحقته لاحقاً، بقي يُقدّم كرمز «للإسلام الأوروبي المعتدل» لسنوات طويلة، وكان له نفوذ كبير داخل النخب الفرنسية الجامعية والإعلامية.
تواطؤ بعض الدوائر الأمنية الفرنسية ظهر بوضوح في تمكين هذه الشخصيات من التمثيل في المجالس المحلية، بل وتسهيل مشاركتها في «المنتخبات البلدية»، كجزء من استراتيجية «تهدئة الضواحي»، التي تحوّلت عملياً إلى تفويض سياسي بغير رقابة.
ومع كل ما كان يحدث بأيدي الإخوان، كان التشدُّد يتغلغل من ألمانيا إلى قلب أوروبا!! ففي موازاة تمدد الإخوان، بدأ التشدد ينتشر من ألمانيا، حيث برزت أسماء مثل بيير فوغل (Pierre Vogel)، الداعية الألماني الذي لعب دوراً محورياً في نشر الفكر المتشدد بين الشباب، لا سيما من أصول مهاجرة... دعمه الخطابي والعبارات الجهادية ألهبت مشاعر فئة غير صغيرة من المهاجرين، في ظل غياب خطاب ديني متوازن من الدولة.
انتقلت هذه الموجة المتشددة لاحقاً إلى بلجيكا (عبر جمعية الشريعة لبلجيكا)، والنمسا، وهولندا، لتجد بيئة خصبة في المناطق الهشة اجتماعياً، حيث غابت الدولة وحضرت الأيديولوجيا..
اليوم، نحن لا نتحدث عن اختراق طارئ، بل عن ثلاثة أجيال إخوانية متعاقبة نشأت وتكوّنت داخل أوروبا: الجيل الأول من اللاجئين والمنظّرين، الجيل الثاني من أبناء المهاجرين الذين تلقوا تعليمهم داخل المؤسسات الأوروبية، والجيل الثالث -الأشد خطورة- الذي يحمل جنسية أوروبية، ويتحدث لغتها، ويشارك في مؤسساتها، لكنه يعمل ضمن مشروع فكري يتجاوز حدود الدولة القومية..
لقد دفعت أوروبا -ولا تزال- ثمناً باهظاً لتجاهلها الفرق بين الإسلام كعقيدة، والإسلام السياسي كمشروع... فقد سلمت المساجد والمراكز الإسلامية لمنظمات أيديولوجية تعادي قيم الديمقراطية من داخلها، واكتفت بالمتابعة الشكلية دون مساءلة حقيقية.
اليوم، تفرض الأسئلة نفسها بإلحاح: من يتحكم في إنتاج الخطاب الديني؟ من يُشكّل وعي الأجيال المسلمة في أوروبا؟ وهل يمكن لديمقراطية تُستغل من الداخل أن تصمد أمام مشروع يستخدمها لإسقاطها؟
الدولة غائبة، الإسلاميون يقودون...
أخبار ذات صلة
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الديمقراطية في فخ الإسلام السياسي - تكنو بلس, اليوم الأحد 25 مايو 2025 12:35 صباحاً
0 تعليق