نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين بروكسل ولندن: مفاوضات شاقة ومصالح متضاربة فهل يعيد كير ستارمر بريطانيا إلى الحضن الأوروبي؟ - تكنو بلس, اليوم الأحد 25 مايو 2025 11:45 صباحاً
بعد مرور خمس سنوات على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا تزال العلاقات التجارية بين الطرفين تواجه تحديات عميقة ومعقدة. ومن أبرز هذه التحديات أن بريطانيا ما زالت تعاني من صعوبات في التبادل التجاري نتيجة غياب الترتيبات الشاملة، ولا سيما في قطاع الخدمات الذي تمتلك فيه بريطانيا تفوقاً تاريخياً.
واستنادًا إلى التحليلات وقراءة مؤشرات الشركات والاقتصاد الجزئي، هناك مشكلات مستمرة في سلاسل الإمداد وتكاليف النقل، إلى جانب ارتفاع الحواجز الإدارية والجمركية التي تعطل حركة التجارة وتثقل كاهل الشركات الصغيرة والمتوسطة. كل ذلك يحدث في وقت يحتاج فيه الاقتصاد البريطاني إلى دعم أكبر من التجارة الدولية لتجاوز حالة التباطؤ الاقتصادي التي شهدها في النصف الثاني من عام 2024.
خروج بريطانيا من السوق الموحدة جعل عملية التصدير إلى دول الاتحاد تتطلب إجراءات إضافية، مما قلّل من تنافسية بعض المنتجات البريطانية، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى زيادة اعتماده على مورّدين من دول أخرى.
ميزان القوى في المفاوضات الثنائية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي قد تغيّر بشكل ملحوظ لصالح بروكسل، إذ يمثل الاتحاد تكتلاً اقتصادياً أكبر بكثير من بريطانيا، ويستطيع فرض شروطه دون التنازل عن مبادئه الأساسية، خصوصًا تمسكه بمبدأ حماية السوق الموحدة.
السبب الذي يدفع كثيرين للقول إن بروكسل هي من تملي الشروط يعود إلى أن الاتحاد لا يرى مصلحة حقيقية في تقديم تسهيلات لبريطانيا من دون التزامها بقواعده، وذلك لتجنّب تشجيع دول أخرى على التفكير في الخروج من الاتحاد. ويتجلى ذلك بوضوح في مفاوضات الخدمات المالية، التي رغم أهميتها للاقتصاد البريطاني، رفض الاتحاد الأوروبي شمولها باتفاق شبيه بـ"جواز السفر المالي الأوروبي". ومع اقتراب مراجعة اتفاق التجارة والتعاون في عام 2026، سيدخل الاتحاد الأوروبي المفاوضات وهو في موقع تفاوضي أقوى نتيجة التدهور في الوضعين الاقتصادي والسياسي لبريطانيا مقارنة بفترة ما قبل البريكست.
صورة تعبيرية (وكالات)
النتيجة المباشرة لهذا الواقع التفاوضي على الاقتصاد البريطاني كانت سلبية في أكثر من قطاع.
في مقدمة هذه القطاعات يأتي قطاع الصادرات، الذي رغم بدء تعافيه تدريجيًا، ما زال أداؤه دون المستوى المتوقع بالنظر إلى القدرات الكامنة. فقد تراجعت الصادرات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بما كانت عليه سابقًا، مما شكّل ضربة للقطاعات التي تعتمد على الطلب الأوروبي، مثل الصناعات الغذائية والآلات. أما قطاع الخدمات المالية، فإن فقدان بريطانيا لـ"جواز السفر المالي الأوروبي" دفع العديد من الشركات إلى نقل عملياتها إلى مدن مثل فرانكفورت ودبلن، مما أثّر ليس فقط على الإيرادات، بل أيضًا على مكانة لندن كمركز مالي عالمي. ورغم محاولات الحكومة جذب الاستثمارات من خلال إصلاحات داخلية ودعم مالي، فإن غياب سهولة الوصول إلى السوق الأوروبية يقلّل من فاعلية هذه الجهود.
ورغم كل هذه التحديات، هناك مؤشرات على رغبة حكومة كير ستارمر في إعادة بناء علاقات أقوى مع الاتحاد الأوروبي، ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى عودة بريطانيا الكاملة إلى الاتحاد أو السوق الموحدة.
رأي
علي متولي
اتفاق أميركي-بريطاني جديد: خفض رسوم وتعزيز تجارة بـ148 مليار دولار
تُعد هذه الاتفاقية أول صفقة تجارية كبرى تُبرمها إدارة ترامب الثانية بعد فرض تعريفات جمركية شاملة بنسبة 10% على معظم الواردات في نيسان/أبريل.
هناك نية واضحة للتفاوض على اتفاق جديد يشمل قطاع الخدمات، وربما تطوير اتفاق التجارة والتعاون بحلول عام 2026. وتنعكس هذه الرغبة في التصريحات الرسمية حول تحسين التكامل في ملفات مثل الأمن والطاقة والبحث العلمي. من جهته، لا يمانع الاتحاد الأوروبي التعاون، ولكن بشروط واضحة. فهو لا يقبل باتفاقات تمنح بريطانيا مزايا دون التزامات مقابلة، خاصة في قضايا مثل الحوكمة البيئية والتشريعات العمالية، كما يحرص الاتحاد على الحفاظ على وحدة موقفه السياسي، وتفادي إعطاء انطباع بأن البريكست كان خيارًا ناجحًا، حتى يبقى رادعًا لأيّ دولة تفكّر في الخروج مستقبلاً.
أما على المستوى الجيوسياسي، فقد غيّر البريكست موقع بريطانيا بشكل واضح.
فقدت لندن قدرتها على التأثير في داخل الاتحاد الأوروبي، مما أدّى إلى تراجع دورها القياديّ في العديد من الملفات التي كانت تتصدّرها من داخل الكتلة الأوروبية. وأصبحت تحالفاتها أكثر هشاشة، كما ظهر في ملفات الهجرة واللجوء والتعاون الدفاعي. وفي المقابل، تحاول بريطانيا تعويض هذا التراجع عبر تعزيز علاقاتها مع دول أخرى، خصوصًا داخل اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، وكذلك عبر علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة وأوستراليا والهند. كذلك تسعى إلى إبراز نفسها كقوة مستقلة في مجالات التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، وهو ما تجلّى في قمة "بليتشلي" عام 2023 التي جمعت دولًا كبرى بقيادة بريطانية.
مع ذلك، لا تزال بريطانيا تبحث عن تموضع جيوسياسي مستقر بعد البريكست، وهو أمر يتطلب إعادة بناء الثقة مع أوروبا، وإعادة تعريف دورها في عالم يشهد تزايدًا في التنافسية والتجزئة.
*استشاري اقتصادي في Ibis للاستشارات، ومقرها بريطانيا.
0 تعليق