نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تونس في مرآة التعداد العام للسكان - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 04:15 صباحاً
ليست هناك مرآة أكثر أمانة لوضع أيّ مجتمع ولتحدياته المقبلة من التعداد العام للسكان.
نظر التونسيون الأسبوع الماضي في هذه المرآة بعد صدور نتائج التعداد، فرأوا تركيبة ديموغرافية قد تهرّمت بعدما ارتفعت نسبة من هم فوق الستين من 11،6 إلى 16،9 في المئة في ظرف عشرة أعوام.
خلال الفترة نفسها تقلص حجم الكتلة النشيطة في المجتمع (بين 15 و59 عاماً) من حوالى 64 إلى 60 في المئة.
يعني ذلك أن تونس سوف تجد صعوبة في تمويل صناديق التقاعد والخدمات الصحية التي يحتاج إليها المسنّون، فيما يتناقص حجم اليد العاملة القادرة على دفع عجلة النموّ.
لم يكن بورقيبة مخطئاً عند فرضه سياسات تحديد النسل خلال سبعينيات القرن الماضي. من دونها كان عدد السكان في تونس سيتضاعف مرات عدة ولكانت الضغوط الاقتصادية أدهى وأقسى اليوم.
الخطأ كان في عدم استغلال الطفرة الديموغرافية خلال العقود الماضية لتحقيق انطلاقة اقتصادية تجعل الشريحة الشبابية الواسعة محركاً للنموّ لا عبئاً عائقاً له.
لم يخف الخبراء الديموغرافيون في تحليلاتهم حيرة تجاه انحدار نسبة الخصوبة إلى مستوى لا يسمح بتجدّد الأجيال. بلغت هذه النسبة 1،7 طفل لكل امرأة فيما المستوى الضروري لتجدد الأجيال يبلغ 2،1. وظلت نسبة النموّ الديموغرافي في حدود 0،87 في المئة، ما أبقى العدد الإجمالي للسكان تحت عتبة 12 مليون نسمة.
لن يجد أصحاب القرار صعوبة في فهم هذه الأرقام وتبعاتها. ستكمن المشكلة فقط في قدرتهم على إجراء المراجعات الجوهرية اللازمة لعديد السياسات وعلى رأسها السياسات السكانية.
لن يكون ذلك سهلاً باعتبار أنه سوف يعني إعادة صوغ السرديات التي انبنت منذ ستينيات القرن الماضي على ترغيب الناس في الحد من الولادات.
تطورت العقليات وأصبح التونسي أمام الوضع الاقتصادي الصعب متردداً في الزواج، وإن تزوج فغير متحمّس للإنجاب. وفي كثير من الأحيان يهاجر إلى الخارج حتى يضمن لنفسه مستوى معيشياً أفضل.
تغيّر وضع المرأة التي دخلت المدرسة والجامعة وسوق الشغل بقوة، ما أخّر معدّل سنّ الزواج لديها إلى حوالى ثلاثين عاماً. وهذه مكاسب لن تتراجع عنها المرأة.
تبقى هناك جملة من المراجعات العسيرة سوف يحتمها التهرّم السكاني، من بينها ربما رفع سنّ التقاعد وزيادة مساهمة الموظفين في صناديق التقاعد والتأمين الاجتماعي بالإضافة إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة لهذه الصناديق.
والمراجعات لا بد من أن تشمل أيضاً ملف الهجرة، إذ إن الوقت حان كي تفكر تونس في استرجاع بعض شبابها المهاجر وفتح المجال لبعض أصناف الهجرة الوافدة.
وفي كثير من الحالات سوف تحتاج البلاد إلى موازنات إضافية لن توفرها سوى انطلاقة اقتصادية حقيقية. من دون هذه الانطلاقة لن تستطيع الدولة تخصيص منح لتشجيع الشباب على الزواج أو تطوير الخدمات الصحية.
قدم التعداد أيضاً صورة عن نقاط الضعف التي لا تزال تعاني منها البلاد ومن بينها انعدام التوازن التنموي بين الجهات. فقد أظهرت الأرقام أن حوالي 60 في المئة من السكان يقيمون في العاصمة والمحافظات الساحلية حيث تتوافر المرافق الحياتية ومواطن الشغل، أكثر من محافظات الشمال الغربي التي تبدو طاردة لسكانها على رغم أراضيها الفلاحية الخصبة. وأظهر التعداد أن نسبة الأمية لم تنزل عند مستوى 17 في المئة رغم كل الجهود التعليمية.
مؤشرات لم تفاجئ أحداً. ولكنها شكلت تذكيراً لأصحاب القرار بأن تونس تغيرت، ولم يعد هناك بد من مراجعات جوهرية تواكب تطور المجتمع.
0 تعليق