نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قصة صغيرة: ... مذكرات رجل القانون والسياسة - تكنو بلس, اليوم الخميس 29 مايو 2025 10:08 صباحاً
في محطّة جديدة من سلسلة "قصة صغيرة"، نغوص والزميلة ميشيل تويني في رحلة عبر صفحات مذكّرات فؤاد بطرس، رجل القانون والدولة، الذي ترك بصماته في الحياة الوزارية والنيابية، وكان من أبرز مستشاري العهود الرئاسية اللبنانية في زمن الرؤساء فؤاد شهاب، شارل حلو والياس سركيس.
يسرد بطرس فصول حياته بدءاً من محطات شخصية مؤثرة، منها علاقته بوالده الذي أنجبه في سن الخمسين، وهو فارق زمني زرع فيه حس الاستقلال المبكر، إذ كان الأب يخشى ألا يعيش ليشهد شبابه. كما يتحدّث عن والدته، وعن دراسته، ويعود بنا إلى مشهد من عام 1941، حين كان في سلك القضاء في زمن الانتداب الفرنسي، وواجه قضية تتعلّق بتوزيع الإعاشات على نحو غير عادل، فحكم مع المستشار الفرنسي بمعاقبة كل من تلاعب بتوزيعها. لكن المفوض السامي الفرنسي حاول الضغط لإلغاء الحكم، مخافة أن يسيء إلى صورة فرنسا. إلا أنّ الرد كان قاطعاً: "هذا شأنك، أما أنا فلا أتأثّر بهذه الاعتبارات"، في مشهد يختزل موقف بطرس الحاسم من استقلال القضاء.
في سرده لتجربته مع الرئيس فؤاد شهاب، يتوقف عند تعيينه وزيراً رغم أن شهاب لم يكن يعرفه شخصياً. حين سأله عن السبب، أجابه الرئيس: "لا يهم أن أعرفك، ما يهم هو ما أعرفه عن كفاءتك ونزاهتك". جواب يلخّص روح الحكم في تلك المرحلة، حين كانت الكفاءة مفتاح الثقة. ومنذ ذلك اللقاء، ربطت الرجلين علاقة متينة استمرّت حتى وفاة شهاب.
يمرّ بطرس على استقالة (العميد) ريمون إدّه، والاضطرابات التي تلتها، وطلب شهاب منه تجميد الاستقالة حرصاً على استقرار الحكومة. ثم يروي وقائع انقلاب الحزب القومي الذي اعتُقل فيه الآلاف، ويصف كيف رفض شهاب إعلان حالة الطوارئ، محاولاً الحفاظ على الطابع الديموقراطي، رغم اكتظاظ السجون وسوء معاملة المساجين التي حاول معالجتها.
يتنقل بطرس لاحقاً إلى حقبة الرئيس شارل حلو، عام 1964، ثم يتوقّف طويلاً عند هزيمة 1967 التي بدّلت معالم المنطقة، وكانت لها تداعيات على المشهد اللبناني، مع زعزعة دعم عبد الناصر، واستقالة حكومة رشيد كرامي عام 1968.
وينتقل إلى عهد الرئيس الياس سركيس، واللقاء الأول مع سمير جعجع وإيلي حبيقة، والانتقادات التي طاولت سركيس "مع تسليم البلد إلى أمين الجميل"، ويشعر القارئ أنّ بطرس يبرّر لسركيس ويؤكّد أنّه سلّم البلد بأفضل ممّا كان، ولم يكن قادراً على القيام بأيّ شيء آخر.
يرسم فؤاد بطرس صورة لحقبة نادرة في السياسة اللبنانية، كانت فيها الكفاءة فوق الولاءات، والقانون أعلى من الحسابات. كتابه شهادة حية على زمن اعتقد فيه رجال الدولة أن العدالة هي أساس كل بناء.
0 تعليق