نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتخابات البلدية في بيروت - دروس للمستقبل - تكنو بلس, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 01:53 مساءً
الان علم الدين
انتهت الانتخابات البلدية في بيروت بعدد أصوات متدنّي لقوى "التغيير". وقد تم ذكر عدة عوامل لتفسير هذه النتائج، منها التحالف بين جميع القادة الطائفيين، وهجرة الشباب، والانقسامات بين القوى المرتبطة بالتغيير. وبصرف النظر عن العوامل الخارجة عن إرادتنا، برزت رؤيتان سياسيتان بشكل أوضح من ذي قبل: الأولى تركز على الأفراد والهوية، والثانية على المشروع السياسي. بين هاتين الرؤيتين، أمامنا خيار للمستقبل.
"السلطة": أفراد أم نظام؟
كما في عام 2016، وجدت القوى المعارضة للأحزاب الطائفية على قائمتين مختلفتين: "بيروت مدينتي" و"مواطنون ومواطنات في بيروت، عاصمة للدولة". وكما في عام 2016، كان من الممكن ابتكار الحلول لهذه المسألة. فكان يمكن الاتفاق على تبني السياسات الأساسية، لاسيما تعداد سكان بيروت، وهو خطوة ضرورية لأي مشروع اجتماعي واقتصادي للعاصمة، ومواجهة المصرفيين لاستعادة حقوق سكان العاصمة — وهما سياستان رفضت إدراجهما في برنامجها. أو كان بإمكان "مدينتي" ترك مقعد واحد أو أكثر مفتوحاً للمرشحين المؤيدين لهذا البرنامج، مما كان سيتيح خياراً لأولئك الذين يفضلون التصويت لمرشحين من "مدينتي" و"المواطنون" بدلاً من الاضطرار إلى الاختيار.
لا بدّ من تحليل سبب ذلك، ولا سيما الرؤى السياسية المختلفة جذرياً بين اللائحتين. فبالنسبة لـ"مدينتي"، المشكلة هي في الأساس مسألة أفراد، والتغيير يتمثل في "نفض الفاسدين" واستبدالهم بـ "مسؤولين يضعون مصلحة الناس فوق كل اعتبار". ومن هنا جاء التركيز في تقديم المرشحين على مهاراتهم وتعليمهم وسيرتهم الذاتية.
أما بالنسبة لـ "مواطنون"، فإن "السلطة" ليست أفراداً، بل نظام علاقات. وبالتالي، فإن التغيير لا يتمثل في طرح أسماء شعبية، بل في تعزيز السياسات التي من شأنها تفكيك النظام القائم والتأثير بعمق على طبيعة العلاقات المجتمعية. على سبيل المثال، خسرت بلدية بيروت أكثر من مليار دولار كانت مودعة في البنوك اللبنانية. ويضاف ذلك بالطبع إلى المليارات التي خسرها النقابات والجمعيات والمواطنون في بيروت. لم يكن هذه الأموال محمية قبل 2019 ولا يمكن استردادها اليوم على أساس نزاهة المسؤولين، بل على أساس استعدادهم لمواجهة التحالف بين المصرفيين والزعماء وفرض سياسات مالية مختلفة.
كما أن هذا الفهم يجنبنا إصدار أحكام على الأفراد، مثل الإهانات التي وجهتها مرشحة "مدينتي" إلى أولئك الذين لم يصوتوا للائحتها. فبدلاً من إهانة أولئك الذين شعروا بأنهم مجبرون على التصويت لحزب الله، المسؤول عن إعادة بناء منازلهم، يقترح برنامج "المواطنون" إعادة إعمار خالية من التمويل الخارجي، مما يحرر المواطنين من الحاجة للزعيم ويتيح لهم اتخاذ قرارات سياسية حرة.
الفرق بين هذين النهجين يبرر وجود قائمتين تتنافسان ديمقراطياً. إدراك ذلك سيجنبنا إهدار الجهود في محاولة توحيد نهجين متعارضين. كما أنه سيحمينا من خطر آخر.
احذروا من تحويل الحالة الاعتراضية إلى طائفة
القبائل أو الطوائف هي تنظيمات اجتماعية تتمحور حول الهوية: "نحن متشابهون، لذا نحن واحد". هذا النوع من التنظيم موجود بشكل واضح في المجتمع اللبناني، كما في حالة "الثنائي الشيعي" أو حملة "أوعى خيك" بين التيار والقوات اللبنانية. لكن المجتمع يتكون من أفراد لهم مصالح متضاربة. لذا يشكّل الواقع نفسه تهديدًا لتماسك القبيلة. ولذا تتجنب الطوائف أي خطاب أو مشروع سياسي مرتبط بمصالح المجتمع، وتستبدله بخطاب هوياتي يؤكد الاختلافات مع "الآخر". وهذا ما يفسر كيف أعلن حزب الله، الذي يدعي أنه المقاومة ضد إسرائيل، أن اتفاق ترسيم الحدود الذي يعترف بـ "حقوق إسرائيل" كان انتصارًا، دون أن يفقد شعبيته. وهذا يفسر أيضًا كيف يدعي مواجهة المصارف فيما يتحالف مع المصرفي مروان خير الدين.
وما يثير القلق أن القوى العلمانية في لبنان بدأت تطور بنية مشابهة لبنية الطوائف. على سبيل المثال، باولا يعقوبيان، التي أعلنت معارضتها "للسلام" مع إسرائيل، غيرت موقفها مؤخرًا دون أن تثير جدلًا تفقد شعبيتها. كما أنها "متحدة" مع المرشحين على قائمة "مدينتي" التي تعتبر أن إسرائيل "كيان عدو". بشكل مماثل، إن وضاح صادق وملحم خلف، اللذان يرفضان تحميل الخسائر لأصحاب المصارف "متحدون" إلى جانب حليمة كعكور وإبراهيم منعمية، اللذان يتبنان الموقف النقيض تمامًا. حتى ياسين ياسين، نائب الشريعة الإسلامية، "متحد" مع نواب علمانيين. أخيراً، أعلن هؤلاء العلمانيون خضوعهم لمنطق المحاصصة الطائفية ضمن قائمة "مدينتي". كل هذه التناقضات الجوهرية تُعتبَر طبيعية وقد لا تشكل حتى موضوع نقاش بين "التغييريين". يبدو أن وحدة طائفة جديدة "قيد التشكّل" وتتبنى خطاباً معادياً للآخر لها الأسبقية على المشروع السياسي نفسه.
كيف يمكن مواجهة هذا التحول للحالة التغييرية كطائفة جديدة؟ ببساطة: من خلال تعزيز نقيض القبلية، أي من خلال برنامج سياسي يتناول مصالح المجتمع. إن وجود خيارات سياسية مختلفة، سواء فيما يتعلق بإسرائيل، أو الاختيار بين المحاصصة الطائفية والدولة المدنية، أو توزيع الخسائر، أو السياسات الأساسية مثل التعداد السكاني، وغيرها، يبرر وجود حركات سياسية مختلفة.
إذا كان هناك درس واحد يمكن استخلاصه من انتخابات 2025، وكذلك من انتخابات 2022 و2018، فهو التالي: يجب أن نتوقف عن تشجيع "وحدة" مصطنعة، وأن ننظر إلى "السلطة" كنظام يجب تفكيكه وليس كأشخاص يجب استبدالهم، وأن نناقش السياسات اللازمة لفرض الانتقال من هذه "السلطة" إلى دولة المواطنة، ثم أن نتواجه ديمقراطياً على هذا الأساس.
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية
0 تعليق