نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
دونالد ترامب وإيلون ماسك… نهاية الحقبة "البرومانسية" - تكنو بلس, اليوم الاثنين 2 يونيو 2025 07:08 صباحاً
كل ما في هذين الشخصين مسلٍ. صداقتهما التي لم تخطر على بال ولا على خاطر.
الأول رئيس سابق، خسر ولم يعترف بخسارته في انتخابات العام 2020، يؤدلج موقفه بحسب مصلحته، لا بأس أن يكون يمينياً متطرفاًَ حين الحاجة، أو يسارياً عمالياً إلى حد ما، حين يتطلب منه الظرف ذلك. شعبوي أصلي بنجاح باهر.
الثاني ليس مليارديراً فحسب، بل "ملتي ملياردير". ثروة إيلون ماسك تتأرجح بين مئتي مليار دولار وثلاثمئة مليار. ومع ذلك، قرر أن يكون "موظفاً حكومياً خاصاً"، أي برتبة أقل من وزير، في إدارة صديقه الصدوق دونالد ترامب، الذي انتبه ماسك إلى أنه، منذ لحظة محاولة اغتياله الفاشلة، بطل أميركي يجب أن يكون رئيساً ومن أجل فوزه سيبذل مئات الملايين.
الأرقام التي وفرها ماسك على أميركا بلغت المليارات. (ا ف ب)
"البرومانسية" الشديدة هذه، وهي علاقة عاطفية ولكن عذرية بين رجلين، هي مزيج من الصداقة التي ترقى إلى الأخوية تطورت بسرعة بينهما وهما اللذان يفترقان في العمر نحو ربع قرن. "برومانسية" جعلت ترامب لا يتردد، في كل لحظة يأتي ذكر ماسك، على كيل المديح له، ودعمه في مهمته على رأس وكالة الكفاءة الحكومية في طرد عشرات آلاف الموظفين الفيدراليين، وتعطيل مئات البرامج الحكومية الحساسة في الميادين كافة، باسم تجفيف مستنقع الهدر والفساد الفيدراليين.
الأرقام التي وفرها ماسك على أميركا، والتي سمع بها ترامب، بلغت المليارات. هذا ما يعني رجلي الأعمال. لكن ما هو أبعد من ذلك، هو أن الشخصين، كل من مكانه، لديه أحلام أكبر من المال، أو توفيره، وقد التقيا في لحظة الحلم بتحقيق الأحلام الكبيرة.
نبدأ بدونالد ترامب. لديه رؤية عن أميركا كأعظم بلد في تاريخ البشر، وواجبه أن يعيده كذلك، الأقوى في كل شيء، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وتكنولوجياً وصناعياً وزراعياً (إلخ…). الحاكم الأوحد للكوكب بلا منازع. في سبيل هذه العودة إلى مجد الإمبراطورية، لا تعني الكثير مسلمات مثل التغير المناخي وضرورة الطاقة البديلة، وصولاً إلى أهمية أفكار مثل العلم مثلاً، العلم المجرد، والحقوق الإنسانية المكتسبة طوال عقود من النضال، كالحريات المدنية والحقوق الجندرية والتنوع والمساواة بين الأعراق والألوان والأديان. كل هذه الأمور يمكن تخطيها إذا ما كانت عائقاً أمام العصر الذهبي الذي يحلم به ترامب لأميركا الرأسمالية البحتة، أميركا البحبوحة الفائضة والمال الوفير، تلك التي حلت، للمفارقة، بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت الشيوعية، وما أحاط بها، العائق الوحيد دونها. أميركا نفسها التي يرى ترامب في "اليسار الراديكالي" السور الأخير الصامد أمام ذهبيتها.
إيلون ماسك من عالم آخر مختلف تماماً. هو شاب نسبة إلى ترامب المقاول الذي يؤمن بالفولاذ والأسمنت والأبنية العظيمة دليلاً على العظمة. ماسك ابن الكومبيوتر، ابن طفرة الـ"سوفت وير" تحديداً. في العالم غير الحسي وغير الملموس بنى ماسك صيته ومجده وإلى حد ما ملياراته. في البرمجة التي صنعت فاحشي ثراء العصر بلا منازع. لكن ماسك يتخطى كونه واحداً آخر ممن استفادوا من طفرة البرمجة الذكية. ماسك لم يخرج من طفولة السبعينات والثمانينات، تلك التي كان نجومها أبطال مثل سوبرمان، ليس لديهم إلا هدف واحد هو إنقاذ كوكب الأرض، أو سكانه. الرجل غريب الأطوار الذي صاره ماسك لا يختلف كثيراً عن الطفل الذي كانه. طفل كبير يحلم بكوكب ببيئة نظيفة، بسيارات وطاقة كهربائيتين، ومخلوقات إلكترونية ذكية توفر عنا عناء صنع قهوة الصباح وكنس البيت وتشذيب عشب الباحة الأمامية، وحتى صنع فطورنا. وهو الكوكب نفسه المعرّض لخطر الإبادة (تذكر كريبتون كوكب سوبرمان الأصلي) والذي يجب أن نعد العدة من الآن لاستعمار الفضاء في حال اضطررنا إلى مغادرته.
إيلون ماسك يعيش إلى حد ما في عالمه الآخر هذا. كل مشاريعه الهائلة والناجحة حتى الآن، ومعها ثروته الخرافية، تبدو وسيلة في سبيل تحقيق حلمه الأكبر، وهو إنقاذ البشرية مما لا تعرف هذه البشرية ما هو.
انضمامه الموقت إلى إدارة ترامب كان في سبيل تحقيق هدفه الأسمى، والغريب من نوعه، وهو إنقاذ العرق البشري. وكيف تنقذ هذا العرق ما لم تبدأ بأميركا؟ عليه، دخل ماسك في عملية جراحية مستعجلة فعل فيها ما فعل بالفيدرالية، الحجر الأساس للاتحاد الأميركي برمته، ثم، حين تذكر أنه، إضافة إلى رسالته كسوبرمان، هو رجل أعمال تترجم أفعاله وأقواله كل لحظة في سوق الأسهم، وفي حجم مبيعات سيارته الأيقونية، رأى أن من الأفضل له، ولصديقه وإدارة صديقه، أن يتوارى خلف الستار.
في المؤتمر الصحافي المشترك، حافظ إيلون ماسك على غرابته وغربته وهو يقف خلف ترامب الجالس خلف طاولته الرئاسية في المكتب البيضوي. بـ"تي شيرت" سوداء تحيل إلى فيلم "غودفاذر"، مع تعديل على الكلمة جعلها "دوغفاذر"، وقف ماسك يشرح متلعثماً أن الضربة البادي أثرها على عينه تلقاها من طفله ذي الخمسة أعوام واسمه "إكس". ترامب الذي كال المديح لصديقه برر أن من يعرف "إكس" سيصدّق أنه يمكن أن يترك هذا الأثر على وجه والده. كيف؟ كلاهما لم يشرح.
لكن الواضح أن كلاهما، ترامب وماسك، اكتفى من الآخر. ماسك كان السبب في وجع رأس لترامب وهو يكاد يتعارك بالأيدي مع كبار مساعدي الرئيس في ردهة مكتبه. هذا الرجل وهو واحد من الأغنى في تاريخ البشرية، لكن الطارئ على طاقم عمل مؤدلج يكرس حياته من أجل ترامب، لم يكن مستساغاً للمقربين من الرئيس لولا أن ترامب كان يرد الجميل لثري غريب الأطوار دعم من دون تردد حملته الانتخابية بمئات ملايين الدولارات.
الآن، وهما يصلان إلى ما يشبه مفترق طرق، ينتبه ترامب الذي أحد أهم همومه إخضاع جامعة هارفرد، إلى أن ماسك هو ماسك، طفل يحلم بالسفر والعيش على المريخ من أجل البشرية جمعاء، لكن هذا لا يمنع أنه يراقب بدقة تراجع مبيعات "تسلا" في السوق الأوروبية، ويبحث، بكل ما في رجل الأعمال من مهارة، عن أسواق بديلة، أو على الأقل عن مكاسب محتملة من انسحابه من المشهد السياسي الذي وضع فيه كفوهة مدفع الحركة الترامبية برمتها، من القضاء على التعددية العرقية والحقوق الجندرية إلى القضاء على حاضر ومستقبل عشرات آلاف الموظفين الفيدراليين، الأميركيين العاديين اليوميين الذين نلقي عليهم التحية كل صباح متبادلين الابتسامات.
بخروجه الرسمي من البيت الأبيض، أنهى ماسك الحقبة "البرومانسية". الحقبة التالية بين هذين الصديقين الغريبين، وصداقتهما الغريبة، يتحكم بمآلاتها شخصان فقط، لا أحد يمكنه توقع تصرفاتهما، حتى هما.
0 تعليق