صاحبة مجموعة "سيرك" نور خليفة لـ "النهار": أغرب مكان كتبت فيه الشعر غرفة العمليات - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
صاحبة مجموعة "سيرك" نور خليفة لـ "النهار": أغرب مكان كتبت فيه الشعر غرفة العمليات - تكنو بلس, اليوم الاثنين 2 يونيو 2025 11:35 صباحاً

مصطفى الحفناوي

تفتتح الشاعرة والإعلاميّة اللبنانيّة نور خليفة حديثها عن مجموعتها الشعرية الأولى "سيرك" الصادرة حديثاً عن "دار النهضة العربية - بيروت"، كأنها تريد أن تقول لأصدقائها الشعراء، إنّ الشّعر يولد من انتباه الشاعر الدائم إلى تفاصيل الحياة من حوله، جميلها وقبيحها؛ إذ كل شيء في الشعر له جماليته الخاصة التي تخلع عنه رداء الفناء، وتمنحه الأبدية. والشعر عندها لا شكل محدداً له: هي ترقص وتمثل وتخرج إلى الحياة بكامل أناقتها، وكل هذا بالنسبة إليها شِعر، وكأنها تؤكد أنّ  الشّعر ليس نوعاً إبداعياً بقدر ما هو خاصية، أو بهار أسطوريّ يمكن رشُّه على كل أفعالنا الحياتية، الأكثر ماديةً، والأكثر روحية.

بالمناسبة، يلازمُ قارئ المجموعة شعورٌ فظيع  بأنّ العالم يركض خلفنا لابتلاعنا. يمكننا الهرب منه بطرق شتى، لكنّ الشاعرة قررت أن تُريَه "العين الحمرا".. قررت أنها هي التي ستبتلعه، كيف هو طعم هذا العالم؟ هذا ما تفصح عنه نصوص المجموعة، التي دار حولها هذا الحوار.

* ذكرني اختياركِ "سيرك" عنواناً لمجموعتك الشعرية الأولى بالفترة الوردية لبيكاسو، حيث كانت معظم لوحاته مستلهمة من عروض سيرك مودرانو في حي مونمارتر الباريسي، وأشهر لوحاته من تلك الفترة بعنوان "عائلة السالتيمبانك" وعندما نتأمل هذه العائلة لا نرى في أفرادها مجرد بهلوانات، بل مرآة لوحدة الإنسان، وطفولته المؤجلة، وهشاشته المعلنة، وأنتِ حين عنونتِ مجموعتك بـ "سيرك" هل كنتِ تبحثين عن هذه العائلة الكبيرة التائهة في روحك، وأردتِ أن تقوديها نحو خلاصها، أرض الميعاد الأبدية/ النص؟ وفي رأيك هل نجحتِ في مسعاكِ؟ أم ما زالوا في التيه؟
- في الحقيقة لم أبحث عن خلاص لتلك العائلة من خلال الكتابة. لم أكتب لأحررهم أو لأقودهم إلى الخلاص، الخلاص أصلاً ليس هو الغاية، كتبتُ لأنّ تلك الأصوات، تلك الوجوه، تلك الكائنات التي تُشكّل عائلتي الداخلية لا يمكن أن تعيش في الظلام الأبدي، هي تسكنني، تحيا في أعماق روحي، وتُطالب بالظهور، بالإفصاح، بالتجلي عبر النص، الكتابة عندي ليست بحثاً عن مخرج، بل موضع لقاء بين ذاتي والعالم، بين الضوء والظل، حيث يتحوّل النص إلى مسرح ينبض بالحياة، مسرح للولادات المتجددة التي لا تنتهي.

"سيرك"ببساطة هو اعترافي الداخلي، هو ليس فضاءً مغلقاً أو حالة ثابتة، بل هو سيرورة مستمرة من الانبعاثات والتلاشي، من النبض والانطفاء، ويمثل اعترافي العميق بوجودي بكلّ تناقضاته، إنه احتضان لذاتٍ معقّدة لا تتوقف عن التشكّل. أما عن تلك العائلة الكبيرة، فهي ليست فقط جزءاً مني، بل هي امتداد للتجربة الإنسانية جمعاء، ما زالت في التيه، وفي كلّ مرّة أكتبُ أكشفُ عن مجموعة منهم.

 

الشاعرة والإعلاميّة اللبنانيّة نور خليفة.

 

* لا تبدو الكتابة بالنسبة إليكِ فعلاً هادئاً رومانسياً، بل أشبه بعملية ابتلاع متواصل، وافتراس محموم. كل شيء يُبتلع كي يُكتب، ما الذي يشبع جوع نور خليفة الوجودي؟ وفي أي وقتٍ بالضبط تنشط أناكِ الشاعرة للافتراس والانقضاض علينا؟
- لا أظن أن هناك ما يُهدّئ هذا الجوع. ما يُشعل أَناي الشاعرة هو رد فعلي الغريزي، وفائض حساسيتي تجاه الأحداث، الأمكنة، التفاصيل العابرة، والأشخاص… في إحدى جلسات العلاج بالطاقة، طلبت مني المدربة أن أقطع الحبال -مع تجربة مؤلمة- كي أشفى، لكنني خرجت من الجلسة قائلة لا أريد أن أقطع شيئاً، أريد أن أكتب. أنا أكتب حين يحتد الجوع، حين أشعر أنّ العالم لا يكفّ عن محاولاته الدؤوبة لابتلاعي، وللنجاة عليّ أن أبتلعه في المقابل.

*استحضرت موسيقى الشيخ إمام، وأغنية  Je Suis Malade، وإديت بياف... كان حضور الموسيقى طاغياً في المجموعة، ولم تظهر كمجرد خلفية، نسألكِ بصراحة: هل تثقين  بالموسيقى أكثر من الشعر؟
- أثق بالحساسية الشعرية، هي جوهر الشعر وروحه، ويمكن أن تتجلى في أي شكل من أشكال التعبير الفني، حتى وإن كان بجسد مختلف تماماً عن النص الشعري التقليدي، أنا، على سبيل المثال، لا أقتصر على كتابة الشعر فقط، بل أمثّل، وأرقص، وأخْرِج، أمتلك أشكالاً فنية متعددة تتفاعل مع العالم من زوايا مختلفة. ومع ذلك، يبقى المحرك الأساسي هو حساسيتي الشعرية. حتى في أعماق شخصيتي، الشعرية هي القوة الدافعة وراء أفعالي واختياراتي، في ملابسي، مظهري، صوتي، وفي طريقتي في التفاعل مع الحياة والعالم من حولي. 

* في "الهروب" ترغب المرأة في رحيلٍ أخيرٍ عن الأمكنة الدافئة إلى الأكثر برودة وخطورة، وفي نصك "دون ضوء" استدعيتِ "شانتال" بطلة "الهوية" في لحظة انطفاء الضوء! عملية كرّ وفرّ شعري على طول المجموعة، فما الذي يقلق نور إلى هذا الحد؟
- في الإهداء كتبتُ "سيبقى القلق حاضراً"، لم أذكر "القلق" حرفياً في نصوصي، لكنه يسكنها، يتسلل في نبرة السرد، في كسر الجُمل، التكرار، الكرّ والفرّ كما وصفته بالضبط. القلق عندي ليس طارئاً؛ هو حالة يومية، مثل التنفس! أكتبُ معه، لا ضده، لا أطلبُ له شفاء، لأنني أؤمن بأنه لا يُشفى. وفي "الهروب"، كانت المرأة تهرب من الدفء لا لأنها تكرهه، بل لأنها لا تثق في استمراره!

* في "مفتتح" الجزء الأول من مجموعتك، وفي نص "نهايات" في الجزء الثاني، لا تظهر النهاية كحدث.. بل ككائن داخلي، مألوف ومخيف في الآن نفسه، كيف تتعاملين شعرياً مع فكرة "النهاية"؟
- النهاية بالنسبة إلي ليست حدثاً بالتأكيد، بل حالة شعورية مقيمة. شيء يسكنني ويسكن النص، له يدان وقدمان، له ملمس وصوت ولون. أعطيه شكلاً، ربما لأخفّف من وطأة قسوته كفكرة، ولأجعل حضوره أقل رعباً.

* دائماً ما يرتبط الجمال بالانسجام والتناسق والراحة الحسية، لكنك تتعاملين مع القبح في هذا الـ "سيرك" الشعري كاستراتيجية لخلق توتّر جماليّ مغاير، فهل يمكننا اعتبار القبح في نصوصك جمالاً ضد الجمال؟ ومعولاً لغوياً ضد اللغة؟
- بالطبع القبح في نصوص مجموعتي هو عملياً جمالٌ ضد الجمال بمعناه التقليدي، لديّ أداة استشعار حادّة، كأنني أرى بسبعين عيناً، وأشم بألف أنف. أمتصّ الأشياء كما هي، من دون تلطيف أو تهذيب. أراها عاريةً، صادمةً، مخيفةً وأحياناً نافرة، وهذا تماماً ما يمنحها حقيقتها بالنسبة إلي، هنا لا يصبح للرمزية معنى ولا للبلاغة، بل أذهبُ إلى وصف الأشياء بقبحها، وهذه هي روح القصيدة عندي، بوصفها نافرة وصادمة. تشبهني تماماً: صادقة، حادة، وربما نافرة أحياناً، لكن حقيقية.

 

a02c07c1ac.jpg

 

* في ختام مجموعتك، وضعتِ نصين تحت عنوان "يوميات"، مختلفين في الشكل والتقنية عن بقية النصوص؛ ما الذي أردتِ أن تقوليه من خلال هذا التحوّل الفني؟
- هذا الاختلاف بالنصوص من حيث الشكل والأسلوب هو جزء من "السيرك "حتى من الناحية الشكلية. لم ألتزم شكلاً محدداً، فليجتمع الأسد بالمهرج "عادي". إنه استعراض وحفلة كبيرة تستوعب كل الأشكال. ومن هنا أعود إلى فكرة الجسد الفني الذي يتغيرُ بمرونة. باختصارٍ ليست هناك ثوابت في الإبداع!

* أتيت على ذكر كتاب فيرجينيا وولف  A Room of One’s Own، وسؤالي: هل نور خليفة فعلاً تكتب من غرفة تخصها وحدها، أم لا تزال مستأجرة غرفة في فندق لغتنا الذكورية العتيق.. بمعنى آخر، إلى أي درجةٍ استطعت خلخلة نظام الدلالة اللغوية وخلق لغة مغايرة تشبهك أنتِ، بعيدة عن سلطة اللغة الذكورية؟
- هذا النص كتب منذ وقت بعيد، عندما لم أكن أمتلك "غرفة تخصني وحدي" بالمعنى المادي، لكن من وقتها أنشأتُ فضاءً داخلياً أكتبُ فيه بشروطي، لم أبحثْ يوماً عن التمرد كغاية، بل أبحثُ عن الصدق، والصدق لا يُولد إلا من مساحة حرّة، وهذه المساحة لا يمكن أن تأتي إلا من الداخل. أكتبُ من هناك، كصاحبة المكان وليس كضيفة على فندق لغوي، وهكذا فعلتُ ورممت غرفتي جداراً جداراً. في النهاية توصلتُ إلى أن الكتابة هي غرفتي الحقيقية. لا يهم إن كانت في حي شعبي أو على سطح العالم، ما دامت تؤويني كما أنا، بلا تهذيب قسري. نور خليفة لا تحملُ على عاتقها تحرير اللغة من ذكوريتها، كل ما يهمني أن أبقي النافذة مفتوحة لامرأة لا تخجل من هشاشتها.

* لفت انتباهي امتلاء نصوص المجموعة بالأفعال المضارعة وتكون في بداية الأسطر، هل ترين في الفعل المضارع أداة فعّالة لإبقاء التجربة مفتوحة على التعدد والتأويل، أم باعثاً على الملل؟
- الفعل المضارع في كتاباتي ليس اختياراً لغوياً بقدر ما هو استجابة داخلية لما يحدث في اللحظة. نصوصي غالباً لا تُكتب بعد وقت، بل تُكتب وأنا داخل التجربة، داخل الشعور! لذلك يأتي المضارع عفوياً، كأداة لالتقاط الزمن وهو يتنفّس، لا كذكرى، بل كنبض مستمر. لا أراه باعثاً على الملل، بل وسيلة للحفر في اللحظة، ولتثبيتها. أشعر أن المضارع يسمح للنص أن يبقى على قيد الحياة.

* إلى أي درجة تشبهك هذه المجموعة الآن؟ هل حررتكِ ويمكن أن نعتبرها بشارةً لميلاد جديد، أم ما زلتِ تشعرين أن تلك الذات/شاعرة "سيرك" لديها الكثير لقوله قبل الانتقال إلى مغامرة جديدة؟
- لا أرى "سيرك" كلحظة شعرية اكتملت وانتهت، بل أراه مسرحاً متجدداً يتغير مع كل عرض، ويتسع لقصص جديدة تولد من المساحة الأولى  ذاتها. في ديواني الثاني، سأروي حكايات حدثت بعد انتهاء العرض الأول من الخيمة ذاتها، لكن من زاوية أخرى، وفي زمن مختلف، السيرك مستمر، لأن الذات التي كتبته ما زالت هنا، تتقن أدواراً جديدة، وتسقط أحياناً في فوضى العرض.

* ما أغرب مكان أو لحظة كتبِتِ فيها نصاً شعريّاً؟
- أغرب مكان كتبت فيه نصاً شعريّاً كان في غرفة العمليات! كانت لحظة شديدة الغرابة. مزيج من الخوف، والألم والحب والانكشاف الكامل، كنت أكتب في رأسي، وكان الشعر هو الغطاء الوحيد المتاح وسط برد الغرفة.

* أخيراً أول شخص تقرئين عليه شعركِ وكيف يتلقاه أو تتلقاه؟
- ليس هناك شخص بعينه، لكن حين أشعرُ أنّ القصيدة تحتاجُ أن تُشارك، أرسِلُها إلى من يمنحُ النص حياة إضافية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق