لماذا باتت تعاني أوروبا من السياحة المفرطة؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا باتت تعاني أوروبا من السياحة المفرطة؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 12:30 مساءً

في السنوات الأخيرة، أصبحت السياحة المفرطة (Overtourism) واحدة من أبرز التحديات التي تواجه مدن أوروبا الكبرى والمواقع الطبيعية والتاريخية فيها. فعلى الرغم من أن السياحة تُعد مصدرًا حيويًا للدخل وفرص العمل، إلا أن تدفق أعداد هائلة من الزوّار في فترات قصيرة خلق ضغوطًا غير مسبوقة على البنية التحتية والموارد والخدمات، بل وبدأ يغيّر من طبيعة الحياة اليومية للسكان المحليين. من باريس إلى برشلونة، ومن أمستردام إلى البندقية، أصبحت قضية السياحة المفرطة واقعًا لا يمكن تجاهله، وهو ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: لماذا وصلت أوروبا إلى هذه المرحلة، وما الذي فاقم هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة؟

أحد العوامل الرئيسية التي غذّت ظاهرة السياحة المفرطة في أوروبا هو انتشار منصات تأجير الشقق مثل Airbnb، والتي فتحت الباب أمام ملايين المسافرين للحصول على إقامة مرنة وميسورة التكلفة في قلب المدن السياحية. هذه المنصات، رغم ما توفره من راحة، ساهمت في تحويل الأحياء السكنية إلى مناطق مخصصة للسياح، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات وإخراج السكان المحليين من مدنهم. في الوقت نفسه، ساعدت شركات الطيران منخفضة التكلفة في تسهيل الوصول إلى أوروبا بأسعار زهيدة، مما زاد من أعداد الرحلات القصيرة في عطلات نهاية الأسبوع، والتي باتت شائعة لدى الكثير من المسافرين الأوروبيين والدوليين.

إضافة إلى ذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تعزيز هذه الظاهرة، حيث أصبحت صور المدن الأوروبية الشهيرة تُنشر بالملايين، ما حفّز موجات متتالية من الزوار لرؤية "المواقع الأكثر تصويرًا" بأنفسهم، الأمر الذي خلق ضغطًا على أماكن محددة دون غيرها، مثل ساحة سان ماركو في البندقية، أو كاتدرائية ساغرادا فاميليا في برشلونة.

التأثير على المدن والتراث والسكان المحليين

تعاني المدن الأوروبية من نتائج السياحة المفرطة بشكل متزايد، سواء من الناحية البيئية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. في مدينة مثل برشلونة، اشتكى السكان من الضوضاء المستمرة، وتحوّل الشوارع إلى مناطق لا يمكن العيش فيها بسبب الحشود المستمرة. أما في البندقية، فقد تم تسجيل انخفاض واضح في عدد السكان المحليين الذين غادروا المدينة القديمة بسبب صعوبة الحياة فيها، وارتفاع أسعار المعيشة بشكل يفوق طاقاتهم. وفي أماكن مثل أمستردام أو براغ، باتت السلطات تفكر جديًا في فرض قيود على أعداد الزوار أو حتى حظر دخول المجموعات السياحية الكبيرة إلى بعض المناطق.

كما أن التراث الثقافي نفسه لم يسلم من التأثير، إذ أن الضغط الزائد على بعض المعالم أدى إلى تآكلها أو تقييد الزيارات إليها. وفي بعض الحالات، بدأ السكان يشعرون بالغربة داخل مدنهم، حيث أصبحت محلات البقالة تستبدل بمحلات بيع التذكارات، والمقاهي الشعبية تُستبدل بالمطاعم الموجهة للسياح فقط.

حلول مؤقتة ومقاومة شعبية تتصاعد

أمام هذا الواقع، بدأت عدة دول أوروبية باتخاذ إجراءات للحد من السياحة المفرطة، مثل حظر السفن السياحية الكبيرة من دخول موانئ معينة، كما حدث في البندقية، أو تقليص عدد الشقق المعروضة للإيجار القصير المدى كما أعلنت إسبانيا مؤخرًا بإزالة عشرات الآلاف من وحدات الإيجار. كما فُرضت ضرائب سياحية جديدة في أماكن عدة لتمويل أعمال الصيانة وتحسين البنية التحتية، مثلما فعلت مدن في النمسا وسويسرا وفرنسا.

إلى جانب التدابير الرسمية، بدأت مظاهر المقاومة الشعبية تظهر بوضوح، حيث شهدت مدن مثل سان سيباستيان وبالما دي مايوركا مظاهرات يطالب فيها السكان بتقنين السياحة والحد منها. وبدأ الخطاب الإعلامي المحلي في هذه المدن يعبّر عن استياء متزايد تجاه التأثيرات السلبية للسياحة، داعيًا إلى إعادة التفكير في نموذج التنمية القائم على استقطاب السياح بأي ثمن.

في المحصلة، السياحة المفرطة في أوروبا لم تعد مجرد مسألة مؤقتة أو موسمية، بل هي تحدٍ مستمر يتطلب توازنًا دقيقًا بين جذب الزوار والحفاظ على هوية المدن وجودة حياة سكانها. ولعل التحدي الأكبر في المستقبل هو بناء نموذج سياحي مستدام لا يكتفي بزيادة الأعداد، بل يُعلي من قيمة التجربة للزائر والمجتمع معًا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق