عون المبتسم وسلام العابس: وجهان لدولة واحدة؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عون المبتسم وسلام العابس: وجهان لدولة واحدة؟ - تكنو بلس, اليوم الاثنين 9 يونيو 2025 09:26 صباحاً

يطل عليك رئيس الجمهورية جوزف عون مبتسماً فيما يطل عليك رئيس الحكومة نواف سلام عابساً. هذا لا يعني أن عون لا يعبس أبداً أو أن سلام لا يبتسم على الاطلاق.

يمكن القول إن عون "مرتاح على وضعه"، فلديه ست سنوات لمقاربة الواقع والإيفاء بتعهداته.

سلام لا يملك هذا الامتياز، وعليه ان ينجز ما تعهد به في أسرع وقت ممكن، اي قبل الانتخابات النيابية مطلع السنة القادمة، التي من المفترض ان يليها تأليف حكومة جديدة.

يمكن القول أيضاً ان عون العسكري الذي يمارس الرياضة ويحافظ على لياقته الجسدية، ترتسم على محياه الابتسامة كإنعكاس تلقائي لحالة نفسية يولّدها الجسد الممتلىء نشاطاً. اما سلام الذي امتهن الجلوس والكتابة كشرطين لا مهرب منهما لممارسة عمله في القضاء او في التعليم او في العمل الديبلوماسي، فيبدو على وجهه انه في حالة تفكير دائم، مهموماً بإيجاد حلول ومعالجات، مما يفاقم من انحناءة جسده التي تسببت بها عادة الجلوس والكتابة. 

لا ادري اذا كان هناك تأثير للقلق في ما يظهر من ملامح على وجه الرجلين، فانا لا أعرف الى اي حد يقلق الرجلان على حياتهما في بلاد تعرّض فيها مسؤولوها الى الإغتيال، خاصة الذين كانوا في مرحلة رسم مسار جديد في تاريخ الوطن. من المفترض ان يكون سلام الأكثر قلقاً، ليس فقط لأنه الاقل حمايةً والأكثر حدة في مواقفه، بل لأن إغتياله كفيل بخلق فراغ دستوري قد يسعى اليه القاتل، وهذا ما لا يمكن ان ينتج عن اغتيال عون، الذي في حال حصوله، تحل محله حكومة سلام كحكومة تصريف أعمال.

عبوس سلام مفهوم أكثر من ابتسامة عون، ذلك ان الواقع لا يزال متردياً، لا بل ان شروط المعالجات تتعقد يوماً بعد يوم، مالياً ومعيشياً وامنياً، رغم إنجازات المئة يوم التي عددها سلام منذ ايام قليلة.

لكن "الإصلاح والإنقاذ"، وهما عنوانا المرحلة، يحتاجان الى العبوس والى الابتسامة معاً. فالواقع المزري الذي يتطلب اصلاحاً وإنقاذاً، يستدعي العبوس، غير أن اصلاحه وإنقاذه، لا يمكن ان يتما بدون نفحة امل ترتسم ابتسامةً على الوجوه.

المرحلة تحتاج اذاً الى عبوس سلام والى ابتسامة عون، لكن ليس بشكل متنافر بل متناسق. وهذا ما لا يبدو متوفراً. فقد بدأت تكثر المقالات عن تباين في وجهات النظر بين عون وسلام حول ملفات عديدة، من بينها سلاح حزب الله، هيكلة المصارف، العلاقة مع النظام الجديد في سوريا، القضاء، الحريات الاعلامية والفردية، وغيرها.....

التباين طبيعي في وجهات النظر حتى بين الذين ينتمون الى مؤسسة واحدة، على أن يُحسم التباين بالحوار بدايةً وبالتصويت الديمقراطي في نهاية الامر. وهذا ما حصل بشأن اختيار حاكم مصرف لبنان الجديد. لكن الأمور لا تتبع للأسف المسار نفسه بما يتعلق بقضايا أخرى، من مثل سلاح "حزب الله" وإعادة الاعمار. فقد لاح في الافق خلافٌ بشأن هاتين القضيتين المركزيتين، ارجو الا يكون صراعاً على الصلاحيات، في استعادة لممارسات اميل لحود وميشال عون، بخلفياتها الشخصية والطائفية.

فقرار عون بمعالجة قضية سلاح "حزب الله"، منفرداً ومن خلال الحوار المباشر، وبمعزل عن الحكومة، فيه قفز فوق صلاحيات سلام كرئيس للحكومة، المسؤولة عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ومندرجاته، ومن بينها سلاح "حزب الله". كما ان قرار عون تعيين علي حميّة مستشاراً لشؤون الإعمار، يُشتَمُّ منه أيضا محاولة لتجاوز صلاحيات الحكومة، قبل انعقاد مؤتمر دولي حول إعادة الاعمار. ذلك ان حميّة لن يكون في الممارسة العملية مستشاراً بل ممثلاً لـ"حزب الله" في مسألة تعني الحزب وبيئته اولاً، مما يزيد من احتمال تبني رئيس الجمهورية لموقف "حزب الله"، في مواجهة محتملة مع الحكومة ورئيسها، في حال تعارضت المواقف. لا سيما ان هذا التعيين أتى في ظرف كان يتعرض فيه سلام الى الانتقاد والتهجم من قبل "حزب الله" وبيئته.

هذا المشهد السياسي يضعف الدولة التي اتفق خطاب القسم والبيان الوزاري على تقويتها. فلا يمكن مقاربة موضوعي حصرية السلاح وإعادة الإعمار خارج "منطق الدولة"، الذي يستمد قوته ومصداقيته من وحدة الموقف في الدولة، ومن عدم التشكيك بصلاحياتها. وهذا ما يتأمن دستورياً في اجتماعات الحكومة اذا ترأسها رئيس الجمهورية، وبحيث تُتخذ فيها القرارات ديمقراطياً، لا من خلال تشتيت مراكز القرار. 

اما الحجة القائلة ان رئيس الجمهورية أراد من خلال قراراته تسهيل انخراط "حزب الله" في الدولة، فلا اعتقد ان ذلك لا يمكن تسهيله الا من خلال مخالفة الدستور، الذي يبقى هو وليس السلاح، مشكلة "حزب الله" الاولى مع الدولة.

أقر رئيس تحرير صحيفة "الأخبار"، أن "مشكلة " سلام، هي في تطبيق الدستور: " أن موقع رئاسة الحكومة هو مركز السلطة الفعلية في لبنان ما بعد اتفاق الطائف، وأن حصانة هذا الموقع لا تُستمد من صلاحيات نصّت عليها بنود في الدستور والقوانين، بل من القاعدة السياسية التي تتشكل منها الحكومات في لبنان. وسلام خبر ذلك عندما شكّل حكومته.... لكن مشكلته أنه، بعد تشكيل الحكومة، قرّر العودة إلى أداء الرجل الذي يمكنه الاستغناء عن الجميع..."

من مسؤولية رئيس الجمهورية، المؤتمن على الحفاظ على الدستور، ان يوقف هذا الجنوح نحو المزيد من الانهيار، وقد حان الوقت ان يعبس بوجه ما يحصل، وللأسف بمشاركته في بعض الاحيان. مع حرصنا الّا يحرمنا من ابتسامته التي أعطتنا بعض الامل.

في الإنتظار، لم يتوضح بعد اذا كانت الوصاية الدولية الاميركية - السعودية، التي تمون على الرئيسين، تريد رأب الصدع او رعاية الانقسام، في ظل ما يُحكى عن تراجع الاهتمام الدولي- الاقليمي بلبنان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق