شيفو الزمالك.. الصوفي الأخير في محراب الكرة - تكنو بلس

منوعات رياضة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شيفو الزمالك.. الصوفي الأخير في محراب الكرة - تكنو بلس, اليوم الاثنين 9 يونيو 2025 10:04 مساءً

في عالم كرة القدم المتخم بالنجوم والأضواء، حيث يُوزن المجد بعدد الأهداف، وتُقاس القيمة بالعقود المليونية والهتافات الهستيرية، ينهض اسم مختلف كليا، لا يشبه الصخب ولا يغازل الكاميرات، لم يركض يوما خلف الأضواء ولم تُغوه الشهرة، بل مضى في طريقه ثابتا كدعاء الفجر، صافيا كالماء في يد متوضئ، هادئا كالمتعبد المنعزل في محرابه، يكتب سيرته بالصمت، وينحت اسمه في ذاكرة الجماهير بالخلق لا بالضجيج.

محمد عبد الشافي ابن «المرج»، الفتى الذي لم يُغره صخب الجماهير ولا نداء المال، بل اختار أن يسلك دربا أبعد ما يكون عن الصخب، وأقرب ما يكون إلى التأمل، جعل من كرة القدم سلوكا تعبديا، ومن الملعب سجادة صمت، ومن الركض خشوعا، ومن اللمسة ذكرا، ومن التمريرة دعاء في حضرة المحبين.

وُلد في الأول من يوليو عام 1985، ومثل كل العاشقين، لم تكن بداياته ممهدة أو مفروشة بزهور المجد، سلك الطرق الوعرة، وركض فوق ملاعب إنبي وغزل المحلة كما يركض السالك في بدايات الطريق، يخطو بحذر ويمضي بحب وصبر بعد خروجه من ميت عقبة مودعا زملائه في فرق الناشئين.

وهناك، في زواياها تعلم أن يصغي للكرة كما يُصغي العارف لنبض الخفاء، لم يكن يطاردها بجنون، بل يقترب منها بخشوع، يلامسها كأنها سر، يحترمها كأنها كائن حي له نبضه وله شأنه.

«عبد الشافي» ليس مجرد ظهير أيسر، بل كان حارسا غير معلن لروح اللعبة، مؤمنا بأن في كل مواجهة معنى، وفي كل تمريرة مقصدا، وفي كل دفاع عن العرين طهارة نية، عاش الكرة كما يعيش الصوفي تجربته الكبرى، بلا زهو ولا صخب، بل بتجرد يليق بمن زهد في الزينة، وارتضى العشق الصامت سبيلا.

بالنسبة له، لم تكن الكرة جلدا يدحرج فوق العشب، بل كانت نفسا من عالم آخر، لغة لا يفهمها إلا من تطهر من شوائب الذات، وعشق كما يعشق الدراويش: بلا طلب، بلا شرط، بلا مقابل، كما يقول أهل الطريق: «الروح لا تفهم إلا لغة الروح»، وكان هو تلك اللغة التي تسير على قدمين، ذلك الصمت الذي يشرح الولاء، وتلك الطمأنينة التي تُغني عن ألف كلمة.

في عام 2009، لم يكن دخول محمد عبد الشافي إلى ميت عقبة كباقي اللاعبين، بل تسلل كما يتسلل متصوف إلى زاوية مهجورة في جوف الليل، ارتدى القميص الأبيض لا بوصفه زيا رسميا، بل كأنّه «كفن» الولاء، ناصعا من أي غرضٍ دنيوي.

لم يركض خلف مجد شخصي، ولا انتظر عقودا فاخرة، بل اختار أن يكون خادما لفكرة، عاشقا لكيان، مؤمنا بأن الصدق في العطاء أعلى من كل الألقاب، وأن البقاء على العهد أبلغ من أي تتويج.

وسط الأعاصير التي مزقت جدران القلعة البيضاء، من أزمات مالية، ومواسم قلقة، وتبدل في الإدارات والمدربين، ظل «شيفو» واقفا كأحد أولياء المكان، لا يطلب شيئا ولا يشكو، يوقع حضوره في كل مباراة بلغة الصمت، ويبصم على ولائه كل يوم من غير حبر، بعينين تقولان: «ها أنا ذا، على العهد أقيم، لا أغادر ولا أتراجع».في 6 مايو 2014 موعد مباراة عادية في ظاهرها، جمعت الزمالك وتليفونات بني سويف، حتى لحظة غيرت كل شيء.

راوغ محمد عبد الشافي خصمه بخفة الماء، دون أن يلمسه أو يدفعه، لكنها كانت المراوغة التي تبكي الركبة وتخذل الرباط. سقط اللاعب على العشب، ولم تقم له قائمة، إذ كانت تلك اللحظة بداية الألم الكبير.. قطع في الرباط الصليبي، كما علم الجميع لاحقا.لكن ما جرى بعدها لم يكن من كرة القدم، بل من مرآة الروح، ما إن رأى عبد الشافي خصمه يتلوى على الأرض، حتى توقفت قدماه، وانطفأت كل غريزة تنافس، اقترب كمن أوجعته الرؤية، لا الجسد، انحنى إلى جواره كمن يتلقّى الألم عن صاحبه، لم ينطق، لكنه بكى! بكى في قلب الملعب، لا خجلا ولا ضعفا، بل لأن الرحمة سالت من عينيه كما يسيل الماء من بين يدي وليٍّ متعبد.يُقال إنه تكفل بعد ذلك بعلاج اللاعب المصاب، لا حبا في المديح، ولا طمعا في تصفيق، بل لأن قلبه اختار أن يكون الإنسان قبل اللاعب، والرحيم قبل الرابح، كانت تلك دموعا لا تُعلّق على جدار البطولات، بل تُكتب في سجلّ الصالحين، حيث لا يقف المجد على عدد الأهداف، بل على عدد المرات التي وقفت فيها الإنسانية وحدها في منتصف الملعب.ذلك المشهد، الذي وثقته الكاميرات وأبكى المشاهدين، لم يكن مجرد رد فعل عابر، بل تجلٍّ لحقيقة راسخة في شخص عبد الشافي: أنه يرى الإنسان قبل القميص، ويرى الوجع قبل النتيجة، وكأن كرة القدم عنده لم تُخلق للصراع، بل للرحمة والتكافل والتراحم.كانت دموعه تلك صلاة صامتة، لا كلمات فيها، لكنها حملت من المعاني ما يكفي لنسف كل صور التعصب والانفعال المفرط في الملاعب، لقد علّم الجميع درسا نادرا في الأخلاق، حين بكى بدلا من أن يحتفل، وتعاطف بدلا من أن يتجاهل، كأن الرحمة عنده غريزة.

أما الصمت، فقد كان عبد الشافي يُتقنه كما يُتقن الكرة، حين هاجت الأزمات المالية في نادي الزمالك، وارتفعت الأصوات بالشكوى والاحتجاج، كان هو الهادئ، الثابت، الذي يبث الطمأنينة في نفوس زملائه بوجوده والتزامه في التدريبات، صمته لم يكن ضعفا، بل كان صلوات خفية، نضجا وحكمة في عالم يعج بالفوضى والضجيج.في نهائي كأس مصر 2025، امتدت يد شيكابالا لتسلم الكأس لعبد الشافي، ليس تكريما للاعب فحسب، بل إعلان لتقدير الروح قبل الأرقام، والإنسان قبل اللقب، رفع «شيفو» الكأس بعين دامعة وقلب خاشع، كأنه يودّع محرابه بعد رحلة طويلة من الإخلاص والوفاء.

إصابته في 2023 لم تُنهِ مسيرته، بل فتحت أمامه فصلا جديدا من العطاء، لم يعتزل لأنه فقد الشغف، وإنما حفاظا على كرامته وكرامة ناديه، مع ذلك، استجاب لنداء الجماهير وعاد لموسمه الأخير ليترك بصمة وداعية على أرض الملعب، رقصة الختام التي كتبت بألحان الوفاء والمحبة.

غادر «عبد الشافي» المستطيل الأخضر حاملا إرثا خالدا، نموذجا للبطل الذي يُقاس بنقاء القلب لا بعدد الأهداف. كان رمزا للإنسانية في زمن تسيطر عليه المصالح، وصوفيا يرى في الكرة أكثر من لعبة، طريقا نحو الله، ليظل أيقونة الهدوء في عالم يختلط فيه الضجيج بالجوهر، ودليلا حيا على أن الإنسان قادر على أن يكون عاشقا صافي الروح، وأن يحترم اللعبة بروح مخلصة لا تعرف المهادنة.لعب الكرة بتفانٍ عاشها كعبادة، وصنع من كل مباراة صلاة، ومن كل لمسة تأملا، ومن كل دمعة درسا في الرحمة.. هكذا كان محمد عبد الشافي، الصوفي الأخير في محراب الكرة.

سلام عليك يوم ارتديت الأبيض، وكأنك تلبس نور الفجر في محراب خاشع.

وسلام عليك حين رفعت الكأس، والعينان تروي قصص الوفاء والصدق.

وسلام عليك يوم ودعت الملعب، وحملت في قلبك شعلة الإخلاص التي لا تنطفئ.

سلام لمن سار في درب العشق الصوفي، وحول كل لمسة كرة إلى صلاة تتردد أصداؤها في السماء.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : شيفو الزمالك.. الصوفي الأخير في محراب الكرة - تكنو بلس, اليوم الاثنين 9 يونيو 2025 10:04 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق