نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جامعة الدول العربية أمام فرصة استثنائية - تكنو بلس, اليوم الجمعة 13 يونيو 2025 04:53 صباحاً
تنتهي ولاية الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في 30 أيلول/ سبتمبر المقبل، والجامعة في وضعية لا تُحسد عليها، بينما الأوضاع العربية تحتاج إلى تعاون وتنسيق أكثر من أي وقتٍ مضى، نظراً إلى المخاطر الكبيرة التي تواجه الدول العربية، ولأن العصر فرض استخدام نمطيات للعمل المشترك، تختلف تماماً عن النمطية التي اعتمدتها الجامعة منذ تأسيسها في 22 آذار/مارس 1945.
تأسست جامعة الدول العربية قبل ولادة منظمة الأمم المتحدة بعدة أشهر من أكثر من ثمانين عاماً، في ظل أجواء حماسية عربية، طالبت بإنشاء "اتحاد عربي" في البداية، لكن التدخلات الخارجية – ولا سيما البريطانية – كَبَحَت اندفاع التيارات القومية، وشجَّعت الدول المؤسسة خلال اجتماعها الأول في مدينة الإسكندرية المصرية على تأجيل إعلان الاتحاد، والقبول بتأسيس جامعة تنسيقية، تعمل على تقريب وجهات النظر بين الدول العربية الأعضاء، بانتظار ظروف مؤاتية أكثر لتنفيذ مشروع شراكة اتحادية فاعلة.
ميثاق جامعة الدول العربية وبروتوكول الإسكندرية، ووثائق المعاهدات المشتركة – ولا سيما الدفاعية والثقافية والاقتصادية – بقيت ضمن الخطوط العامة التي تنشد التضامن والتعاون، من دون تفعيل جدّي وكامل ومُلزِم، وكذلك كان الأمر في المجالس والصناديق والمنظمات المتخصصة في المجالات النقابية والمالية والأمنية والقضائية، وفي مجال حقوق الإنسان والشؤون الإنسانية. وقد اقتصر نشاط هذه الوحدات المشتركة على التنسيق وتبادل الرؤى، أو تنظيم الخلافات على أقل تقدير.
هل يمكن تطوير الجامعة لتخرج من الدور التنسيقي إلى الدور الموحِّد، أو الاتحادي، وتكون دعامة أساسية للأمن القومي العربي المُهدَّد من كلِّ حدبٍ وصوب؟
تناقلت وسائل إعلام مُتعددة رغبة بعض الدول العربية الفاعلة في إجراء مداورة في تولِّي منصب الأمين العام للجامعة، بينما جرى العرف أن يكون المنصب من حصة مصر دولة المقرّ، وهذا الأمر انطبق على تونس عندما استضافت مكاتب الجامعة بين عام 1979 وعام 1990، بعد تعليق عضوية مصر بسبب توقيعها اتفاقية سلام مع إسرائيل، من دون التنسيق مع دول الجامعة.
والرغبة لا تخفي نيّات ضد الدور المصري، بقدر ما تحمل طموحات يمكنها تفعيل العمل العربي المشترك، وربما الوصول به إلى مستويات تتلاءم مع تحديات العصر. والأمر في هذا السياق لا يتعلَّق بتبديل مراكز الاستقطاب العربي على الإطلاق، والدور المصري كان وما زال متقدماً، لكن بعض التغيير قد يُحدث حركية تخرج العمل من البيروقراطية الثقيلة، وتنفض الغبار الإداري عن كاهل الأمين العام كموقع سياسي من الطراز الرفيع – قيل إن مصر رشحت له هذه المرة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي - وتعطي صلاحيات تشغيلية واسعة لنائب الأمين العام.
لكن المطروح اليوم ليس تفعيل العمل التنسيقي والإداري فقط، بل استغلال المناسبة والتحولات السياسية الهائلة، لإجراء تعديلات جوهرية على ميثاق الجامعة، وتحويلها إلى إطار اتحادي يفرض مقاربات تشريعية وإدارية وأمنية ودفاعية وعدلية موحّدة، ويرفع منسوب العمل العربي المشترك إلى مستوياتٍ جديدة، قد لا تصل إلى الوضعية الاندماجية التي تعمل بموجبها الدول الأوروبية، لكنها تُخرِج التعاون البيني العربي من مستنقع المجاملات والحَذر، إلى مساحات تعاون فعلي، تستفيد منه الدول العربية برمّتها، من دون أن يشكِّل خطراً على الخصوصيات الوطنية التي تتميّز بها كل دولة من دول الجامعة.
ولعلَّ المُستوجبات التي تفرض الارتقاء بالعمل العربي المشترك إلى مستويات جديدة، هي التحدي الأمني، مع وجود انكشاف عسكري كبير، تستغله إسرائيل لتنفيذ مخططاتها المسمومة في فلسطين، وعلى مساحة الدول المجاورة لها، من دون أي رادع. وقادة التطرُّف اليميني في إسرائيل تجاوزوا كل الحدود في عدوانهم، ولم يتورّعوا عن استخدام التجويع والتنكيل والطرد والقتل العمد، في استباحة غير مسبوقة لكل القيم والأعراف، وفي تحدٍّ سافر للقوانيين الدولية ذات الصلة، ولا سيما منها مندرجات اتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تتحدث عن حماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، أو الذين يعيشون وسط ساحات الحروب.
والأمن القومي العربي مُهددٌ من كلِ حدبٍ وصوب، وسط هذا الهياج المُخيف في العلاقات الدولية، بينما الإمكانيات المالية والتسليحية العربية متوافرة، ولديها خيارات واسعة لتحقيق شيء من التوازن مع العدوان الإسرائيلي، أو مع كل مَن يُضمِر شراً للدول العربية. ولا بد من تطوير معاهدة الدفاع العربي المشترك لعام 1950، بحيث يتم تشكيل جيش دفاعي عربي له صلاحيات تنفيذية، تختلف عن صلاحيات الجيوش الوطنية، ويمكنه التدخل، بقرار من مجلس الجامعة، في الحالات التي تتعرَّض لها الممرات الاستراتيجية العربية للخطر، وفي حالة العدوان السافر الذي قد تواجهه أيّ دولة عضو في الجامعة.
ولا بد من إخراج التباينات العربية – العربية، أو الصراعات المحورية والحروب الداخلية، من المربع الذي تتعطل معه الإرادة العربية المشتركة، فالخلافات البينية مسألة واقعية، وهي موجودة عند كل التكتلات القارية أو الجهوية في العالم، وما بين الدول الأوروبية من تباينات، يفوق بمرات عديدة ما هو موجود على الساحة العربية، لكن المصلحة القومية العليا، لها الأولوية على الاعتبارات الوطنية التفصيلية. وتحصين الأمن القومي العربي بمقوّمات دفاعية مختلفة قدرٌ لا بد من مواجهته، ولا يمكن لأيّ استراتيجية دفاعية وطنية أن تواجه بمفردها التحديات الأمنية العصرية، في ظل الحروب الباردة أو الساخنة التي تجري داخل الساحات العربية، أو في محيطها.
أمام الواقع العربي فرصةٌ متميِّزة لتحقيق شيء من التضامن الفعلي، والتغييرات الهائلة التي حصلت في الأشهر الأخيرة ساعدت في إزالة بعض العوائق من أمام مسيرة العمل المشترك. والمخاطر تفرض مواجهة موحّدة بالحد الأدنى، أمّا التلهّي بالخلافات والتباينات التفصيلية التي لن تنتهي، فلا تعفي أحداً من المسؤولية، وأيّ عوامل قوة للوضع العربي العام، تعطي قوة لكل الدول الأعضاء في الجامعة. وقد أثبتت الوقائع أن القدرات الناعمة العربية التي تعتمد على الموارد البشرية وعلى الثروات المالية، وعلى النفط والغاز والمعادن، إضافة إلى أهمية تأثير الموقع الجغرافي، قادرةٌ على إحداث الفرق، والحفاظ على المقدرات العربية، وفرض الحلول العادلة لأزمات المنطقة، ولا سيما تسوية القضية الفلسطينية، ووقف جنوح العدوان الإسرائيلي المتفلِّت.
-المقاربة الواردة في المقال قد لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
0 تعليق