نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قصة "الصرصار والنملة في لبنان" - تكنو بلس, اليوم الجمعة 13 يونيو 2025 10:13 صباحاً
نعمت كريدلي
وفي الصباح التالي، أيقظت الصرصار الذي لم يتذمّر من الإستيقاظ باكراً هذه المرّة. إستغربت النملة حماسته ونشاطه وإندفاعه، فقد ساعدها في توضيب الحقائب وحملها حتى الوصول إلى متن الطائرة. جلست النملة قرب الصرصار وسألته: "أراك متحمّساً للذهاب إلى لبنان، فما هو السبب؟". نظر الصرصار اليها بتعاطفٍ خبيثٍ، ثمّ أجاب: "لا شيء يذكر، كل ما في الأمر أن معظم أقربائي يسكنون في لبنان وقد إشتقت إليهم كثيراً. أشكرك يا صديقتي من كلّ قلبي على دفع أكلاف هذه الرحلة". "لا شكر على واجب عزيزي الصرصار!"، قالت النملة هذه الكلمات وهي غير مقتنعة بتبريره، لكنّها لم تأخذ كلامه على محمل الجد، فقد كانت تحلم بالربيع اللبناني وكثرة المروج، وتخطط لبرنامج عمل شتوي.
هبطت الطائرة في مطار بيروت الدولي فإمتلأ قلب النملة بالأمل والبهجة وعقل الصرصار بنشوة الأخبار التي وصلته من أقربائه. ودّعت النملة صديقها الطائر فوق الغيوم من شدّة سروره المبهم، ثمّ إفترقا لأن طريقهما ليس واحداً!
كان الطقس مشمساً واعداً بصيفٍ حارقٍ وكانت النملة متحمسة كعادتها للعمل من دون كلل أو ملل. فما كان منها إلا أن تناولت القليل من الطعام وإنكبّت على جمع البذور ومراقبة الجذور. مرّ صيف لبنان على النملة كجهنّم، فقد كانت تقضي ساعات من الإنتظار المضني في سيارات التاكسي عالقة في زحمة سير جعلتها تحسد أجنحة الطير، لكن ما كان يصبّرها على حالتها المأسوية في العمل لساعاتٍ طوال وراتبٍ متدنٍ والعيش بلا كهرباء ومياه وغياب الدور المؤسساتي للدولة، هو الراحة المنتظرة في الشتاء الموعود بالدفء والأمان.
في المشهد الآخر من الهجرة لأرض الديستوبيا، وكعادته أمضى الصرصار صيف لبنان في الملاهي الليلية والمسابح والمهرجانات وتعرّف على صرصارة تفوقه كسلاً ولهوا،ً وزارا كل الأماكن السياحية في لبنان. بالطبع أنفق الصرصار كل المال الذي أعطته إيّاه النملة، لكنّه لم يكن قلقاً هذه المرّة. فالرزق كثير والفساد كبير والعقل صغير!
أقبل تشرين المنذر بشتاء قارس على لبنان، فهرعت النملة إلى بيتها تحت التراب والذي حوّلته إلى مخازن لمواد غذائية مما لذّ وطاب. وفي طريقها إلى البيت، إلتقت الخنفساء التي بدورها أقنعتها بوضع محصولها في مكان آمن فوق التراب، لأن تراب لبنان معرض للإنجراف وقد تخسر كل تعبها في لحظة، خصوصاً أن الخنفساء متخصصة بتخزين المواد الغذائية لكل الحشرات في كلّ الأزمات وهي ضليعة بجغرافية لبنان.
إشتدّ البرد وسقطت الأمطار الغزيرة وضربت العواصف لبنان من شماله إلى جنوبه والنملة جالسة في بيتها تحت التراب تنتظر حفنة البذور الشهرية من وديعتها. مرّت الأيام والنملة تنتظر قدوم الخنفساء لإعطائها بضع حبات تالفة، لكنّها لم تأتِ. فقررت النملة الخروج من تحت التراب لتعرف مصير جهدها الذي وضعته فوق التراب؛ إرتدت معطفاً ثقيلاً علّه يحميها من قساوة الصقيع وجنون القطيع وإتخذت من بقايا قنينة بلاستيك مدهوسة مظلّة تحميها من الأمطار وقذارة الحوار. وصلت النملة بعد عناء طويل إلى مقرّ الخنفساء، لكنّها وجدت طابوراً طويلاً من الحشرات كأنّه أفعى الأناكوندا التي تُفترَس ولا تَفترِس. لفتتها دودة تلتحف كيساً من النايلون مناجية نفسها بكلمات غير مفهومة. إقتربت منها وسألتها: "عفواً على الإزعاج، هل أنت بخير؟". نظرت الدودة إلى النملة نظرة الأم المنكوبة إلى طفلها: "الخنفساء ومن يحميها هم فقط بخير. ماذا تفعلين هنا أيتها النملة؟". أخبرت النملة قصتها كاملة للدودة، فما كان من الدودة إلا أن صفعتها بقوة وهي تصرخ: "ما الذي أتى بك إلى جهنم؟ قولي وداعاً لجميع بذورك وإستقبلي من الآن وصاعداً فضلات الطفيليات. هذا هو مصيرنا؛ أهلاً بك في فريق الكوميديا السوداء!". لم تصدق النملة ما سمعت وإتهمت الدودة بالجنون. حاولت إقتحام مركز التخزين لتأخذ وديعتها، لكن جرذان الحراسة واجهوها بشراسة، وألقوا بها في حفرة من حفر التراث اللبناني للطرق. قامت الدودة وإنتشلتها من حفرة المياه المتسخة وحاولت تجفيفها بمنديلٍ رماديٍّ مرميّ على الطريق. نظرت الدودة الى النملة بحزن ساخر وقالت: "أترين ذلك القرمش الذي يتكئ على عكاز حزبي ويقف قرب بقايا سكة حديد أصابها حبر الأصابع الساذجة بالصدأ المزمن؟"، أجابت "نعم، ما خطبه؟". ردّت النملة بغصّة تكاد أن تتنكّه بألم اليقظة. "هذا القرمش يا عزيزتي فقد قدمه وهو يحاول إقتحام مركز التخزين بعد أن أطلق عليه النار أحد جرذان الخنفساء".
أيقنت النملة أن وديعتها ذهبت مع رياح المافيا في لبنان وأن قرارها السفر إلى أرض الأمل الوهمي كان خاطئاً. تذكرت صديقها الصرصار وبدأت بالبحث عن عنوانه حتى وجدته مستلقياً قرب مدفأة حطب في إحدى الشاليهات الفخمة. "مرحباً يا صديقي، لقد سُرقت كل البذور التي جمعتها في الصيف.الخنفساء مع حلفائها إحتالت عليّ. أنا جائعة جداً وأشعر بالبرد الشديد. أريد مساعدتك لو سمحت!". نظر الصرصار ذو المعدة المنتفخة بإستخفاف إلى النملة الهزيلة، وقال: "كم أنت غبيّة أيتها النملة! أتيت بكامل قواك العقلية إلى جهنم والآن تتذمرين من الإحتراق. هل تتوقعين منّي المساعدة؟ كم انت ساذجة! هل تذكرين ماذا قلت لي الشتاء الماضي؟ "لقد أضعت وقتك في اللعب خلال الصيف أيها الصرصار والآن تريد أن تأخذ طعامي في الشتاء. إذهب وأكمل غناءك تحت المطر!". وأنا الآن أقول لك: "إذهبي وأكملي عملك تحت المطر، لكن ليس في هذا البلد. إذهبي وأكملي عملك تحت المطر في بلد يحكمه المنطق والعدل والقانون، فلا أصبح أنا البطل وأنت النكرة!".
0 تعليق