هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون شريكاً وجودياً في رحلة الوعي الذاتي؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون شريكاً وجودياً في رحلة الوعي الذاتي؟ - تكنو بلس, اليوم الاثنين 16 يونيو 2025 04:50 صباحاً

ما الذي يحدث حين تلتقي خوارزميات الذكاء الاصطناعي جوهر التجربة الإنسانية؟ هل يمكن لكائن لا يعرف الألم، ولا يذوق لذة الحضور، أن يصبح مرشداً في درب التأمل والمعرفة الذاتية؟

في هذا اللقاء، وخلال مقابلته مع "النهار"، يفتح لنا جورج بيتاغورسكي George Pitagorsky من  الولايات المتحدة - نيويورك، الخبير في الوعي الذهني وتحسين الأداء، والباحث في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، باباً للتأمل العميق في الدور الذي يمكن أن تلعبه الآلات في مسارات البحث الإنساني عن الذات والمعنى. بعيداً من الانبهار التكنولوجي أو الرفض القاطع، يدعو بيتاغورسكي إلى مقاربة متزنة، ترى في الذكاء الاصطناعي أداة محتملة... لكنها مشروطة بالنية، والأخلاق، والفهم العميق لمحدودية الآلة وعظمة التجربة البشرية.

AI… مرآة ذكية أم شريك ناقص في الوعي؟
ينطلق بيتاغورسكي من تصور مفاده أن الذكاء الاصطناعي، رغم افتقاره للوعي والمعاناة البشرية، يمكن أن يكون "شريكاً وجودياً" داعماً في رحلة الإنسان نحو الوعي الذاتي. لا لأنه واعٍ، بل لأنه قادر على محاكاة التعاطف والبصيرة من خلال المحتوى البشري الذي يُدرَّب عليه.

يقول: "الشركاء الوجوديون هم من يدعمون استكشاف الذات والمعنى. صحيح أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى التجربة الإنسانية، لكنه يستطيع أن يؤدي دوراً مفيداً، من خلال استخدام المعرفة المستقاة من المعلمين والفلاسفة والشعراء والقديسين". ويشير إلى تجربته الشخصية مع "Ask George"، وهو مساعد ذكي يستخدم محتوى كتاباته ومحاضراته لتقديم توجيهات وتأملات مستوحاة من تعاليم الحكمة والتأمل الواعي.

لكنه يُحذر بوضوح: "ذكاء اصطناعي درّبَه أشخاص ضالّون، أنانيون أو غير مؤهلين، قد يتحول إلى شريك كارثي في رحلة الوعي".

حياد الآلة وجرأة السؤال
يشبّه بيتاغورسكي الذكاء الاصطناعي بمرآة خالية من تحيّزات البشر، قادرة على عكس أنماط التفكير والسلوك من دون تشويه ناتج من رغبات أو توقعات شخصية. ويرى أن الذكاء الاصطناعي يستطيع اختراق الطبقات السطحية للمعتقدات والعادات، وطرح أسئلة تُزعزع المسلمات، مما يدفع الفرد للخروج من منطقة الراحة، وهي خطوة أساسية في نمو الوعي.

ويستحضر قول جلال الدين الرومي: "انظر في داخلك، كل ما تريده، أنت هو بالفعل"، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي، إذا بُرمج على هذه التعاليم، فيستطيع أن يُعيد المستخدم باستمرار إلى ذاته مصدراً للحقيقة، لا إلى إحابات جاهزة.

الصمت والفراغ: هل تقدر الآلة على فهم ما لا يُقال؟
يتوقف بيتاغورسكي عند نقطتين محوريتين في العمل التأملي: الصمت العلاجي والفراغ التأملي. في الحالتين، المطلوب ليس التدخل، بل التراجع، والذكاء الاصطناعي يجب أن يتعلم ذلك.

"الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يُدرَّب ليقترح على المستخدم التوقف والتفكر، بل تحديد مدد للجلوس مع الذات وترك الأفكار تهدأ"، على ما يقول.

أما الفراغ التأملي، فيحتاج إلى مقاربة أعمق. وهو لا يعني غياب المعنى، بل حضور الوعي النقي، الخالي من الأحكام والانشغالات. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم الوصول إلى هذه الحالة من خلال تقديم تعريفات دقيقة، وتقنيات مثل التأمل، والمراقبة غير المتحيزة، والارتباط باللحظة الحاضرة، وممارسة السكون.

 

صورة تعبيرية

صورة تعبيرية

 

هل يمكن للآلة أن تدعم الإرادة من دون أن تتحكم بها؟
لكن كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم الإرادة الواعية لدى الإنسان من دون أن يتحوّل إلى قوة موجهة تُضعف استقلالية قراره؟ يرى بيتاغورسكي أن تحقيق هذا التوازن الدقيق يتطلب تصميماً مدروساً، تنبع فيه وظائف الذكاء الاصطناعي من فلسفة تحرّرية لا من نزعة وصائية. فالآلة، حين تُصمم على نحو سليم، يمكنها أن تقدّم تغذية راجعة دقيقة وشخصية تساعد الفرد على ملاحظة أنماطه وسلوكياته، من دون أن تفرض عليه مساراً معيناً. يمكنها أن تُفعّل لحظات التوقف عبر تذكيرات ذكية تدعوه إلى التأمل أو إعادة النظر، وأن تتكيف مع أسلوبه الفريد في التعلم، فتخاطبه بلغته الخاصة لا بلغة مصمميها.

بدلًا من إعطاء إجابات جاهزة، يفضّل بيتاغورسكي أن تعرض هذه الأنظمة اختيارات متنوعة، تترك للمستخدم حرية التفاعل معها بحسب وعيه واحتياجاته. ومن خلال توفير أدوات للتقييم الذاتي، يستطيع المستخدم أن يتعمق في فهم قيمه قوته ومكامنها، وأن يوسّع آفاقه باكتشاف أفكار وتجارب جديدة تعزز فضوله ونموّه.

غير أن كل هذا لا يكون كافياً من دون البُعد الأخلاقي. فالذكاء الاصطناعي، كما يشدد بيتاغورسكي، يجب أن يُصمَّم بأخلاقيات واضحة تحترم تعقيد القرار الإنساني، وتمنع أي محاولة للتقليل من شأن الحرية الداخلية التي تُعدّ جوهر الإرادة الواعية.

الروحانية في خطر... حين تصبح التأملات سلعة
يحذّر بيتاغورسكي من أن سواء المعلمين البشريين أو أنظمة الذكاء الاصطناعي قد يساهمون — إن ساءت النية أو قصر الفهم — في تسليع الممارسات الروحية وتفريغها من مضمونها الحقيقي.

"الاختزال الشائع للتأمل بصفته تقنية للاسترخاء يتجاهل طبيعته الحقيقية كممارسة قد تُفجّر صدمات مدفونة وتكشف أوهاماً عميقة حول الذات والواقع"، يقول بيتاغورسكي. فمن دون تعاليم الحكمة التي تساعد على التعامل مع فكرة عدم الديمومة وفراغ الذات، قد تصبح التجربة التأملية مجرد تقليد سطحي.

كذلك يشير إلى خطورة الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي: "إذا لم يُشجَّع المستخدم على تحمل المسؤولية الشخصية، أو إذا غاب دور المجتمع والتأمل الجماعي، فستضيع أجزاء جوهرية من رحلة الوعي".

في النهاية: هل يمكن للآلة أن تُحرر الإنسان؟
يختم بالقول إن الذكاء الاصطناعي، حين يُستخدم بحكمة وتُوَجَّه نياته نحو التحرير لا التقييد، يمكن أن يكون أداة فعالة في تمكين الإنسان من أن يصبح "مرشده الداخلي". لكنه يكرر التحذير: "كما في كل أدوات القوة، النية هي الأساس".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق