نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العين
على
"حزب
الله"...
هل
يبقى
لبنان
بمنأى
عن
الحرب
على
إيران؟! - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 06:25 صباحاً
لم يكن العدوان الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة، بحجمه وشكله فضلاً عن نتائجه وتداعياته، مجرّد "ضربة موضعية" أريد منها توجيه رسائل "ضغط" للجمهورية الإسلامية، في ضوء فشل المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران في تحقيق أيّ تقدّم أو خرق، ولا حتى كان "جولة" في سياق الضربات المتبادلة الدورية، التي كانت توصَف في الكثير من الأوساط بـ"المسرحية"، والتي كانت عمومًا تنتهي بردّ متواضع، أو ردّ على الردّ.
هذه المرّة، بدا كلّ شيء مختلفًا، فالضربة الإسرائيلية تكاد تكون غير مسبوقة، والاغتيالات التي شملت كبار القيادات العسكرية والعلماء النوويين كانت "غادرة"، وهو ما بدا عمليًا بمثابة قرع لجرس "الحرب"، لا "الإنذار"، فالإيرانيون وُضِعوا في موقفٍ لا يُحسَدون عليه، أصبح معه السكوت أو حتى الصبر بمثابة هزيمة واستسلام، والإسرائيليون أنفسهم قالوا إنّهم أعدّوا العدّة لأيام قتالية غير قصيرة، من أجل القضاء على "التهديد" النووي بالمُطلَق.
وبالفعل، دخلت إيران وإسرائيل، ومعهما الشرق الأوسط بكامله، بل العالم بأسره، في قلب "الحرب المباشرة" بدءًا من يوم الجمعة، وهي حرب تبدو "نوعيّة وجديدة" في سياق تاريخ الصراع بينهما، ولو كان طويلاً، إذ لطالما اعتمد على مبدأ "الحروب بالوكالة"، إن صحّ التعبير، انطلاقًا ممّا يصفه كثيرون بـ"وكلاء إيران في المنطقة"، الذين يبادرون إلى القتال، دفاعًا عنها، وربما نيابةً عنها، وهو ما لا يسري على الواقع الحاليّ.
مع ذلك، ثمّة خشية تتصاعد يومًا بعد يوم، عن احتمالات توسّع الصراع أكثر، بل تحوّله إلى حرب إقليمية شاملة، كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة، لكنّها سقطت في محطات أساسية، ولعلّ هذه الخشية تتعاظم في لبنان تحديدًا، حيث تسلّط العين على "حزب الله"، الذي لطالما اعتُبِر الأداة التنفيذية الأقوى لإيران في المنطقة، فهل يبقى "متفرّجًا" على العدوان المستمرّ والمتصاعد عليها، أم يتدخّل في مكانٍ ما، مهما كانت التبعات؟!.
في المبدأ، يقول العارفون إنّ الموقف اللبناني الجامع هو برفض العدوان الإسرائيلي على إيران، بعيدًا عن بعض الأصوات "الشامتة" التي هلّلت فجر الجمعة، لاغتيالات واستهدافات، متجاهلة حقيقة أنّ إسرائيل هي من قامت بها، ولكن أيضًا أنّ تداعيات ما يحصل من شأنه تقويض الاستقرار في كامل منطقة الشرق الأوسط، ولبنان من ضمنه، خصوصًا أنّه قضى على "نافذة أمل" كان يفترض أن توفّرها المفاوضات الأميركية الإيرانية، ولو كانت متعثّرة.
وقد جاءت البيانات الرسمية صبيحة يوم الجمعة لتعبّر بوضوح عن هذا الموقف الجامع، فرئيس الجمهورية جوزاف عون مثلاً سارع إلى إدانة الضربات الإسرائيلية، بوصفها "تقوّض المبادرات والوساطات التي قطعت شوطًا متقدمًا للتوصل إلى حلول واقعية وعادلة تبعد شبح الحرب والنزاعات"، وكذلك فعل رئيس الحكومة نواف سلام الذي اعتبر أنّ تداعيات ما وصفه بالعدوان الخطير، تستهدف استقرار المنطقة بأكملها بل السلام العالمي.
بيد أنّ الموقف اللبناني الجامع لا يقتصر على إدانة العدوان الإسرائيلي، بل يشمل رفض انخراط لبنان بأيّ شكل من الأشكال بما يحصل، وعدم تحويله مرّة أخرى ساحة لتصفية الحسابات أو تبادل الرسائل، وذلك للكثير من الاعتبارات والأسباب، أولها وربما أهمّها أنّ لبنان وإن كان متعاطفًا مع إيران، إلا أنه ليس معنيًا بهذه الحرب، وهو الذي لم يخرج بعد من الحرب التي شُنّت عليه إسرائيليًا، والتي كان ثمنها باهظًا على كلّ المستويات.
وبدت هذه الرسالة واضحة في العديد من المواقف والتصريحات الصادرة عن مسؤولين ووزراء، ممّن دعوا صراحة "أصدقاء إيران" إلى تجنيب لبنان مخاطر انفجار الصراع الإسرائيلي الإيراني، كما حضرت أيضًا في الاجتماع الأمني الذي عقد يوم السبت في قصر بعبدا، والذي خلص إلى اتخاذ عدد من الإجراءات للمحافظة على الاستقرار في البلاد وتأمين سلامة الطيران المدني والحركة الجوية، بحسب بيان صادر عن قصر بعبدا.
وفي هذا السياق، قد لا يكون خافيًا على أحد أنّ موقف "حزب الله" تحديدًا هو الذي يشغل بال الكثيرين، بالنظر إلى العلاقات العضوية التي تربطه بإيران، وهو المتهم من بعض خصومه أنّه "يغلّب أجندتها" على تلك اللبنانية، وسط مخاوف من أن تؤدّي أيّ خطوة يمكن أن يقدم عليها إلى دخول لبنان مرّة أخرى إلى "مستنقع" الحرب، هذه المرّة تحت عنوان "إسناد إيران"، وكأنّ تجربة "إسناد غزة" لا تكفي.
بعيدًا عن كلّ ما يُحكى ويُقال، يقول العارفون إنّ كلّ المؤشّرات والمعطيات المتوافرة حتى الآن، تستبعد مثل هذا السيناريو، بدءًا من البيان الواضح الذي أصدره "حزب الله" والذي لم يتضمّن أيّ تلويح صريح أو ضمني بالانخراط في الحرب، بل اكتفى بالتعبير عن إدانة العدوان الإسرائيلي والتضامن مع إيران، علمًا أنّه في محطات تاريخية سابقة، كان يلجأ إلى التهديد الصريح والمباشر، كما فعل مثلاً حين تبنّى نظرية "وحدة الساحات"، وإن لم تُطبَّق عمليًا.
ويقول العارفون إنّ عوامل واعتبارات عدّة تدفع "حزب الله" إلى التموضع جانبًا أولها أنّ الحرب الحالية لا تشبه سائر الحروب، فهي فُرِضت "بالمباشر" على إيران، وطالما أنّها كذلك فلا يوجد أيّ داعٍ لدخول أيّ طرف ثالث فيها، حتى لو كانت إسرائيل تحظى بالدعم الأميركي، علمًا أنّ هناك من يقول إنّ دخول "حزب الله" على خطّ الحرب، سيكون بمثابة إعلان أنّ إيران غير قادرة على حماية نفسها "ذاتيًا"، وبالتالي فهي بحاجة للدعم والمساندة.
أما الاعتبار الثاني، وهو الأهمّ، وفق ما يقول العارفون، فهو أنّ "حزب الله" ليس في وضعٍ يسمح له بالانخراط فعليًا في أيّ جولة قتالية جديدة مع إسرائيل، وهو الذي تشير كلّ المعطيات إلى أنّه لم يرمّم بعد قدراته العسكرية، ولا يزال في مرحلة استيعاب الدروس والعِبَر بعد الحرب الأخيرة التي كانت قاسية جدًا عليه، وقد كلّفته الكثير ممّا لا يبدو أنّ تعويضه سهل، خصوصًا مع اغتيال أمينه العام وزعيمه التاريخي السيد حسن نصر الله.
ويتفرّع من هذا الاعتبار، اعتبار ثالث، يتعلّق بأداء "حزب الله"، مبدئيًا وأخلاقيًا، إذ لا يوجد ما يبرّر أن يبقى الحزب "متفرّجًا" على خروقات إسرائيل شبه اليومية للسيادة اللبنانية، وعلى تجاوزها للكثير من الخطوط الحمراء، تحت عنوان "الصبر الاستراتيجي"، ثمّ يكسر هذا "الصبر" عندما تُضرَب الجمهورية الإسلامية في إيران، حتى لو اعتبر أنّ هذا الصراع "وجودي"، ويستهدف النظام الإيراني بحدّ ذاته.
في النتيجة، يمكن القول إنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ لبنان ليس جزءًا من الحرب على إيران، وأنّه غير معنيّ بها عمليًا، رغم موقفه المبدئي الواضح منها، إلا أنّ الخشية تبقى مشروعة من سيناريوهات تتوسّع معها الحرب، ويصبح لبنان جزءًا منها، أو ربما من احتمالات لـ"توريط" لبنان في الحرب بشكل أو بآخر، فهل يبقى لبنان "محصَّنًا" في كلّ الأحوال، أم أنّ شيئًا ما سيدفعه إلى "أتون" المعركة، بذريعة أنّه ليس "جزيرة معزولة"؟!.
0 تعليق