مصر والاستقلال الاستراتيجي: كيف أعدّت القاهرة نفسها لزمن الفوضى؟ - تكنو بلس

صوت الامة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصر والاستقلال الاستراتيجي: كيف أعدّت القاهرة نفسها لزمن الفوضى؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 10:13 صباحاً

يتفق الكثيرون على أن ما يحدث بين إيران وإسرائيل لا يقتصر على مجرد تبادل ضربات أو استعراض قوة، بل يتجاوز ذلك إلى صراع ردع، أيهما يمتلك الردع الأقوى، وليقتصر الأمر على هذا الحد، لكن التحركات العسكرية في المنطقة تُذكّر بأجواء غزو العراق عام 2003.

 

تحذيرات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإخلاء طهران، وحاملات الطائرات والسفن الحربية المرافقة لها تتحرك في المياه الدولية، وتتأهب في انتظار إشارة قد تقترب لضرب إيران بشكل مكثف، ليست مجرد استعراض، فلا تنخدعوا بالضربات الإيرانية المشروعة وتصويرها كرادع ضد إسرائيل، وتغيير في قواعد الاشتباك، فهي مجرد فخ وقعت فيه طهران.

 

تقول بيانات نشرها موقع "مارين ترافيك" إن حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس نيميتز" تحركت من الفلبين، في طريقها نحو المحيط الهندي، ومنه إلى بحر العرب، لتنضم إلى حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسن" الموجودة حالياً في المنطقة، ما يعني أن الولايات المتحدة ستكون قد نشرت حاملتي طائرات في بحر العرب. 


فاصل معلوماتي:
- حاملة الطائرات "نيميتز" لا تعمل منفردة، بل ترافقها مجموعة قتالية كاملة، تعمل بالطاقة النووية مما يمنحها مدى عمل شبه غير محدود، وتستطيع حمل أكثر من 90 طائرة، بما في ذلك مقاتلات متعددة المهام القادرة على تنفيذ عمليات دفاع جوي إذا ما تعرضت هي أو الأهداف التي تحميها لتهديدات مباشرة، بالإضافة إلى عمليات الهجوم التي تشمل إطلاق صواريخ من على متنها، وكذلك غارات جوية بالمقاتلات المحمولة عليها. 

 

- لا تتحرك بمفردها، بل ضمن مجموعة قتالية تضم عادةً نحو 12 سفينة مرافقة، تؤدي مهامًا متنوعة تشمل الدفاع الجوي، وإطلاق الصواريخ، وتأمين الحماية والدعم الكامل للحاملة، بالإضافة إلى سفن إنزال برمائية وسفن دعم لوجستي تحمل مروحيات ومعدات غير قتالية.

 

نعود مرة أخرى: بالأمس فقط، تبدد لدي كل الأمل، حين علمت من أحد المتخصصين أن جميع الرادارات في المنطقة، وخاصة الإيرانية، غير قادرة على رصد الطائرات الإسرائيلية والأمريكية، ويمكن لهذه الطائرات اختراق المجال الجوي دون حتى أن تُكتشف، لأنها تحتوي على مكونات إسرائيلية تمت برمجتها مسبقًا لتجاوز أنظمة الرصد، مما يعزز قدراتها على التخفي. هذه المعلومة ليست جديدة لدى العديد من الخبراء العسكريين المتخصصين في الشؤون الاستراتيجية.

 

وينطبق الأمر نفسه على أي أسلحة تعتمد على تكنولوجيا أمريكية أو إسرائيلية، فلدى واشنطن أدوات ضغط تكنولوجية ولوجستية وحتى قانونية. فالتشريع الأمريكي المعروف بـ "ITAR"، الذي يُطبَّق خارج الولايات المتحدة على أي معدات عسكرية تحتوي على مكونات أمريكية، يمنح واشنطن سلطة حظر تصدير أو إعادة تصدير هذه الأسلحة وفرض عقوبات على من يستخدمها، على سبيل المثال، نقل طائرات "إف-16" إلى أوكرانيا من قبل دول مثل الدنمارك وهولندا يتطلب موافقة رسمية من الولايات المتحدة.

 

بالإضافة إلى ذلك، تتحكم واشنطن في إمدادات قطع الغيار، فأنظمة مثل "باتريوت" تصبح عديمة الفعالية دون صواريخها الخاصة، كما يمكن للولايات المتحدة تعطيل أو تقليل كفاءة الأسلحة المتطورة متى شاءت، بفضل أنظمة التحكم عن بُعد وتبادل البيانات، على سبيل المثال، تعتمد راجمات الصواريخ "هيمارس" على إحداثيات دقيقة يتم توفيرها عبر أنظمة أمريكية، ويمكن لواشنطن حرمان أي طرف من هذه البيانات إذا أرادت.

 

وبالتالي، فإن المعركة العسكرية محسومة لصالح ما يُسمى بـ "التحالف الجديد" قبل أن تبدأ، ليس تقليلًا من الشجاعة، ولكنها حقيقة يتجاهلها الكثيرون، وتذكروا قوة الجيش العراقي الذي كان يُعتبر "رابع أقوى جيش في العالم" مطلع الألفية، وما حدث له لاحقًا، وكذلك ما تواجهه روسيا الآن في أوكرانيا، التاريخ مليء بالدروس المشابهة.


وماذا عن القاهرة؟
كان الله في عون القيادة السياسية المصرية في هذه المرحلة الحرجة، لكن مصر تقرأ المشهد بطريقة مغايرة تمامًا، رغم إدراكها أنها ليست بمنأى عن هذا التحالف، كونها تفهم جيدًا لعبة التحالفات، ولا تثق تمامًا بأي طرف خارجي، فهي تعلم أنها وحيدة في ساحة المعركة، ولن يدافع عنها أحد سوى أبنائها.

 

وهنا نطرح السؤال الذي يتكرر: لماذا تنوع مصر مصادر تسليحها؟ سأدلل في تحليلي على منظومات الدفاع الجوي فقط، لأنها نموذج واضح لاستراتيجية مصر العسكرية.

 

منظومات الدفاع الجوي: لماذا التنوع؟.. بدايةً، لا تعمل أنظمة الدفاع الجوي بشكل منفرد، بل كشبكة متكاملة من أنظمة متعددة، لذا، فإن الحديث عن فعالية منظومات مثل "إس-300" أو "إس-400" الروسية، أو "باتريوت" الأمريكية، أو "KM-SAM" الكورية الجنوبية بشكل منعزل هو أمر غير واقعي، فلا يوجد نظام دفاع جوي واحد في العالم قادر على مواجهة هجوم جوي معقد بمفرده، خاصة إذا شمل طائرات شبحية (الجيل الخامس) أو صواريخ خفية التوقيع الراداري.

 

لكن هذا لا يعني أن أنظمة مثل "إس-300" و"إس-400" غير فعالة، بل هي تمتلك قدرات عالية في كشف واعتراض هذه الأهداف، بشرط أن تكون جزءًا من منظومة أوسع تشمل رادارات متطورة، أنظمة إنذار مبكر، وقواعد إطلاق صواريخ متناسقة.

 

وبالتالي، فإن نجاح أي دفاع جوي يعتمد على التنسيق الكامل بين جميع مكوناته، بدءًا من أنظمة المدى القصير وصولاً إلى بعيد المدى، مع دمجها في شبكة قيادة وسيطرة متقدمة تعتمد على أنظمة اتصالات ورصد دقيقة، قادرة على تتبع الأهداف المعادية حتى لو كانت مصممة لتجنب الرصد.

 

وتعد مصر من الدول القليلة عالميًا التي تمتلك شبكة دفاع جوي بهذا المستوى من التعقيد والتنوع، حيث تعتمد على مزيج من الأنظمة الروسية مثل "إس-300VM"، والأمريكية "باتريوت"، والفرنسية "أستر"، والصينية "HQ-9"، والألمانية "IRIS-T"، بالإضافة إلى أنظمة رادار محلية الصنع، كلها تعمل ضمن شبكة متكاملة تتيح تبادل المعلومات واتخاذ ردود فعل سريعة.

 

وخلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي (2014–الآن)، أضافت مصر أنظمة رادارية متطورة قادرة على كشف الطائرات الشبحية، مثل رادار "Protivnik-GE" الروسي (مدى 400 كم)، ورادار "Rezonans-NE" (مدى يزيد عن 600 كم ضد الصواريخ والطائرات الشبحية)، بالإضافة إلى أنظمة صاروخية متعددة الطبقات، منها منظومة "إس-300VM" (مدى 250+ كم)، و"IRIS-T" الألمانية (مدى 40 كم)، و"بوك M2E" و"تور M2E" للتعامل مع تهديدات متنوعة، بالإضافة إلى صواريخ محلية الصنع - مصر متطورة في صناعة الصواريخ- تعمل كل هذه الأنظمة بالتزامن مع وسائل الحرب الإلكترونية، مما يشكل درعًا دفاعيًا متعدد الطبقات.  

 

ووفقًا لتقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI)، انخفضت حصة الأسلحة الأمريكية في واردات مصر العسكرية من 75% في العقد الأول من القرن الحالي إلى نحو 23% في العقد الماضي، مع زيادة التعامل مع موردين متنوعين مثل روسيا، فرنسا، ألمانيا، والصين.


وهنا نعود للسؤال: لماذا كل هذا التسليح؟
 

في عالم يعاد تشكيله بتكنولوجيا التخفي، والتحالفات المؤقتة، والضربات المسبقة، لم تعد الجغرافيا وحدها تضمن البقاء، ولا السيادة قرارًا داخليًا فقط، بل أصبحت معتمدة على امتلاك أدوات المناورة والردع الذاتي، ولهذا، لم يكن تنويع مصادر التسليح المصري هدفًا تكتيكيًا، بل جزءً من بناء استقلال استراتيجي طويل الأمد، يُمكِّن الدولة من مواجهة أسوأ سيناريوهات الابتزاز أو العزلة.

 

المؤكد أن القيادة في القاهرة تُدرك أن زمن "التحالفات الآمنة" انتهى، وأن البديل الوحيد هو امتلاك قدرة متكاملة على المواجهة، تشمل شبكات الإنذار المبكر، وأنظمة القيادة والسيطرة، والحرب السيبرانية، وتعدد الطبقات الدفاعية، وبجانب هذا تؤمن القيادة السياسية أن الجاهزية المصرية ليست فقط في الكم والنوع، بل في الوعي بأن لحظة الفوضى الكبرى لا تنذر بقدومها، وأن السيادة في هذا العصر قد تُحسم في ثوان، بمن استعد، لا بمن استنجد.

 

وفي النهاية، لا تبدو المنطقة مقبلة على مجرد مناوشات عابرة، بل على إعادة صياغة كاملة لقواعد الاشتباك ومعادلات الردع، وبينما تنشغل العواصم الكبرى في لعبة استعراض القوى والتكنولوجيا، تُدرك القاهرة أن البقاء ليس للأقوى عتادًا فقط، بل للأكثر وعيًا بخريطة التحالفات، والأقدر على حماية قراره السيادي وسط عواصف عسكرية غير مسبوقة. 

 

وهكذا، لا يأتي التنوع العسكري المصري من فراغ، بل من قناعة راسخة أن الاستقلال الحقيقي لا يُقاس بالشعارات، بل بالجاهزية الكاملة لزمن قد تُحسم فيه السيادة في لحظة واحدة، ففي عالم تُعاد فيه خرائط السيطرة بأنامل تكنولوجية لا تُرى، لا مكان فيه للضعفاء ولا للتابعين أو المطمئنين إلى وعود الحماية… ومصر، وحدها، اختارت أن تكون مستعدة، لا مستهدفة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق