الشبح النووي يقترب: ماذا لو ضُرب ديمونة أو بوشهر؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشبح النووي يقترب: ماذا لو ضُرب ديمونة أو بوشهر؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 07:13 مساءً

مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، عادت المخاوف من كارثة نووية محتملة لتخيم على المشهد الإقليمي. فبعد الضربات الجوية الإسرائيلية التي طالت منشآت تخصيب ومراكز أبحاث نووية في إيران، وردّ طهران بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة استهدفت مواقع حيوية داخل إسرائيل، برز سيناريو استهداف مفاعل ديمونة أو بوشهر بوصفه أحد أخطر التحولات التي قد تفتح الباب أمام تسرّب إشعاعيّ عابر للحدود، في منطقة تعاني أصلاً من هشاشة بيئية وكثافة سكانية عالية.

في تقصٍّ خاصّ أجرته "النهار"، نرصد أبرز المخاطر التي قد تنجم عن هذا السيناريو الكارثي، مستندين إلى حوار موسّع مع الدكتور كريم الأدهم، الرئيس الأسبق لمركز الأمان النووي في مصر، وتحليل علميّ يستند إلى تقارير دولية ودراسات فنية تقيّم التأثيرات الصحية والبيئية لأيّ تسرّب إشعاعي محتمل، بالإضافة إلى استعراض الطبيعة الفيزيائية للمواد النووية، وأهمية موقع مفاعل ديمونة الغامض، ومدى قدرة الدول في الإقليم على الاستجابة للطوارئ.

ليس كلّ تسرّب كارثة
في مستهلّ حديثه، يُحذّر الدكتور كريم الأدهم من مغالطة شائعة يتداولها كثيرون في الإعلام والسياسة، مفادها أن كلّ ضربة لموقع نووي تعني كارثة إشعاعية. ويوضح أن منشآت تخصيب اليورانيوم، كمنشأتَي نطنز وفوردو، تحتوي عادةً على مواد كيميائية قابلة للتماسك في الهواء، مثل سادس فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهي مواد لا تُسبّب عادةً تسرّباً إشعاعياً واسع النطاق، إذ تميل إلى التصلب في موقع الحادث. وهذا لا يعني انتفاء الخطر، لكنّ تأثيره في الغالب يبقى موضعياً، ومحدوداً ضمن نطاق المنشأة.

 

وفي حال حدوث تسرّب في نطنز، يطال الضرر المباشر العاملين وسكّان المناطق القريبة، خاصةً في حال تفاعل فلوريد اليورانيوم (UF6) مع الرطوبة الجوية، وإنتاجه غاز فلوريد الهيدروجين السام. واستناداً إلى حادثة "توكاي-مورا" في اليابان عام 1999، التي وقعت في منشأة مشابهة لتخصيب اليورانيوم، اتّخذت السلطات اليابانية حينها إجراءات إخلاء فورية ضمن نطاق 350 متراً، مع توصية لأكثر من 300 ألف شخص في دائرةٍ قطرها 10 كيلومترات بالبقاء في منازلهم تحسّباً لانتشار التلوث.

 

وتبرز أهمية هذا السيناريو في ضوء ما أكّده المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل ماريانو غروسي، خلال الجلسة الطارئة للوكالة في 16 حزيران/يونيو، من أن منشأة نطنز شهدت تلوثًا كيميائيًا وإشعاعياً داخلياً عقب الهجوم الإسرائيلي، رغم بقاء مستويات الإشعاع الخارجية طبيعية. وأضاف أن هذا النوع من المخاطر يمكن احتواؤه فقط عبر تدابير حماية صارمة، محذّرًا من أن التصعيد العسكري الحالي يزيد من احتمالات "تسرّب إشعاعي بعواقب خطيرة على السكان والبيئة"، ويعرقل أي تقدّم ديبلوماسي يهدف إلى منع حصول إيران على سلاح نووي.

 

وبالمقارنة، يبقى نطاق التسرّب في نطنز موضعياً نسبياً ولا يُتوقّع أن يمتدّ لمسافات بعيدة. غير أن السيناريو الأكثر فتكاً يتجلّى في استهداف مفاعلات نووية نشطة، كمفاعل بوشهر الإيراني أو ديمونة الإسرائيلي، واللذين يحتويان على وقود نووي في حالة انشطار، ونواتج مشعّة ذات عمر إشعاعي طويل.

 

فالمفاعل النووي النشط يحتوي على وقود في طور الانشطار، وأي استهداف قد يؤدي إلى انفلات حراري وانبعاث نظائر مشعة بعمر إشعاعي طويل، قادرة على الانتشار لمسافات إقليمية عبر الهواء والمياه، ما يجعله سيناريو أكثر خطورة وتعقيداً من حيث التداعيات الصحية والبيئية، كما حصل في كارثتَي تشيرنوبل وفوكوشيما.

 

ويزداد القلق تحديداً من مفاعل ديمونة، بسبب ما كشفته وثائق استخباراتية أميركية من أن هذا المفاعل يضم منشآت لإعادة المعالجة لا تخضع لأيّ إشراف دولي، وتُستخدم على الأرجح لإنتاج البلوتونيوم العسكري.

 

مفاعل ديمونة في صحراء النقب (أرشيفية)

مفاعل ديمونة في صحراء النقب (أرشيفية)

خرائط الإشعاع الخفي
وراء كل كارثة نووية لا يختبئ انفجار فقط، بل سلسلة من النظائر المشعة ذات خصائص مختلفة في الفتك والانتشار، يبدأ أثرها في لحظة، لكنه قد يمتد لأجيال. ويُعدّ اليود-131 من أخطر النظائر المشعة التي تُطلق عقب حوادث المفاعلات، نظرًا إلى خصائصه البيولوجية وسرعة انتشاره. 

يصدر هذا النظير إشعاعًا من نوع بيتا وغاما، ويتمتع بعمر نصف قصير يقارب الثمانية أيام، لكنه ينتقل سريعاً في الهواء على شكل سحابة إشعاعية قد تمتدّ لمئات الكيلومترات، ويترسّب على التربة والنباتات قبل أن يدخل السلسلة الغذائية. 

يتراكم اليود-131 في الغدة الدرقية، خصوصاً لدى الأطفال، مما يرفع خطر الإصابة بسرطان الغدّة، كما أثبتت تقارير كارثة تشيرنوبل. وتوصي بروتوكولات الطوارئ باستخدام أقراص يوديد البوتاسيوم للحدّ من امتصاصه.

أما السيزيوم-137، فيشكّل تهديداً طويل الأمد نتيجة نصف عمره الممتد لنحو 30 سنة. يصدر إشعاعات بيتا وغاما، وينتشر عبر الهواء والتربة والمياه، ليستقر في أنسجة الجسم الرخوة والعضلات عند ابتلاعه. كذلك يُصنّف ضمن الملوثات الرئيسية بعد تشيرنوبل، حيث يمكن أن يبقى نشطاً لقرون، مما يستدعي إخلاءً طويل الأمد للمناطق الملوّثة أو عزل التربة بالكامل.

في المقابل، يُعتبر البلوتونيوم-239 الأخطر على المدى البعيد، إذ يصدر إشعاع ألفا شديد السمية إذا دخل الجسم. عمره النصفي يقارب 24  ألف سنة، ويستقرّ في الرئتين والكبد والعظام مسبباً سرطانات مميتة ولو بجرعات صغيرة. ورغم أن إشعاعه لا يخترق الجلد، فإن استنشاق جزيئاته الدقيقة يشكل خطراً جسيماً، مما يفرض عزل المناطق الملوثة بالكامل واستخدام معدات وقاية متخصصة.

وفي تعقيبه على طبيعة الإشعاعات النووية، ميّز  الرئيس الأسبق لمركز الأمان النووي في مصر بين الأنواع الثلاثة الأكثر شيوعاً: ألفا، بيتا، وجاما، مشيرًا إلى أن" الخطورة لا تكمن في نوع الإشعاع وحده، بل في طريقة التعرض له. تعدّ أشعة ألفا غير مؤذية خارجياً، إذ يمكن إيقافها بورقة عادية، لكنها تصبح الأكثر فتكاً عند دخولها الجسم عبر التنفس أو البلع، حيث تودع طاقتها في داخل الخلايا مسببةً تلفاً خطيراً". 

يواصل حديثه: "أما أشعة بيتا فقد تسبّب حروقاً سطحية عند ملامستها الجلد، في حين تمثل أشعة جاما الخطر الأكبر من حيث الاختراق الخارجي، لقدرتها على عبور الجدران والأنسجة والوصول إلى الأعضاء الداخلية. ومن هذا المنطلق"، يرى الأدهم أن "ترتيب الخطورة يختلف تبعاً لنوع التعرض: ألفا تعدّ الأخطر داخلياً، وجاما أخطر خارجياً، بينما بيتا تقع في موقع متوسط".

هذا التمايز بين خصائص النظائر وأنواع الإشعاع يظهر مدى تعقيد المخاطر المرتبطة بأي حادث نووي، ويسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى خطط استجابة دقيقة تراعي اختلاف السيناريوهات، سواء من حيث سرعة الانتقال أو من حيث مدى السميّة أو طول فترة التلوث.

وتؤكد توصيات المنظمات الدولية على أن أيّ تسرّب إشعاعي من مفاعل نووي، حتى لو كان محدوداً، يشكل خطراً مباشراً ومستداماً على الصحة العامة والبيئة. ووفق المعايير الدولية، فإن الحدّ الآمن للتعرض السنوي لا يجب أن يتجاوز الـ 1 ملي سيفرت، وهي وحدة تقيس الأثر البيولوجي للإشعاع على جسم الإنسان. للمقارنة، يتعرض الفرد طبيعياً إلى نحو 2–3 ملي سيفرت سنوياً من الإشعاع البيئي.

أما التعرض لجرعة قدرها 1 سيفرت (1000 ملي سيفرت) خلال وقت قصير، فيعدّ خطراً صحياً جسيماً قد يؤدي إلى أعراض حادة، وربما إلى الوفاة عند تجاوز الـ 4 أو الـ 5 سيفرت، حيث تظهر أعراض مرض الإشعاع.

الجرعات العالية جداً (بين 1 سيفرت و 10 سيفرت) التي تُتلقى في فترة قصيرة تقتل أعداداً كبيرة من الخلايا، مما يضعف وظيفة الأعضاء والأنظمة الحيوية، ويؤدي إلى آثار صحية حادة مثل الغثيان، والقيء، وحروق الجلد والأنسجة العميقة، وضعف الجهاز المناعي.

 

اقرأ أيضاً: خطر وقوع أخطاء استراتيجية يتزايد... ضربات إسرائيل تُقلّص الدائرة المقربة من خامنئي

 

محاكاة واقعية
يعد الهواء هو الوسيط الأسرع والأكثر خطورة في نقل المواد المشعة، يليه الماء ثم التربة، على ما يقول الدكتور كريم الأدهم مضيفاً: "إذا فجر مفاعل نشط، فإن الرياح تحدد إلى أين تتجه السحابة المشعة، ودائرة الطوارئ تتجاوز عادة الـ 30 كيلومتراً، بينما تمتدّ مراقبة الأغذية والمياه حتى مسافة 300 كيلومتر".

ويشير إلى أنه "عند حدوث إصابة مفاعل ديمونة، تعدّ الأردن الدولة الأكثر عرضة للتأثر، بحكم ملاصقتها للموقع وامتداد حدودها الشرقية والجنوبية الشرقية مع المفاعل، كما أن فلسطين (الضفة الغربية) أيضاً معرّضة بشدّة، خاصة مناطق الخليل والقدس القريبتين نسبياً من ديمونة".

ويلفت إلى "مصر (شمالي سيناء) قد تتأثر إن اتجهت السحابة غرباً لمسافة تزيد عن 75 كيلومتراً، وهو احتمال قائم لكنه أقلّ ترجيحاً. سوريا ولبنان بدورهما قد يشهدان آثاراً إذا حملت الرياح الشمالية أو الجنوبية التلوث باتجاههما، مع ترجيح تأثر المناطق الحدودية أولاً". 

ووفق تصريح لرئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، الدكتور بلال نصولي، فإن الموادّ المشعة قد تمر عبر الأردن وسوريا قبل أن تصل إلى لبنان، مما يجعل التأثير الأشد احتمالاً في الأردن وأجزاء من سوريا. 

وفقاً لذلك، تستعد دول الجوار؛ فلبنان، على سبيل المثال، فعّل أنظمة إنذار مبكر، وأعدّ خططاً لإجلاء المناطق الحدودية الجنوبية، ووزّع الأدوية الوقائية على السكان في حال رصد أيّ نشاط إشعاعي غير طبيعي.

في المقابل، يعد استهداف مفاعل بوشهر الإيراني تهديداً بالغ الخطورة، نظراً لطبيعته المدنية النشطة واحتوائه على وقود نووي في طور الانشطار، إلى جانب موقعه المكشوف والمطل مباشرة على الخليج العربي. 

ويوضح الأدهم بأن "المفاعلات النشطة تنتج نواتج انشطارية عالية الإشعاع، بعضها غازي، وبعضها الآخر قابل للتبخر، مما يشكل مصدر خطر كبير عند حدوث تسرب، خصوصاً إذا تضررت أنظمة التبريد أو أحواض تخزين الوقود المستنفد. ويحذر من أن تسرب مياه التبريد المشعة إلى مياه الخليج قد يسبب تلوثاً واسع النطاق".

وتتفاقم خطورة هذا السيناريو بالنظر إلى الطبيعة المغلقة والضحلة للخليج العربي، قد يستمر التلوث البحري لسنوات، بينما تمتلك محطات التحلية مخزوناً مائياً محدوداً لا يكفي لأكثر من بضعة أيام. ورغم أن بعض المحطات قادرة على تصفية السيزيوم، فإن أي تسرب مباشر سيؤدي على الأرجح إلى وقف التشغيل. ويعد مفاعل بوشهر أكثر هشاشة مقارنةً بـ ديمونة المحصن، مما يجعله هدفاً أكثر حساسية وتأثيراً من حيث العواقب البيئية والإقليمية.

إجراءات الوقاية
حول مسؤولية الأفراد في مواجهة التلوث الإشعاعي، أشار الأدهم إلى أن "الخطر النووي يتميز بخفائه التام، إذ لا يرى ولا يشم ولا يشعر به، مما يجعل من المستحيل على المواطنين العاديين رصده من دون أجهزة متخصصة". 

وشدد على أن "التعامل مع هذا النوع من التهديدات يجب أن يكون مسؤولية الجهات الرسمية حصراً، من خلال توفير أجهزة مراقبة تعمل على مدار الساعة في محيط المنشآت النووية.  وفي حال رصد تلوث فعلي، فإن هذه الجهات تتولى إصدار تعليمات دقيقة للسكان. فالأمان النووي، لا يمكن أن يترك لاجتهادات فردية، بل يتطلب نظام إنذار واستجابة مؤسسية متكاملة".

وتتماهى هذه الرؤية مع ما تؤكد عليه المنظمات الدولية المتخصصة، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية، التي تشدد على أن التعامل مع حوادث التسرب الإشعاعي لا بد أن يتم ضمن استجابة مؤسسية منسقة.

وتنص توصياتها على اتخاذ تدابير فورية تشمل الاحتماء في داخل المباني، وإغلاق النوافذ وأنظمة التهوية لمنع استنشاق الجسيمات المشعة، أو تنفيذ إخلاء منظّم إلى مناطق آمنة، إذا تجاوزت مستويات الإشعاع الحدود المقبولة. 

كذلك تدعو المنظمات الدولية إلى الامتناع عن استهلاك الغذاء والماء من مصادر يشتبه في تلوّثها، إلى حين التأكّد من سلامتها عبر فحوص دقيقة. وتعدّ أنظمة الرصد المستمر للإشعاع، والتواصل الرسمي السريع مع الجمهور، من الركائز الأساسية لتقليل الأثر الصحي والبيئي لأيّ حادث نووي محتمل.

   
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق