من غزة إلى طهران: كيف فقدت "حماس" زمام المبادرة؟ - تكنو بلس

nni 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من غزة إلى طهران: كيف فقدت "حماس" زمام المبادرة؟ - تكنو بلس, اليوم الخميس 19 يونيو 2025 05:10 صباحاً

كتب الصحفي أسامة قدوس

في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة، من التصعيد المباشر بين إسرائيل وإيران، إلى التبدلات العميقة في المزاج العربي الرسمي والشعبي، تبدو حركة المقاومة الإسلامية "حماس" كأنها تسير على حافة العزلة، بعد أن تحولت من فاعل مقاوم إلى ما يشبه "الميليشيا الحاكمة" التي فقدت بوصلة المشروع الوطني، وانزلقت إلى حسابات إقليمية ضيقة لا تخدم سوى استمرار المأساة.

منذ انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية عام 2007، وتفكك القرار الفلسطيني بين اضطرابات داخلية وإملاءات خارجية، لم تعد الأولويات تُحدَّد وفق مشروع وطني موحّد، بل وفق منطق "المموِّل وذراعه"، حيث يُدار الواقع الفلسطيني من خارج الأرض التي يُفترض أن تُحرَّر. وتحولت "المقاومة" إلى سردية تُوظَّف سياسياً دون أن تحمل مضموناً سياسياً فعلياً، بل إلى مشروع عسكري بلا أفق، تقوده نخبة أيديولوجية تتغذى على خطاب ديني مشحون، وتُدير غزة كما تُدار الجبهات: من دون خريطة طريق، ولا مخرج واضح من الكارثة.

منذ السابع من أكتوبر، بدا المشهد مكرورًا حد الابتذال: عملية مفاجئة، صدمة، قصف، دماء، شعارات، ثم دمار يعمّ المكان، وبيانات تتحدث عن "صمود تاريخي" لا تُجسّده سوى الركام. وبينما كانت إسرائيل تحوّل غزة إلى ساحة اختبار استراتيجي، كانت "حماس" تُعيد تكرار خطاب النصر الرمزي، وكأن كل ما حدث لا يحتاج إلى مراجعة، بل إلى مزيد من التصعيد. لكن ما حدث لم يكن نصرًا، بل انهيارًا كاملًا أُعيد تأطيره كلحظة مجد.

ومع تراجع حضور "حماس" الميداني، وتفكك بنيتها العسكرية بفعل الضربات الإسرائيلية المركزة، لم يتبقَ لها سوى أسرى الحرب وبعض العمليات الفردية غير المنظمة كورقة ضغط أخيرة، في ظل انعدام أي مشروع سياسي بديل أو قابل للحياة. هذا الانكشاف لا يعبّر فقط عن تراجع في القوة، بل عن غياب تام للتخطيط، واستمرار في نهج عبثي يدفع المدنيين ثمناً لخيارات لا يشاركون في صياغتها.

في المقابل تبدو السلطة الفلسطينية -على نقائصها- التي تسعى إسرائيل لتهميش أي دور لها باعتبارها حاملة لخطاب وطني حقيقي نوازعه فلسطينية قبل كل شيء وليست إسلاموية او إيرانية محقة في اختيار المقاومة الشعبية السلمية والضغط الديبلوماسي التي أضحت حماس بدورها تدعو لمضاعفته لوقف الكارثة في غزة.

الشارع العربي الذي طالما هتف للمقاومة، بدأ يعيد حساباته أمام مشاهد الفقد المتكررة. تشير استطلاعات الرأي في عدد من الدول إلى تراجع لافت في التأييد الشعبي لـ"حماس"، مقابل تنامي الدعوات للحلول السياسية. يقول ناشط فلسطيني من رام الله: "نريد سياسة تعيد لنا حقوقنا، لا صواريخ تجلب علينا الدمار. ما يجري ليس مقاومة، بل تهور بلا أفق."

حتى على المستوى الرسمي، باتت الانتقادات تُهمَس أحيانًا وتُعلَن أحيانًا أخرى. حيث نقلت صحف أمريكية عن مسؤول عربي بارز: "حماس تتحرك وفق مصالحها التنظيمية المرتبطة بإيران، لا وفق مصلحة الشعب الفلسطيني. لقد أصبحت عبئًا على المنطقة." من القاهرة إلى الرياض، مرورًا بعواصم الخليج والمغرب العربي، لم تعد "حماس" تحظى بذات الغطاء الرمزي أو السياسي.

مصر، التي لطالما لعبت دور الوسيط، أبدت انزعاجها من تحركات الحركة غير المنسقة، والتي تراها معرقلة للمسار التفاوضي. يقول مصدر مصري: "لا يمكن دعم من يختار منطق النار على منطق العقل والمفاوضات." في السعودية أيضًا، تتصاعد الانتقادات، حيث لم تعد "حماس" تُنظر إليها كجزء من المشروع الفلسطيني، بل كأداة ضمن مشروع إقليمي موازٍ.

لكن المأزق الأعمق لا يكمن فقط في الموقف العربي، بل في خطاب الحركة نفسها: مشروع يفتقر إلى الحد الأدنى من التفكير السياسي الواقعي، ويتعامل مع الفلسطينيين كوقود لمعركة خلاصية لا تنتهي. فغزة ليست راية، بل مدينة حقيقية يسكنها بشر يحتاجون إلى دواء وماء وكهرباء، لا إلى صواريخ تُطلَق من أحيائهم ليُقصفوا بها من جديد.

الخلل في بنية "حماس" الفكرية قبل أن يكون في خياراتها العسكرية. فالمشروع الذي يتغذى على فكرة "التمكين الإلهي" و"الفتح العسكري" لم يعد قابلًا للصرف في عالم السياسة المعاصر. وإذا كان التحرير هدفًا، فإن تحقيقه لا يتم عبر التضحية المستمرة بأجيال فلسطينية تحت شعارات غير قابلة للمساءلة، بل عبر بناء مشروع سياسي قابل للبقاء، ويؤمن للناس الحد الأدنى من الحياة والكرامة.

اليوم، وفي ظل هذا التآكل في الدعم الشعبي والرسمي، تتبدى "حماس" كحركة تواجه مأزقًا وجوديًا. لم تعد قادرة على التحرير، ولا على الحكم، ولا على توفير الحماية لشعبها. وإن لم تبدأ مراجعة جذرية لخطابها، ومنهجها، وأدواتها، فإنها لن تكون سوى صورة أخرى من صور الانقسام الفلسطيني، وصوتًا ميتًا في سردية لم تعد تقنع أحدًا.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : من غزة إلى طهران: كيف فقدت "حماس" زمام المبادرة؟ - تكنو بلس, اليوم الخميس 19 يونيو 2025 05:10 صباحاً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق