نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شيمون بيريز وحروب إسرائيل: بين الرّدع والسّلام - تكنو بلس, اليوم الجمعة 20 يونيو 2025 06:25 صباحاً
احتلّ شيمون بيريز دائماً موقع "المهندس" خلف الكواليس، فهو رجل لم يحمل البندقية في الميدان، لكنه ساهم في صناعة السلاح والعقيدة الأمنية، وأدار مناصب عديدة من قبل تأسيس الدولة وحتى مفاوضات أوسلو. في مذكّراته وكتبه، يروي بيريز كيف رأى الحروب الكبرى التي خاضتها إسرائيل لا كمجرد معارك بل مراحل تأسيس وتحوّل.
في حرب 1948، كان بيريز شاباً يعمل في الظلّ، مكلّفاً من ديفيد بن غوريون تأمين السلاح بصفقات سريّة، في ظل حظر دولي خانق. واعتبر أن إسرائيل كانت تقاتل من أجل الولادة، فلم يكن لديها دولة بعد، لكنها كانت تبني جيشاً، وتخلق شرعية بالتضحية. ورأى تلك الحرب محطة وجوديّة، لم تكن إسرائيل تملك فيها خيارات، بل إرادة البقاء بأي ثمن فحسب.
عندما اندلع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، أدى بيريز دوراً محورياً في التحالف السريّ الذي نسّقته إسرائيل مع فرنسا وبريطانيا. يصف تلك المرحلة في مذكراته بأنها "لحظة خروج إسرائيل من الهامش إلى الفعل"، معتبراً أن إسرائيل خاضت الحرب كي تُظهر أنها لاعب أساسي في الشرق الأوسط، وليست مجرد مشروع صغير في زاوية الخريطة. خلف هذا المشهد العسكري، بدأ بيريز ببناء المشروع النووي الإسرائيلي، مستفيداً من دعم فرنسي مكثّف، في ما اعتبره "معادلة الردع المستقبلية" التي ستحفظ لإسرائيل موقعها الإقليمي في العقود التالية.
في حرب 1967، عبّر بيريز عن إعجابه بالقدرة العسكرية الإسرائيلية، لكنه حذّر في الوقت نفسه من النتائج السياسية للحرب. فبينما كان الرأي العام الإسرائيلي يعيش نشوة الانتصار بعد احتلال الضفة وغزة والجولان وسيناء وشبعا، كان بيريز يطرح أسئلة استراتيجية أعمق عن ماذا ستفعل إسرائيل بكل هذه الأراضي؟ فالانتصار في الحرب لا يضمن السلام، بل يفرض مسؤولية. أما حرب 6 أكتوبر 1973، التي فاجأت إسرائيل، فشكّلت نقطة تحوّل في تفكير بيريز الأمني. رغم أنه لم يكن في منصب وزاري عند اندلاع الحرب، فقد عاد سريعاً إلى المشهد السياسي ليُعيد تقييم العقيدة الأمنية الإسرائيلية. واعتبر أن إسرائيل لا تستطيع أن تبقى آمنة بالردع وحده. فكان من أوائل السياسيين الذين رأوا أن هذه الحرب يجب أن تقود إلى تسوية دائمة، لا مجرد هدنة عسكرية جديدة.
بمرور الوقت، أصبح بيريز أشد اقتناعاً بأن مفهوم "القوة بصفتها غاية" لم يعد صالحاً، وأن الردع لا يكفي. في كتابه “No Room for Small Dreams”، قدّم رؤية مغايرة لطبيعة أمن إسرائيل تقوم على أن السلام ليس ضعفاً، بل استراتيجية بعيدة المدى. كتب: "قد نربح كل الحروب، لكننا نخسر كل شيء إذا لم نربح السلام"، وهو من فاوض في أوسلو، ودعم إقامة الدولة الفلسطينية، ودعا إلى شراكة إقليمية تقوم على التكنولوجيا والاقتصاد، لا على الجدران والمواجهات الدائمة.
وفي سنواته الأخيرة، أبدى بيريز قلقاً متزايداً من التصعيد مع إيران. ورغم دعوته إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي، فقد رفض منطق الضربة العسكرية المباشرة. بين عامي 2010 و2012، أوشكت إسرائيل أن تشنّ هجوماً عسكرياً على إيران لمنعها من تطوير برنامجها النووي. قاد هذا التوجّه كلاً من بنيامين نتنياهو وإيهود باراك، لكن بيريز الذي كان رئيساً لإسرائيل آنذاك وقف ضد هذا الخيار إلى جانب قادة في الأركان والاستخبارات الإسرائيلية، واعتبر أن إسرائيل قادرة على بناء منظومة أمن ذكية لا تتآكل بالصدام الدائم.
لو كان بيريز حياً اليوم، فكيف سيكون موقفه بعدما بلغت إيران المراحل النهائية في إنتاج القنبلة النووية؟ هل كان ليدعم خيار نتنياهو في خوض حرب مباشرة مع إيران؟ أم يعارضه؟
اعتبر بيريز أن كل حرب خيضت كانت لمصلحة إسرائيل، لكن في كل حرب أيضاً دفعت ثمناً من روحها وصورتها. لم يكن بيريز ضد الحروب، بل كان يدرك أنها ضرورة في لحظات محدّدة، لكنها كارثة إن أصبحت عادة وقاعدة أساسية لتحقيق الأهداف. وبينما عاش لحظات النشوء والصعود، ظلّ حتى النهاية مؤمناً بأن بقاء إسرائيل لا يُبنى على القوّة وحدها، بل على قدرتها على صناعة السلام أيضاً.
0 تعليق