اختبار تركيا الصعب: موازنة حساسة بين الحلفاء والشارع والمصالح - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اختبار تركيا الصعب: موازنة حساسة بين الحلفاء والشارع والمصالح - تكنو بلس, اليوم الجمعة 20 يونيو 2025 08:34 صباحاً

مع تحوّل التصعيد، الذي بدأ بالضربات الإسرائيلية على إيران في 13 حزيران/يونيو ، إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، تزايدت التساؤلات والمخاوف داخل تركيا بشأن تداعيات هذه المواجهة التي قد تنزلق إلى حرب عسكرية واستراتيجية شاملة.

 

ولم تعد نتائج هذا السيناريو تقتصر على الحدود الطويلة بين البلدين، بل تمتد إلى جغرافيا أوسع تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية، لتضع أنقرة أمام تحديات معقدة على مستويات السياسة والأمن والاقتصاد.

تركيا والسياسة المتوازنة

بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي وعلاقاتها الدولية المتعددة، تجد تركيا نفسها اليوم على مفترق طرق معقد، وسط مصالح متعارضة. فمن جهة، تسعى إلى الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الغرب، خصوصاً ضمن إطار عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومن جهة أخرى، ترتبط بعلاقات تقليدية وجغرافية مع إيران، توصف بأنها تنافسية دون أن ترقى إلى مستوى العداء الصريح.

 

على المستوى الرسمي، تتبنى أنقرة سياسة عدم الانحياز الصريح لأي طرف، مع إبراز خطاب يركّز على الاستقرار الإقليمي ويدعو إلى التهدئة والحوار والوساطة. وتتميّز تصريحات الرئاسة ووزارة الخارجية التركية بالتوازن، إذ تصف الصراع بأنه تهديد للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتؤكد على احترام سيادة الدول ورفض التصعيد. وبينما توجه انتقادات لفظية حادة إلى تل أبيب، فإنها تتجنّب توجيه انتقادات مباشرة للولايات المتحدة.

 

إلا أن استمرار هذا الخطاب المتوازن مهدَّد، مع تصاعد الرغبة الغربية، خصوصاً الأميركية والبريطانية، في قطف ثمار الضربة الإسرائيلية الأولى الناجحة، التي أظهرت مؤشرات على ضعف في بنية النظام الإيراني.

 

وتصطدم الضغوط الغربية على أنقرة، خصوصاً من شركائها في "الناتو"، بموقف داخلي قوي معارض لإسرائيل، ومؤيد للقضية الفلسطينية، في ظل تأثيرات الحرب على غزة على الرأي العام التركي، الذي يطالب حكومته بوقف إمدادات الطاقة الأذربيجانية التي تمر عبر ميناء جيهان باتجاه إسرائيل.

 

كذلك، تشكّل العلاقات الاقتصادية وملف الطاقة مع إيران عنصراً حيوياً في استراتيجية أنقرة، إذ تُعد تركيا من أهم محطات إيران للالتفاف على العقوبات الغربية طويلة الأمد على نظامها المصرفي، فضلاً عن كون إيران من أبرز مورّدي الطاقة لتركيا. وهو ما يجعل من الصعب على أنقرة تبني مواقف عدائية علنية تجاه طهران.

 

علما تركيا والناتو.

علما تركيا والناتو.

 

تهديدات أمنية على الحدود التركية – الإيرانية

يُعدّ الجانب الأمني من أكثر الملفات حساسية بالنسبة لتركيا، إذ تضعها جغرافيا الحرب ضمن نطاق التهديد المباشر. وتخشى أنقرة من احتمال تصعيد الهجمات من قبل الميليشيات المدعومة من إيران، ما قد يؤدي إلى تعقيد الأوضاع الأمنية ودفع تركيا إلى التورّط لحماية مصالحها، أو دعم حلفائها، كما في حالة الحكومة السورية الحالية.

 

تمتد الحدود التركية – الإيرانية لأكثر من 500 كيلومتر، وتتوزع فيها ثلاثة معابر رئيسية في ولايات آغري، وان، وهكاري، وهي مناطق تخضع لمراقبة أمنية مشددة. وحتى اللحظة، لم تُسجَّل موجات نزوح جماعية من إيران، بل تُرصد تحركات في الاتجاه المعاكس، في ظل محاولات العودة إلى إيران بعد إغلاق مجالها الجوي. غير أن تفاقم النزاع قد يؤدي إلى موجات لجوء جديدة، تضغط على البنية الأمنية واللوجستية في هذه المناطق.

 

ويحذر محللون أتراك من احتمال تحوّل مناطق الأذريين في شمال غرب إيران (جنوب أذربيجان) إلى ساحات نزاع، بسبب تصاعد مطالب سكانها بحقوق ثقافية وسياسية، في ظل تراجع قبضة النظام الإيراني. وهو سيناريو قد يؤدي إلى توترات داخلية أو تمرّدات، تُعقّد أمن الحدود وتُهدّد استقرار المنطقة.
استجابةً لهذه التهديدات، رفعت أنقرة مستوى الجاهزية الأمنية على الحدود الشرقية، مع تكثيف عمليات التفتيش والمراقبة، وتعزيز التعاون الاستخباراتي. كما بات ملف الهجرة يُدار بوصفه قضية استراتيجية، تُدمج فيها الحسابات الأمنية والسياسية، ولا تُختزل في بعدها الإنساني.

 

ويُضاف إلى ذلك تراجع دور تركيا كوسيط في الأزمة الحالية بين إيران وإسرائيل، مقارنة بنجاحاتها السابقة في وساطات إقليمية. ويُعزى هذا التراجع إلى عدة أسباب، منها لهجة الخطاب التركي الحادة تجاه إسرائيل، والعلاقة الوثيقة مع حركة "حماس"، وقطع قنوات الاتصال الرسمية مع تل أبيب. كل ذلك جعل أنقرة في موقع المراقب أكثر من كونها طرفاً فاعلاً، ما قلّص قدرتها على التأثير في مسار الأزمة أو تقليص تداعياتها الأمنية.

أزمة الطاقة وسط تصاعد التوترات الإقليمية

لا تقتصر تداعيات الصراع على الأبعاد السياسية والأمنية، بل تمتد أيضاً إلى الاقتصاد التركي، الذي يعاني أساساً من تحديات داخلية مزمنة.

 

تُشكّل إيران مورداً رئيسياً للطاقة بالنسبة لتركيا، إذ توفّر ما بين 16 إلى 20% من حاجاتها من الغاز الطبيعي، خصوصاً في فصل الشتاء. وأي انقطاع أو تعطيل في الإمدادات، نتيجة الحرب أو الضربات الإسرائيلية على منشآت الطاقة الإيرانية، سيهدد مباشرة أمن تركيا الطاقوي، وقد يؤدي إلى انقطاعات في الكهرباء، وارتفاع فواتير الطاقة، وانعكاسات سلبية على الإنتاج الصناعي.
كذلك، شهدت أسعار النفط العالمية تقلّبات حادة منذ اندلاع الحرب، إذ ارتفعت إلى نحو 75 دولاراً للبرميل بعد فترة من التراجع. وهو ما يزيد كلفة واردات الطاقة على تركيا، ويؤثر على عجز الحساب الجاري، وينعكس على سعر صرف الليرة التركية، ما يفاقم معدلات التضخم، ويضغط على القدرة الشرائية للمواطنين، ويزيد من هشاشة الاستقرار الداخلي.

 

تعيش تركيا اليوم لحظة دقيقة في قلب صراع إقليمي خطير بين إيران وإسرائيل، يفرض عليها موازنة معقّدة بين مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية. ورغم أن سياساتها تبدو حذرة ومتوازنة في الظاهر، فإنها تواجه اختبارات كبرى في ظل تصاعد الضغوط الغربية، والمخاوف الأمنية على الحدود، والتحديات الاقتصادية الداخلية المتفاقمة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق