اعتقال وسيم الأسد: لحظة أمنية أم مؤشر لتحول بنيوي؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اعتقال وسيم الأسد: لحظة أمنية أم مؤشر لتحول بنيوي؟ - تكنو بلس, اليوم الأحد 22 يونيو 2025 10:50 صباحاً

في تطور لافت في الساحة السورية، اعتقلت السلطات الأمنية وسيم الأسد، ابن عم بشار الأسد، في عملية أمنية جرت في منطقة تلكلخ القريبة من الحدود اللبنانية، وهي منطقة حيوية لطالما ازدهرت فيها شبكات تهريب المخدرات بين البلدين سابقا، بالإضافة لأن تواجده فيها يُعزز فرضية تخطيطه للهروب خارج سوريا، وهذه استنتاجات أولية. وعلى الرغم من أن الحادثة أثارت اهتمامًا شعبيًا وإعلاميًا واسعًا؛ إلا أن قراءتها تتطلب فهماً أعمق لبنية المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا بعد سقوط النظام، وحدود الصراع مع تركة الفساد والعنف التي خلفها النظام في سوريا.

 

وسيم الأسد لم يكن مجرد فرد نافذ ضمن العائلة الحاكمة؛ بل كان جزءًا من منظومة مترابطة من المصالح جمعت بين النفوذ العسكري والنشاط الاقتصادي غير المشروع بشبكات التهريب، ولا سيما تجارة الكبتاغون. وقد وثّقت عدة تقارير دولية، صلات تربطه بعمليات تهريب عابرة للحدود امتدت لدول الجوار السوري نحو الموانئ الأوروبية والشواطئ الخليجية. إلا أن اعتقاله لا يمكن اختزاله كضربة قاصمة لأحد رموز الجريمة المنظمة فحسب؛ بل هو أيضًا مؤشر على تحولات جارية –أو على الأقل محاولات مستمرة– داخل بنية الدولة السورية في مرحلة ما بعد الأسد.

 

من هذا المنظور، تبرز دلالتان رئيسيتان للحدث الأخير؛ أولاهما داخلية ترتبط بمحاولات الحكومة السورية الجادة لتفكيك شبكات الجريمة المنظمة ذات النفوذ الكبير خلال سنوات الصراع، والتي كانت تعمل تحت مظلة وتوجيه النظام السابق، كما أفرزت خلايا متورطين عنقودية الطابع، ومتعددة الأوجه والأدوار، فضلًا عن تقاطعاتها الإقليمية، والدلالة الثانية خارجية ذات صلة بمساعي السلطة الجديدة لإعادة تموضعها إقليميًا، لا سيما من خلال إظهار الجدية في مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وطمأنة دول الجوار إلى استمرارها في التحرك الإيجابي للتصدي لهذه القضية المقلقة للأمن الإقليمي.

 

ومع ذلك، فلا يمكن فصل اعتقال وسيم الأسد عن السياق الأمني الأوسع الذي يشهد تشكل بؤر مقاومِة مضادة للحكومة الجديدة في بعض مناطق الساحل السوري، حيث تتحصن فلول النظام القديم في الجبال والمناطق الوعرة، وتعمل خارج إطار القانون.

 

هذه الفلول، التي تضم عناصر سابقة من الفرقة الرابعة وغيرها من الميليشيات المرتبطة بها، تسعى إلى تقويض الاستقرار المحلي ورفض الترتيبات الأمنية الجديدة، مما يجعل من عملية الاعتقال رسالة مواجهة مباشرة لهذه الفلول؛ حيث يبدو بشكل واضح أن السلطة الجديدة لا تواجه فقط إرثًا من الفساد المؤسسي، بل كذلك تحديًا ميدانيًا يتمثل في مجموعات مسلحة تسعى للإبقاء على النفوذ القديم حيًا من خلال زعزعة السلم الأهلي وتعطيل مسارات الانتقال السياسي، وتعزيز النزعة الطائفية في مناطق انتشار هذه المكونات في سوريا.

 

الاعتقال، في هذا السياق، قد يكون جزءًا من "إدارة التحول" أكثر منه تعبيرًا عن قطيعة شاملة مع الماضي، فما يُسمى بـ"تصفية التركة الثقيلة" تتطلب إجراءات تتجاوز الرموز الفردية، نحو تفكيك الشبكات العميقة التي مثّلت العمود الفقري للدولة الأمنية الزبائنية، وهي شبكات لا تزال لها آثار وبواقي، ما يستلزم مباشرة حملات أمنية أكثر كثافة وأوسع انتشارًا في عموم الجغرافيا السورية.

 

كما يلفت الاعتقال النظر لإمكانية الحصول على معلومات مهمة بعد التحقيق مع وسيم الأسد، سواء عن بقايا شبكات الجريمة محليًا، أو عن الأموال السورية المهربة نحو الخارج، فضلًا عن عدم استبعاد الحصول على معلومات تتصل بأدوار للأطراف الأجنبية التي لطالما انخرطت في الصراع السوري لصالح النظام السابق.

 

أما على المستوى الخارجي، فإن اعتقال وسيم الأسد يُظهر اتساقًا مع مسارات تنسيقية متصاعدة منذ مارس/آذار الماضي، لا سيما بعد اجتمع دول الجوار السوري في العاصمة الأردنية عمَّان، والذي جمع دول الجوار السوري  بحكومة دمشق، لمعالجة القضايا الأمنية الملحة ومنها مكافحة شبكات تهريب المخدرات والسلاح، حيث أصبحت أولوية أمنية مشتركة لهذه الدول، خاصة بعد أن سادت الحدود السورية كمصدر تهديد مباشر للأمن الإقليمي.

 
لكن السؤال الجوهري قد يبقى مفتوحًا؛ فهل يمثل هذا الاعتقال بداية لمسار تفكيك ممنهج لبنية الفساد والعنف، أم أنه مجرد حدث عابر؟ الجواب يعتمد على ما ستؤول إليه الخطوات التالية، ومدى استعداد الحكومة السورية للذهاب لمحاسبة حقيقية تشمل أسماء أكبر وأكثر ارتباطًا بنواة نظام الأسد.

 

ختامًا، لا تصنع الاعتقالات الرمزية وحدها شرعية مستقرة، ولا تبني وحدات الأمن المؤقتة دولة قابلة للحياة، إذ إن ما تحتاجه سوريا اليوم ليس استعراضًا للقوة، بل مشروعًا وطنيًا متكاملًا للعدالة الانتقالية، بحيث يَفتح ملفات الفساد والانتهاكات بمنهج شفاف، وليس بمعايير المزاج السياسي. فاعتقال وسيم الأسد قد يكون لحظة فارقة، لكنه ربما يبقى عرضة لأن يُوظَّف في مسار تصفية حسابات أو إعادة تدوير للنفوذ؛ خاصة إذا لم يُدرَج ضمن رؤية مؤسسية واضحة تعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتعيد الاعتبار لفكرة الدولة الجامعة قانونيًا وأخلاقيًا، لا باعتبارها مجرد أداة سيطرة كما ساد ذلك سابقًا واستمر لعقود.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق