نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإنفاق على الأسلحة النووية… هل نحن أمام أولوية خاطئة؟ - تكنو بلس, اليوم الاثنين 23 يونيو 2025 08:34 صباحاً
يشرح أحمد عزام، رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي، بأن الحديث عن التسلّح النووي اليوم لم يعد مرتبطًا بمنطق الردع التقليدي كما كان سائداً زمن الحرب الباردة فحسب، بل بات أداة للتموضع الجيوسياسي وفرض ميزان قوى جديد في عالم سريع التغير. ويضيف أن الولايات المتحدة، الصين، وروسيا –كل من موقعها– ترى في الترسانة النووية وسيلة لتثبيت موقعها في نادي الكبار. ففي عام 2024 وحده، أنفقت واشنطن 56.8 مليار دولار، تلتها الصين بـ12.5 ملياراً، ثم روسيا بـ8.3 مليارات.
ويشير إلى أن هذا الإنفاق لا يعكس استعدادًا عسكريًا فحسب، بل فهماً جديداً لطبيعة السلطة الدولية، بحيث تحوّل التسلح النووي إلى ديبلوماسية صامتة؛ الصواريخ لا تُطلق لكنها تُستخدم لفرض شروط التفاوض وإعادة رسم توازنات النفوذ. ولفت إلى أن التسلّح النووي لم يعد يُستخدم فقط في إطار الردع الخارجي، بل بات أداة تعبئة قومية وتعزيزًا للشرعية السياسية؛ ففي الهند تُربط تحديثات الترسانة النووية بخطاب "القوة الحضارية"، وفي فرنسا يُسوّق ضمن سياق "الاستقلال الأوروبي الاستراتيجي"، ليصبح النووي رمزًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
ويضيف أن الدول النووية التسع أنفقت أكثر من 100 مليار دولار في 2024، وفقًا لتقرير ICAN، وهو رقم يقارب ميزانية الأمم المتحدة السنوية لمكافحة الفقر المدقع. وإذا وضعنا هذا الرقم في سياق زمني، فإن ميزانية الولايات المتحدة لتحديث ترسانتها خلال العقد الحالي ستتجاوز الـ 750 مليار دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي لدولة مثل بولندا. وفي روسيا، رغم العقوبات الغربية، واصلت تحديث ترسانتها النووية على حساب التنمية المحلية، فيما تزداد ميزانيات الهند وباكستان في ظل فجوات تنموية حادّة، ممّا يوسع الفجوة بين "الأمن المادي" للدولة و"الأمن الإنساني" للفرد.
في زمن الحروب السيبرانية والطائرات المسيّرة، تبرز مفارقة امتلاك ترسانات نووية تتجاوز الـ 12,200 رأس نووي، منها نحو 2,100 جاهزة للإطلاق في أيّ لحظة. منذ استخدام القنبلة النووية في هيروشيما وناغازاكي عام 1945، لم تُستخدم الأسلحة النووية مجددًا في النزاعات، رغم عشرات الحروب الساخنة، مما حوّلها إلى كيان رمزي بامتياز، لكنه يحتفظ بقدرة فريدة على تشكيل سلوك الخصوم وتوازنات السياسة الدولية.
القانون الدولي، وتحديداً معاهدة عدم الانتشار (NPT)، التي دخلت حيّز التنفيذ في 1970، يفترض أن يكون الإطار الحاكم لامتلاك السلاح النووي، لكنه في الواقع يكرّس امتياز خمس دول ويجرّم الطموح لدى البقية. اليوم، تمتلك إسرائيل ترسانة غير معلنة، وكوريا الشمالية خرجت تمامًا عن الالتزام من دون رادع فعال. وآليات المحاسبة غائبة أو شكلية، فمجلس الأمن خاضع في قراراته لنفوذ القوى التي توسّع ترسانتها، ممّا يحول النظام القانوني إلى قيد على الضعفاء وورقة مساومة بيد الأقوياء.
يروي عزام أن العالم تاريخيًا شهد حوادث تكشف هشاشة الردع النووي أمام الأخطاء التقنية والبشرية، مثل تجاهل الكولونيل السوفياتي ستانيسلاف بيتروف إنذارًا خاطئًا بهجوم نووي عام 1983، وسقوط قنبلة أميركية في 1961 فوق غولدسبورو، كادت تنفجر لولا جهاز واحد منع الكارثة. مجرد استخدام محدود للسلاح النووي، سواء بالخطأ أم بالقرار السياسي، سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية عالمية تشمل هرب رؤوس الأموال، انهيار أسواق الأسهم، ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وانكماش التجارة الدولية.
في مواجهة هذه التحديات، يمكن للمؤسسات الدولية أن تبدأ بربط المساعدات بسقف للإنفاق النووي، أو مطالبة الدول بالإفصاح العلني عن موازناتها العسكرية. الصندوق الدولي، البنك الدولي، ومجموعة العشرين بإمكانها فرض سردية تربط الأمن بالرفاه، لا بالخوف، كما يمكن للمجتمع المدني المساهمة في كسر الخطاب الرسمي الذي يبرر التسلح، عبر مبادرات بحثية وتعليمية تكشف التكلفة البشرية والاقتصادية لهذه الترسانات. تمامًا كما كسرت حملات نزع الألغام في التسعينات جدار الصمت، يمكن لحملات شجاعة أن تعيد تعريف الردع كاستثمار في السلام لا في الخوف.
ومن التناقضات الصارخة التي بدأت تظهر في المنتديات الدولية، أن الدول التي تدعو إلى تقليل الانبعاثات الكربونية تمول في الوقت نفسه برامج نووية ذات بصمة بيئية مهولة. تصنيع الأسلحة النووية وتحديثها يتطلبان منشآت طاقة كثيفة، واستهلاك مئات آلاف الأطنان من المياه والمعادن النادرة، مما يجعلها خصمًا صامتًا لأجندة الاستدامة والمناخ.
0 تعليق