نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
غينيا بيساو والرئيس إمبالو والاضطراب الذي لا ينتهي - تكنو بلس, اليوم الخميس 10 أبريل 2025 02:37 صباحاً
في ركنٍ منسيٍّ من غرب القارّة الأفريقية، تقع غينيا بيساو، الدولة الصغيرة ذات التاريخ الكبير من الانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية، حيث تعيش اليوم فصلاً جديداً من فصول الجدل، بطله الجنرال أومارو سيسوكو إمبالو، الرئيس الذي أثار – ولا يزال – الكثير من التساؤلات، لا في بلاده وحسب، بل أيضاً لدى شركاء الإقليم والمجتمع الدولي.
حين وصل إمبالو إلى الحكم في شباط/ فبراير 2020 بعد انتخاباتٍ طُعن في نتائجها، تعهّد بوضع حدٍّ للفوضى السياسية، وبناء مؤسسات قوية، ورفع شعار مكافحة الفساد وإعادة الانضباط في البلد. لكن الرجل، الذي يحمل خلفية عسكرية واضحة، سرعان ما كشف عن نمط حكمٍ شخصيّ، يتجاوز أحياناً ما هو متعارف عليه في الدول الديموقراطية. تصرّفاته، كما قراراته، بدت في كثير من الأحيان كأنها تصدر من زعيم قبيلة، لا من رئيس جمهورية؛ فغينيا بيساو اليوم، في ظل قيادته، تبدو أقرب إلى دولةٍ تُدار بالعاطفة وردود الفعل، منها إلى كيانٍ يقوم على حكم المؤسسات.
لا يُخفي الرئيس إمبالو عسكريته، بل يفتخر بها. وغالباً ما يظهر بزيّه العسكري، مستخدماً خطاباً حاداً يتضمّن التهديد أحياناً، والسخرية أحياناً أخرى. وفي الوقت الذي كانت فيه البلاد تنتظر منه إصلاحاً سياسياً واقتصادياً يضع حداً لعقود من الهشاشة، انشغل الرجل بصناعة صورةٍ إعلامية تجمع بين الحزم والاستعراض.
من أبرز المشاهد التي أثارت السخرية محلياً وخارجياً، ظهوره في الآونة الأخيرة وهو يقود دراجة رباعية العجلات داخل القصر الرئاسي، في مشهدٍ أقرب إلى "أفلام الحركة" منه إلى تصرّفات رجل دولة. وكذلك احتفاله الضخم بعيد ميلاد والدته التسعين، حيث تحوّلت المناسبة إلى احتفالٍ وطني غير مُعلن، ما أثار موجة انتقاداتٍ في بلدٍ لا يزال يُصنّف ضمن الدول الأشدّ فقراً في العالم.
لا أعرف لماذا يُذكّرني الرئيس إمبالو بالرئيس الأسبق كومبا يالا، الذي حكم البلاد بين عامي 2000 و2003.
عُرف يالا بارتدائه قبعةً صوفية حمراء مميزة، أصبحت رمزاً له وماركة غينية مسجّلة، وجعلت منه شخصيةً بهلوانية تثير الضحك.
ومن الطرائف التي تُروى عنه، أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2001، أقال وزيرة خارجيته أنطونيتا روزا غوميز بعدما انتقدته علناً، ما أثار جدلاً حول حرية التعبير داخل حكومته.
وبالعودة إلى الرئيس إمبالو فإن تصرفاته التي ذُكرت لم تكن المظهر الوحيد المثير للجدل. ففي آذار/ مارس 2025، طرد إمبالو وفداً تابعاً للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، جاء إلى بيساو للوساطة بشأن تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية، في وقتٍ تصاعد فيه التوتر بين الرئاسة والمعارضة.
لم يُمنح الوفد فرصة للقاء الأطراف المختلفة، وغادر البلاد على عجل بعدما قُوبل بالرفض القاطع من الرئيس إمبالو، الذي اعتبر الأمر تدخلاً في “شؤونه السيادية”.
هذا الموقف غير المسبوق يعكس مدى احتقان المشهد الداخلي، ويطرح علامات استفهام كبرى حول نوايا الرئيس بشأن ما يخص مسار الانتخابات والاستحقاقات الديموقراطية.
يبقى الأمر الأكثر إثارةً لدى إمبالو هو التناقض في مواقفه بشأن الترشح لولايةٍ ثانية. ففي أيلول/ سبتمبر 2024، أعلن فجأة أنه لا يعتزم الترشح مجدداً، مشيراً إلى رغبة زوجته في انسحابه من الحياة السياسية. لكن بعد أشهر قليلة، عاد ليؤكد أنه سيترشّح لولاية جديدة، بعد “إلحاح شعبي”، كما قال، وهو ما زاد من حدّة السجال السياسي حول استقرار قراراته السياسية، وعمّق أزمة الثقة بينه وبين الطبقة السياسية المعارضة.
إن غينيا بيساو، التي نالت استقلالها عن البرتغال في منتصف السبعينيات، لم تعرف يوماً استقراراً سياسياً حقيقياً. فقد توالت فيها الانقلابات، وتبدّلت الحكومات بوتيرةٍ متسارعة، وبقيت الدولة رهينة صراعات النخب العسكرية والمدنية. الاقتصاد هش، والمؤسسات ضعيفة، والتنمية شبه غائبة. وبدلًا من أن تمثّل فترة إمبالو مرحلةً لإعادة البناء، يبدو أن البلاد تتجه نحو مزيدٍ من الغموض، في ظل حكمٍ قائم على الفرد أكثر منه على المؤسسة.
في نظر كثير من المراقبين، يعكس الجنرال إمبالو واقعاً أفريقياً معقّداً، حيث لا تزال العلاقة بين السلطة والجيش غير محسومة، وحيث ينتمي كثيرٌ من القادة إلى المؤسسة العسكرية، ويحتفظون بنمط تفكيرها حتى بعد دخولهم قصر الحكم.
لكن غينيا بيساو، التي تأمل الانفتاح على العالم وتحقيق الاستقرار، تحتاج إلى ما هو أكثر من العبارات الرنّانة والمواقف الحادة؛ تحتاج إلى قيادةٍ متّزنة تعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها.
وإن استمرّت تصرّفات الرئيس إمبالو على هذا النحو، فإنّ ذلك لن يؤدّي فقط إلى عزلةٍ داخلية، بل إلى فتورٍ في العلاقات مع الشركاء الإقليميين والدوليين، ما يفتح الباب أمام سيناريوهاتٍ غير محسوبة العواقب، في بلدٍ لم يخرج بعد من عباءة الاضطراب والتوتر.
0 تعليق