نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لبنان يبحث عن حلّ جذريّ لأزمة النفايات... تمارا الزين: لحوار علميّ بعيداً من المصالح الضيّقة - تكنو بلس, اليوم السبت 19 أبريل 2025 04:13 مساءً
تتفاقم أزمة النفايات في لبنان مُنذ عقود، ولكن بقي هذا الملفّ مادة سجاليّة بامتياز. وآخر فصول التجاذبات القديمة-الجديدة، استدرجها تصريح تلفزيوني لوزيرة البيئة تمارا الزين حول اعتماد المحرقة وتوليد الكهرباء من الطاقة الناتجة. وفي المقابل، تستأنس الآراء الرافضة لطرح الوزيرة بـ"الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة"، التي تستبعد المحارق، وقد أطلقت عشية انتهاء ولاية الحكومة السابقة.
المفارقة، أنّ هذا العام يؤرّخ للذكرى العاشرة لحراك "طلعت ريحتكن"، فيما المكبات العشوائية تتمادى على مساحة لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، ولم تتوصل المطامر الصحيّة ومعامل التسبيخ إلى حلّ جذري يخفّف من فداحة انتشار النفايات على الطرقات والشواطئ وفي مختلف المجالات العامة.
وفي الموازاة، تتكثف مبادرات الفرز من المصدر وإعادة التدوير، في انسجام مع الاستراتيجية المطلقة أخيرًا وممارساتها.
هل تشكّل مقاربة وزيرة البيئة انقطاعاً مع الاستراتيجية؟ وكيف تفسّر تحديداً خيار اعتماد المحرقة؟ وما خطّة الوزارة في إدارة هذا الملف؟
ناقشنا هذه الأسئلة في مقابلة خاصة مع وزيرة البيئة تمارا الزين، مستتبعة بتعليقين مختلفين لاختصاصيّين بيئيّين هما سمر خليل ودومينيك سلامه.
الزين: ملاحظات على الاستراتيجية
تنطلق وزيرة البيئة اللبنانية في مقاربتها من الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة بالقول: "لقد اعتمدت الاستراتيجية الفرز من المصدر والتسبيخ والاقتصاد الدائري والمطامر، إنما لبنان غير ملزم بنموذج واحد، وغالبية الدول تتبنى خططاً هجينة تعتمد على دمج أكثر من حلّ. نحن في طور مراجعة سريعة للاستراتيجية، وهي تحمل جوانب عدة مؤهلة للبناء عليها، لكنها تفتقر إلى مقاربة الشمولية للسياق اللبناني، سواء لجهة جغرافية البلد وخصوصياته الاجتماعية، وتجاربنا الطويلة غير الفعّالة في إدارة ملف النفايات".
وترى تمارا الزين تقدّماً هامّاً في إنشاء "الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة": "لقد انتهت الحكومة من وضع آلية التعيينات وسنعتمد مبادئ ومعايير هذه الآلية لتعيين أعضاء الهيئة. تشكيل الهيئة ضرورة ملحّة لتتولّى مهام إدارة النفايات مع صلاحيات واضحة لناحية المناقصات والعقود والتخطيط والإشراف والمراقبة".
وتستدرك أنّ "اللامركزية في إدارة النفايات هي الحلّ من الناحية العملانية، وتشكّل محوراً إصلاحياً، مع ضرورة التقيّد بإدارة وطنية متكاملة كي نتفادى الفوضى، وحالياً يعتمد لبنان على لامركزية في بعض المناطق، وحلول مركزية لمناطق أخرى. العبرة دائما في الحوكمة السليمة مهما كان الحلّ أو الحلول المعتمدة."
تمارا الزين. (وكالات)
مطامر أم محرقة؟
في سياق متّصل، طاولت وزيرة البيئة حملة مضادة من خبراء وهيئات بيئية ضدّ خيار المحرقة بشكل كلّيّ، وبعض المحاججات اتخذت أحياناً لغة حادّة.
تعلّق بالقول "تواصل معي بالفعل خبراء بيئيون "محترمون" ضدّ المحارق وجرى نقاش رصين، وبحكم خلفيتي الأكاديمية أنا منفتحة على الحوار العلميّ شرط ابتعاده عن المصالح الضيقة، خاصة أننا نعرف أنّ مسألة النفايات تتخطّى البعد التقني إلى أبعاد تتداخل فيها المنفعة المادية للبعض، فاستفادة هؤلاء من استجلاب تمويل دولي يقضي التركيز على بعض المنهجيات، بالإضافة إلى الشعبوية ودوافع أخرى لن أفصّلها اليوم، بل أتركها لأوانها. كما أستهجن قلّة الاحترام من البعض، وكلّ اتهام بصفقات مشبوهة، وكذلك خطاب مَن يطالبني بالتراجع عن تصريحي. معيب! أنا مواطنة لبنانية قبل أن أكون وزيرة، والمفترض أننا في بلد ديموقراطي يكرّس التعددية والحوار، ومن يريد أن يحاور ضمن الأطر الأخلاقية أهلاً وسهلاً به، نناقش الملف باحترام وأخلاقيات علمية".
وتؤكد الزين "إنّ البعض تسرّع قبل أن يسألني واعتبر كلامي عن المحارق كأنّه حلّ أوحد، بينما هو واحد من الاحتمالات التي قد تشكّل حلقة ضمن إدارة متكاملة تشمل التخفيف من المصدر والفرز والتسبيخ وإعادة التدوير، ولا يخصّ إلّا ما يتبقّى من نفايات ذات قيمة حرارية عالية".
وتجد الوزيرة في الاستراتيجية بعض الشوائب التي تغاضت عن التصويب على المشاكل العملانية حالياً وفي السنوات السابقة:
- المطامر: ليست كلّ المطامر صحيّة. وبصرف النظر عن معاييرها، فإنّ وجودها مثلاً على الساحل خسارة لرأسمال جماليّ عظيم لإطلالة لبنان البحرية على طول 250 كلم، عدا عن النفايات التي تلوّث البحر! ولم تلحظ خططها التمدّد المديني وضيق المساحات بينما نلجأ باستمرار إلى توسيع المطامر، كما هو حال الكوستا برافا اليوم. وغنيّ عن الشرح تطييف النفايات وخلافات بطابع عائليّ في القرية نفسها أو خلافات بين قرى ترفض استقبال نفايات الجوار.
- كميات كبيرة من النفايات الخطرة بقيت دون معالجة، مثل "الأسبيتوس" الناجم عن انفجار مرفأ بيروت. ولو بلغنا أقصى فعالية في فرز النفايات واسترداد القيمة الاقتصادية والتسبيخ، سيبقى 40% منها دون علاج، وهنا يتوجّب النقاش عمّا نفعله بهذه النفايات، هل نبقى على حلّ المطامر أم ندرس حلولاً عدّة بانتظار تبلور رؤية وطنية في المستقبل؟
وتشير إلى "إنّ تسمية المحرقة بحدّ ذاتها صادمة، ولذا استبدلتها دول العالم بمصطلح "تحويل النفايات إلى طاقة" (WTE)، حيث انتقلت المقاربة إلى توليد الطاقة من الحرق، علماً أننا ما زلنا بعيدين عن هذه المقاربة طالما لم تتبلور رؤية تتشارك فيها الوزارات المعنية والسلطات المحلية وكلّ الجهات المعنية بملفّ النفايات، وهذا يحتاج وقتاً وجهداً تعاونياً من الجميع".
الحوكمة معضلة مزمنة
تؤكّد الزين أنّ أيّ معادلة لإدارة النفايات ستحكم بالفشل ما لم تنزّه عن التجاذبات السياسية والمناطقية، وتبقى عقدة الحلّ والربط في الحوكمة الناجحة وحسن الإدارة والرقابة. فالمخاوف مبررة من ناحية المخاطر المحتملة من سوء إدارة ورقابة عمل "المحارق"، وهو عامل أساسيّ في النقاش، لأنّ واقع لبنان اليوم غير ملائم لهكذا منشآت تحتاج استثماراً مالياً وإدارة تشاركية بين القطاعين العام والخاص ورقابة مشددة على الأداء، ولكن هذا لا يمنع إطلاق ورشة تشاورية وتفكير جماعي بكيفية إدارة النفايات مستقبلاً... وعليه، وضمن الولاية القصيرة المتاحة خلال سنة وشهرين، "لم أطلق وعوداً غير واقعية لحلّ مشاكل مزمنة تحتاج سنوات، بل وضعت أولوياتي في ورشة إصلاحية لمأسسة وتفعيل الوزارة لتمتلك المقدرات البنيوية والبشرية والمالية، والتي بدونها لن تتوصّل الوزارة إلى حلّ أيّ مشكلة".
وتشرح أنّ الوزارة تعاني فراغاً واسعاً في الكادر البشري الذي يجب أن يضمّ 215 موظفاً وعددهم اليوم 72، ما يشكّل عبئاً على العاملين ويتسبّب ببطء في معالجة بعض الملفات، "لذلك فإنني في طور إعادة هيكلة الوزارة وفق رؤية محدّثة مع أكثر من مديرية، قبل الوصول إلى ملء الشواغر بالكفاءات اللازمة، وتفعيل التقاطع مع باقي الوزارات والمؤسسات، وتحقيق الانتقال الرقمي خاصة للخدمات والمعاملات المرتبطة بالمواطنين. حينها يمكن للوزارة أن تتكرس لوضع حلول للتحديات البيئية والمناخية بفعالية قصوى وضمان الاستمرارية، فهذه هي الأرضية التي يُبنى عليها مستقبل الوزارة ودورها، ومنها يبدأ ترميم ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة".
ائتلاف إدارة النفايات: "لا للمحارق"
من جهة ثانية، يخوض ائتلاف إدارة النفايات ورشة مكثّفة بهدف التشديد على المبادئ المنصوصة في "الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة"، ومنع أيّ خطوة في اتجاه اعتماد المحارق.
تقول سمر خليل، الأخصائية البيئية وعضو اللجنة التنسيقيّة في ائتلاف إدارة النفايات: "لقد تداعت مجموعات وجمعيات ضدّ المحارق، وشكّلنا لجنة علمية ولجنة للمناصرة. وتعكف اللجنة العلمية حالياً على إعداد ورقة علمية وورقة سياساتية لاستبعاد المحرقة وتطبيق الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة على الرغم من بعض الملاحظات، وستقوم لجنة المناصرة زيارة المعنيين بالملفّ- بمن فيهم وزيرة البيئة- بهدف تقديم الورقتين بكلّ علميّة وثبات".
وتؤكّد أنّ أيّ قرار يتناقض مع الاستراتيجية هو تجاوز للنقاش المؤسسي، ويطيح بجهود باحثين وخبراء واكبوا أزمة النفايات منذ أعوام طويلة وانكبّوا على دراسات لاجتراح الحلول العلمية والمستدامة، مضيفة "للمرة الأولى يعتمد لبنان على استراتيجية تتضمن الوقاية والتخفيف من إنتاج النفايات، والفرز من المصدر، واستعادة القيمة الاقتصادية، وإعادة التدوير والتصليح والتسبيخ، وجميعها بدائل اقتصادية وصديقة للبيئة، وكذلك تقليص المطامر من خلال تقليل حجم النفايات المطمورة".
وتشير إلى أسباب موجبة لمنع اعتماد المحرقة: "إنّ 60 في المئة من النفايات في لبنان عضويّة بنسبة رطوبة عالية وهي ذات طاقة حرارية منخفضة، وتستدعي حرق كميات هائلة من الوقود، فضلاً عن أنّ المحرقة تنتج انبعاثات سامة ومسرطنة ورمادًا سامًا يتطلب إدارة خاصة كنفايات خطرة. ولو سلمنا جدلاً بأنّ المحارق مناسبة للبنان، فإنّ طرح محرقة واحدة لكلّ لبنان غير منطقي. فعمليّة نقل النفايات من مختلف المناطق والأقضية ستكون مرتفعة التكلفة ولوجستيًا غير واقعية، كما أنّ لبنان بحجمه الصغير لا تطبق فيه "اقتصاديات الحجم"، والقاضية بخفض تكاليف معالجة النفايات جراء حجم الاستهلاك الكبير، وبالتالي فإنّها تقنية خاسرة اقتصاديًا خصوصًا لبلد مفلس كلبنان".
وتنسجم مقاربة خليل مع بيان ائتلاف إدارة النفايات في منع إنشاء المحرقة، والذي لحظ:
● افتقار لبنان لبُنية تحتية قادرة على مراقبة الانبعاثات السامة وإدارة النفايات الناتجة عن الحرق.
● بحسب اتفاقية ستوكهولم، تعدّ المحارق أهمّ مصادر انبعاثات الديوكسين والفوران وهي من أشدّ المواد السامة والمسرطنة.
● تكلفة تشغيل المحرقة، وفق الدراسات، تتجاوز 160 دولارًا للطنّ الواحد، وهي أضعاف كلفة الفرز والتدوير والتسبيخ.
● في حال تمّ تشغيل المحرقة وفق أعلى المعايير، وهو أمر غير مضمون في لبنان، فإنّ الطاقة التي ستولدها ستكون ضئيلة مقارنة بأضرارها البيئية والصحية.
وتقرّ سمر خليل بـ"أنّ المشكلة القائمة في لبنان جوهرها الحوكمة لا التقنية، ولكن حين يُطرح حلّ غير مناسب يتعيّن أيضًا المفاضلة بالتقنية".
وتشير الباحثة إلى انتكاس الحوكمة في لبنان في عناصر عدّة، حيث كان يجب إطلاق الاستراتيجية منذ العام 2019، كما تغيب الرقابة على تطبيق القوانين والحلول المعتمدة، ما شلّ كفاءة معامل التسبيخ على الرغم من صوابها البيئي والاقتصادي، إذ ينتج لبنان 5800 طنٍّ يوميًّا، ومعامل الفرز والمعالجة الموجودة حاليًا قادرة على معالجة 6400 طنٍّ، ولكنّها لا تعالج أكثر من 8% من النفايات. من الأجدى الاستثمار في تشغيل هذه المعامل بدل الاستثمار في تقنيات لا يمكن إدارتها وهي غير مناسبة".
كما تجد خللاً عضويًا في البلديات، تجزئتها وقدراتها المحدودة وثقافة عملها. تقول "لبنان بلد الـ5 ملايين نسمة يضم أكثر من 1100 بلدية. كما أن ميزانيات البلديات بسبب قيامها على سعر صرف الدولار القديم بالكاد تنهض بكنس وجمع النفايات، وبلديات كثيرة ترفض التعاون في ما بينها، وبسبب سوء الادارة أصبح المواطنون أيضًا رافضين لأيّ حلّ في مناطقهم".
وتضع في الاعتبار حلولاً غير معقّدة ولا تستدعي منشآت باهظة التكلفة: "من بين نماذج عديدة ممكنة استوقفني في مدينة بوني الهندية حلاً سهلاً حيث كانت البلدية تحمّل النفايات في مستوعبين، وهكذا يتمّ فرزها في المنازل: نفايات ناشفة ونفايات رطبة، والعضوي منها يتمّ تسبيخه بطريقة غير مكلفة وصديقة للبيئة".
ضرورة تقليص المطامر
من ناحيته، يقدّم الخبير الدولي في إدارة النفايات الصلبة والاستدامة، البروفيسور دومينيك سلامه، قراءة بأبعاد متعددة ومركبة، حيث يعتبر "أنّ أيّ رأي بُنيَ على التقنية فقط هو رأي متسرّع".
ويضيف: "لا وجود لتقنية جهنمية وأخرى مثاليّة، سواء المحرقة أو غيرها، لأنّ العبرة في موضعة التقنيات بحسب "هرمية النفايات الصلبة" و"هندسة سلسلة القيمة". فلو تناولنا التسبيخ والتخمّر على سبيل المثال، فإنّ التطبيق بالطريقة الخاطئة يمكن أن يؤدّي إلى انبعاثات شديدة السمومية، ولنقس على ذلك".
يضيء على مسألتين غائبتين في النقاش اللبناني "أوّلا، وانطلاقاً من تجربة لبنان وكلّ التوجّه العالمي، ثمة ثابت واحد يجب أن يشكّل هدفاً استراتيجياً غير قابل للتفاوض، وذلك استناداً إلى مبادئ الاقتصاد الدائري في إدارة النفايات وتدرج معالجته: علينا التخفيف من المطامر، سواء في عددها أو كمية النفايات المطمورة.
ثانياً، إنّ التقنيّة أو مجموعة التقنيات لمعالجة النفايات يجب أن توظّف لخلق المنتج الأخير، وهذا المنتج ينبغي أن يلبّي "مصلحة المدينة"، بمعنى السياسة (البوليثية باليونانية)، وهي التي تجيب على سؤال: "لماذا فضلت هذا الحلّ؟" ولكن "سياسة إدارة النفايات" هي ببساطة غائبة في لبنان".
يعزّز فكرته بأمثلة عمليّة: "هل يضع لبنان أولويته في احتواء أزمة الكهرباء، فيعتمد المحرقة كحلّ لتوليد الطاقة؟ أم يهتمّ بخلق فرص عمل فينشئ معامل للتدوير؟ أو الأولوية للزراعة فيركز على التسبيخ لإنتاج السماد؟ وقد تؤدّي التقنية نفسها إلى صناعة السكّر، أو الإيتانول. لكنّ لبنان لم يحدّد أيّ قطاع أو مجموعة قطاعات ستوظف النفايات. إنّ هذه الرؤية التكاملية تنطوي على السياسة، ومنها يجب أن تنبثق الاستراتيجيات، والأخيرة تتفرع إلى كلّ قطاع على حدة، فتحدّد المنتج وكميته والجدول الزمني والتقنية/التقنيات المستخدمة".
ويوضح أنّ الترابط بين السياسة والاستراتيجية هو نقطة الانطلاق لأيّ نظام سليم لإدارة النفايات، ويستوجب متطلبات أساسية لـ"التخطيط الشامل لإدارة النفايات"، والمؤلّف من خمسة عناصر بحسب التسلسل: السياسة، الاستراتيجيات، الإطار القانوني، الخطة الرئيسية، وأخيراً التطبيق.
ووفق سلامه، فإنّ هذا النظام يسلك في لبنان التسلسل المعاكس، ما جعل أيّ معالجة خاسرة:
- لجأ لبنان مباشرة بعد انتهاء الحرب الأهلية إلى تطبيق حلّ المطامر ومعامل التسبيخ. أمّا الخطة الرئيسية فلم تظهر حتى العام 2024.
- الإطار القانوني: يتعيّن وضعه بعد الإستراتيجية لحمايتها، وتنظيم الوصول لأهداف الاستراتيجية وحسن تنفيذها، إنّما في لبنان فقد جرى العكس، حيث فُصلت الاستراتيجية على مقاس القانون.
- وأخيراً لا يجدي وجود سياسة مرتبطة بالنفايات، لأنّها يجب أن تسبق كلّ العناصر المذكورة.
وبحسب الخبير، إنّ هذا المسار يجب أن يكون معطوفاً على "الهرم المعكوس لإدارة النفايات". ويبدأ الهرم من حيث كمية النفايات هي الأعلى، أي المصدر، ويتدرج كالآتي: "التخفيف من المصدر، والفرز من المصدر، والتفكيك، واسترداد القيمة، والطمر، وبالتالي يجب أن تكون المطامر الأقل اعتماداً. بينما في لبنان، تحتل المطامر القاعدة الواسعة للهرم، ونرمي بالنفايات على اختلاف أنواعها في المطامر، وهذه جريمة للبيئة وللأجيال القادمة، في عالم يعاني شحّاً في الموارد الطبيعية".
إذاً، هل تقليص المطامر يستدعي خيار المحرقة؟
يردف: "كما أسلفت، إنّ اختيار أيّ تقنية يجب أن يسبقه تحديد الهدف من معالجة النفايات. فهناك أنواع لا يمكن التخلص منها سوى بالمحرقة، مثل "النفايات السامة للخلايا"، وهي الناتجة عن علاجات السرطان، وتستلزم درجات حرق عالية جداً تبلغ 1400 درجة مئوية، وبالتالي تستلزم نوعاً محدّداً من المحارق، فحتى كلمة "محرقة" هي أيضاً فضفاضة".
ويضيف: "وهناك محارق لمعالجة نفايات عضوية جافة، ولكن نقل النفايات يشكل تحدياً. كما قد يلجأ لبنان إلى تدوير جزء من النفايات، فتبقى نفايات قليلة للمحرقة، وبالتالي قد تصبح المحرقة غير مجدية اقتصادياً".
ووسط المشهد القائم، يلاحظ سلامه فجوة بين طريقة جمع النفايات ومعالجتها: "المؤكّد أنّ المعالجة تكون أسهل وأصحّ حين أحضّر النفايات بطريقة مترابطة خلال مرحلتي الفرز والجمع. فحتى لو فرزت النفايات، إنّها حالياً تطحن وتكبس في شاحنات الجمع، مما يخفف من فعالية المراحل اللاحقة للمعالجة، أيّاً كانت التقنية".
ويستنتج قائلاً: "لا ينبغي ذمّ أيّ تقنية بالمطلق، فاعتمادها من عدمه يستوجب أوّلاً الإجابة على السؤال "أيّ قيمة يريد لبنان أن يسترد من النفايات؟"، وهذا ما يحيلنا إلى نقطة البداية وهي السياسة (policy) التي لا تزال غائبة".
ختاماً، وإن كان هناك ما يمكن تأكيده، هو أنّ حتى المحاججة العلميّة حول ملف النفايات تحتمل التفكير والتفكير الآخر. وأنّ النقاش الذي يوحي باختلافات متطرفة، يحمل في حقيقته نقاط التقاء يمكن التأسيس عليها، وأهمّها إصلاحات الحوكمة، وتخفيف المطامر على المدى المنظور، وتثبيت الفرز من المصدر وإعادة التدوير والتسبيخ، ودراسة جدوى المحرقة أو سواها من التقنيات للتخلص من النفايات الخطرة مجهولة المصير، والتي تشكّل تهديداً للسلامة البيئية والصحية.
"يُنشر هذا التقرير في إطار زمالة صحافية تنظّمها مؤسسة "مهارات" حول "التغطية الإعلامية لمسار الإصلاحات".
0 تعليق