الناس «العاديون» في الحرب - مراسلات وقصص - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الناس «العاديون» في الحرب - مراسلات وقصص - تكنو بلس, اليوم الأحد 20 أبريل 2025 08:37 صباحاً

إن الحديث عن "الإنسان العادي" في التاريخ يُعدّ مسألة معاصرة. كانت الأنساق التاريخية في الكتابة والبحث دائماً مشغولةً بكتابة تاريخ الدول والملوك والرُسل والمشاهير، ومنذ سنواتٍ أصبحت مفتونة بتاريخ الأشخاص "العاديين" أو الذين كان دورهم الوحيد في التاريخ أنهم عاشوا حياةً غير مرئيةٍ لباحثين عن الأمجاد. 

في هذا السياق يتنزل كتاب "الناس العاديون في الحرب العظمى؛ المراسلات والقصص والشهادات"، الذي صدر عن منشورات دار العلوم الإنسانية، تحت إشراف أجنيس ستوكاردت وكورين جوميلا وشانتال ويونيت، مدفوعاً بالوثائق والأرشيفات التي كُشف عنها خلال الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، والتي يغطي جزء كبير منها أرشيفات الناس العاديين.

ماذا يقول الرجال والنساء الذين شهدوا الحرب العظمى عنها؟ ماذا يكتب بعضهم لبعض؟ من خلال كمّ هائلٍ من الرسائل، ومذكرات حرب، والمذكرات الشخصية، والوصايا، والتسجيلات الصوتية النادرة، يستكشف المساهمون في هذا العمل الأصداء المتعددة لأصوات الناس العاديين. ذلك أن الحرب العظمى تمثل لحظة رئيسية لفهم ووصف الناس العاديين، وممارساتهم اللغوية، ووجودهم، وذاتيتهم. من كلمات الحنان إلى همسات التمرّد، ومن سرد الحياة اليومية إلى الرغبات الأخيرة، ومن أمل النصر إلى قصة الانتظار الجماعي، يعبّر الكاتب عن نفاد الصبر من أجل "انتهائها" واستئناف مسار حياة هؤلاء الأفراد. ذلك أن وجود هذه الآثار المكتوبة يسمح للمؤرخين أخيراً بالتفكير في كتابة تاريخ أكثر مساواة بين الفئات المهيمنة والمهيمن عليها.

كانت الحرب العالمية الأولى، في تأثيرها المفرط على جميع قطاعات الناس في أوروبا، مناسبة لاكتشاف أصوات الناس العاديين، الذين استفادوا من تحولات القرن التاسع عشر الفكرية والاجتماعية.

 

 

 

في عام 1914، كانت آثار قوانين المدارس الجمهورية في فرنسا ملموسة في كل مكان. فقد كان لدى الجميع، إلى حدّ ما، القدرة على التعبير عن أنفسهم من خلال الكتابة، واستخدموا ذلك على نطاق أوسع منذ أن أدى إنشاء الدولة نظام الختم البريدي في فترة الحرب. لقد كان وضعاً غير مسبوق على الإطلاق: ملايين الرجال والنساء من جميع الأعمار والظروف، ولكن أيضاً الأطفال، الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب إن لم تكن دُمّرت بسبب الحرب، أخذوا أقلامهم وتبادلوا ملايين الرسائل والبطاقات البريدية على جانبي خط النار، وهي طريقة لملء الفجوات التي حفرتها المعارك، بسبب الانفصال والغيابات التي لا نهاية لها. وبالإضافة إلى حجمها وديناميكيتها، كانت لهذه السوق العملاقة من الكلمات خصوصية فريدة تتمثل في أنه لأول مرة في التاريخ وعلى هذا النطاق لم تعد الكتابة عن الحرب مقتصرة كما كانت في السابق على نخبة من المثقفين ينتمون للدوائر الأكثر ثراءً وهيمنة.

كانت الحرب العظمى بمثابة حرب جماهيرية إلى حدّ ما، الأمر الذي كان له الأثر الكبير في توليد العديد من الشهادات والمذكرات الشخصية التي تكمل، إن لم تكن تنافس، تلك التي تنتجها النخب. ولكن هذا لم يؤدِّ إلى أخذ هذه الأصوات العادية في الاعتبار، في الكتابة التاريخية أو في التمثل العام لتلك الحقبة. 

في الواقع، ظلت معظم هذه الوثائق بعيدة عن متناول الباحثين الراغبين في كتابة تاريخ الحرب بطريقة أخرى غير تلك التي تراها عيون وكلمات النخب لفترة طويلة. صحيح أن هذه الصعوبة تعززت بسبب حقيقة أن الناشرين فضّلوا منذ فترة طويلة شهادات الأشخاص المهمين. ومن ثم فإن القدرة على إجراء مثل هذه الدراسات تُعدّ حديثة نسبياً. ومع ذلك، فإن وجود هذه الآثار المختلفة وإمكانية الوصول إليها صار يسمح اليوم بالتفكير بجدية في استعادة تجارب الحرب المتناقضة للغاية، على الضدّ من الصورة المتجانسة والمتسلطة بشكل فاضح التي اقترحها المؤرخون الثقافيون على أساس الشهادات القادمة من الطبقات المهيمنة فقط. إن هذا العمل يغوص بنا على الفور في قلب هذا الآخر الذي أثارته عبارة "الناس العاديون" التي استخدمها مشرفو الكتاب.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق