تعد حديقة الفسطاط من أقدم وأهم المساحات الخضراء في القاهرة، ليس فقط لطبيعتها الخلابة وموقعها الاستراتيجي، بل أيضًا لما تحمله من تاريخ طويل يرتبط بنشأة أول عاصمة إسلامية في مصر. تقع الحديقة في قلب منطقة مصر القديمة، وتحديدًا بالقرب من آثار الفسطاط، المدينة التي بناها عمرو بن العاص بعد الفتح الإسلامي لمصر عام 641م، لتكون أول عاصمة لمصر الإسلامية. وعلى الرغم من تقلبات الزمن، فإن الحديقة لا تزال تشكل أحد أبرز المعالم التي تربط الحاضر بالماضي، وتفتح نافذة على عبق التاريخ وجمال الطبيعة في آنٍ واحد.

الفسطاط: من العاصمة الإسلامية إلى الحديقة الكبرى

في أعقاب الفتح الإسلامي، اختار عمرو بن العاص موقع الفسطاط ليبني فيه مسجدًا عظيمًا يُعد اليوم أول مسجد في مصر وإفريقيا، وهو "مسجد عمرو بن العاص". حول هذا المسجد بدأت تتشكل أول نواة حضرية للعاصمة الجديدة، وكانت المنطقة تشهد حركة دؤوبة وتطورًا عمرانيًا تدريجيًا على مدار القرون. غير أن موقع الفسطاط بدأ يفقد أهميته السياسية تدريجيًا مع بناء مدن جديدة مثل القطائع والفاطمية، حتى بات مجرد حي تراثي مهم، يحمل آثارًا نادرة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن منطقة الفسطاط حافظت على طابعها التاريخي والديني والثقافي، لتتحول في العصور الحديثة إلى واحدة من أهم المواقع التي تجمع بين العمق التاريخي والطبيعة الخضراء، عندما تم تطوير "حديقة الفسطاط" لتكون مساحة مفتوحة ترحب بالعائلات والزوار.

مشروع إحياء الحديقة: وجه جديد لوجه قديم

في السنوات الأخيرة، أطلقت الحكومة المصرية مشروعًا طموحًا لإحياء وتطوير حديقة الفسطاط ضمن خطة لتجميل القاهرة التاريخية وربطها بمشروع "ممشى أهل مصر" والمتحف القومي للحضارة المصرية. ووفقًا لهذه الرؤية، يتم إعادة تصميم الحديقة لتكون واحدة من أكبر الحدائق الحضرية المفتوحة في الشرق الأوسط، على مساحة تتجاوز 500 فدان، مع مراعاة الحفاظ على التراث البيئي والتاريخي للمكان. يشمل المشروع ممرات للمشاة، مناطق للأنشطة الثقافية والرياضية، مساحات خضراء مكثفة، ومرافق ترفيهية متكاملة، بالإضافة إلى ربط الحديقة بمواقع أثرية مثل سور مجرى العيون، ومسجد عمرو بن العاص، ومجمع الأديان.

أهمية الحديقة في السياحة والثقافة والترفيه

اليوم، تلعب حديقة الفسطاط دورًا حيويًا في دعم السياحة الداخلية والخارجية، حيث يزورها الآلاف من المصريين والسياح الباحثين عن لحظات من الاسترخاء وسط الطبيعة وفي محيط أثري مذهل. كما أنها توفر مساحة رائعة لإقامة الفعاليات الثقافية والمعارض المفتوحة، مما يجعلها نقطة التقاء فريدة بين الحداثة والتاريخ. كذلك أصبحت الحديقة جزءًا من تجربة زيارة المتحف القومي للحضارة المصرية، حيث يمكن للزائر أن يتجول في أروقة المتحف ثم ينتقل مباشرة إلى أحضان الطبيعة، في تناغم يجسد فلسفة القاهرة الجديدة: مدينة تجمع بين الماضي والحاضر.

يمكن القول إن حديقة الفسطاط ليست مجرد مساحة خضراء، بل رمز حضاري يعكس تطور مصر عبر العصور، من الفتح الإسلامي وحتى مشاريع التنمية الحديثة. زيارتها ليست فقط للاستجمام، بل هي أيضًا رحلة في أعماق التاريخ.