نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أنسنة العمارة: نحو مدن تُشبهنا أكثر - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 22 أبريل 2025 08:42 صباحاً
في ظل التحولات العمرانية المتسارعة التي تشهدها مدننا، بدأ يبرز مفهوم "أنسنة المباني" ضرورةً ملحة لإعادة التوازن بين الإنسان والفراغ المعماري. فلم يعد كافياً أن تكون المباني مزودة بأحدث التقنيات، بل بات ضرورياً أن تكون مريحة، حاضنة، تراعي حاجات الإنسان النفسية والاجتماعية.
في هذا السياق، يتجه العديد من المبادرات والتوجهات المعمارية، خصوصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، نحو تصميم مبانٍ تنبض بالحياة، تدمج الإنسان بالطبيعة، وتعيد إليه الشعور بالانتماء داخل مدينته.
فكيف يمكن أن تبدو المدن عندما تصبح المباني أكثر إنسانية؟ وماذا يعني مصطلح "أنسنة المباني" في واقعنا العمراني اليوم؟
ترى المهندسة المعمارية والباحثة في الهوية المعمارية نُعمى الكعكي أن التصميم المعماري يجب أن يُوجَّه دائماً نحو الإنسان، "فمنذ العصور القديمة، كانت العلاقة بين العمارة والإنسان تكاملية؛ إذ يُعد الإنسان جزءاً أساسياً من عملية تصميم المباني. ويجب أن يخدم التصميم النهائي للمبنى مستخدميه، فيشعرون بالراحة، ويستطيعون ممارسة أنشطتهم بكفاءة. لذلك، تُصمَّم العمارة في جوهرها وتُفكَّر على مقياس الإنسان وطبيعته".
أكثر إنسانية
في السنوات الأخيرة، شهدنا انتشار المباني الشاهقة في المدن الإماراتية، وأصبحت لكل مدينة تقريباً منطقتها المركزية (CBD) ومبانيها الأيقونية. مع ذلك، نلاحظ أن كثيراً من هذه المباني يشيَّد لأغراض الحجم والشكل الفريد، من دون أن تعكس هوية المكان. تؤكد المهندسة الكعكي وجوب أن نولي ابتكار ما يعكس مجتمعاتنا وهويتنا اهتماماً أكبر، باستخدام الحلول المستدامة.
وتُعرّف "أنسنة العمارة" بـ"أن توجّه لجعل المباني أكثر إنسانية، وأكثر قرباً من حاجات الناس، ومتوافقة مع هويتهم وتفاعلاتهم اليومية، مع أخذ مقياس الإنسان (human scale) في الحسبان، لضمان التأثير الإيجابي على البيئة والمجتمع. وتشمل العناصر الأساسية لهذا التوجّه: الراحة النفسية والبصرية، الاستدامة والانسجام مع البيئة، إمكان الوصول والتفاعل، ومقياس الإنسان".
مشروع سكني في دولة الإمارات العربية المتحدة
في هذا السياق، أعلنت حكومة الإمارات أن عام 2025 سيكون "عام المجتمع"، بهدف أنسنة المباني وتعزيز جودة الحياة من خلال التنمية المستدامة. وأطلقت وزارة الطاقة والبنية التحتية الإماراتية مشروع "أنسنة المباني"، أحد المشاريع التحولية ضمن مشاريع الحزمة الثالثة التي تسعى إلى تحقيق مستهدفات رؤية "نحن الإمارات 2031"، وتركز على بناء مجتمع مزدهر، وممكن، ومتلاحم، ومتقدم عالمياً، إلى جانب دعم رؤية الإمارات 2071 لبناء مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً. وتقول الكعكي لـ"النهار": "هذه المبادرة تتضمن شهادة فريدة من نوعها في المنطقة، تتماشى مع المعايير العالمية لخلق بيئات معيشية صحية. وقد أكدت دولة الإمارات أن هذا المشروع يركّز على رفاهية المستخدم من خلال تحسين جودة الهواء، والإضاءة الطبيعية، والراحة الحرارية، إضافة إلى تعزيز النشاط البدني. وتهدف هذه المعايير إلى دعم تصميم حضري مستدام يحترم الهوية الثقافية والمناخ المحلي، مع توقعات أن يُحدث المشروع تحولاً في شكل المساكن والبنية التحتية المستقبلية، من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص".
اجتماعياً وصحياً
وبحسب الكعكي، تساهم أنسنة المباني في تحسين جودة حياة السكان من خلال فوائد نفسية مثل الإحساس بالمجتمع، وتعزيز الروابط الاجتماعية، وتقليل الشعور بالعزلة، إلى جانب الرفاهية العاطفية التي توفرها البيئات الجذابة والمريحة، ودور الطبيعة والفن في تخفيف التوتر والقلق.
أما على المستوى الصحي، فإن تصميم مساحات مخصصة للمشي والدراجات يعزز النشاط البدني، "في حين أن القرب من الطبيعة يرتبط بتحسين صحة القلب والجهاز التنفسي. كما تساهم المساحات الخضراء في تحسين جودة الهواء، فيما تؤدي الروابط المجتمعية القوية إلى نتائج صحية أفضل"، كما تقول.
ورغم أهمية المشروع، تلفت الكعكي إلى عدد من التحديات التي تواجه تطبيق معايير أنسنة المباني في المدن الكبرى، منها: "التوفيق بين التصاميم الحديثة والقيم التقليدية، وتحديث الإطار التنظيمي الذي قد يكون عائقاً بسبب بعض القوانين الحالية، إضافة إلى ضرورة تصميم مبانٍ تتناسب مع درجات الحرارة المرتفعة مع الحفاظ على الاستدامة". كذلك تشير إلى أن الأكلاف المرتفعة "قد تُثني بعض الجهات عن اعتماد التصاميم المتمحورة حول الإنسان، فضلاً عن القيود المساحية في المناطق ذات الكثافة الحضرية، التي قد تُعقّد إدماج المساحات المفتوحة والخضراء. وفي الوقت نفسه، فإن التوسع الأفقي قد يخلق تحديات في الربط بين أجزاء المدينة".
التقنية والإنسان
دمج التقنيات الذكية لتحسين تجربة المستخدم والتنسيق بين الحكومة والمطورين والمجتمعات، إلى جانب الحاجة إلى تحديثات في البنية التحتية، عناصر أخرى تتطلب المعالجة لتحقيق الأهداف المرجوة. تقول الكعكي: "التكنولوجيا الذكية تؤدي دوراً كبيراً في دعم أنسنة العمارة، من خلال نمذجة معلومات البناء (BIM) التي تعزز التعاون والمرونة في التصميم، وتقنيات الواقعين المعزز (AR) والافتراضي (VR) التي تساعد المستخدمين على تصور الفضاءات والتفاعل معها قبل بنائها، ما يضمن تصميماً يتمحور حول الإنسان. كما تبرز أنظمة المباني الذكية التي تستخدم أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) لتحسين الإضاءة ودرجة الحرارة وجودة الهواء، فضلاً عن أهمية إعادة الاستخدام التكيفي والتصميم المعياري لتعزيز الاستدامة والمرونة في إنشاء المساحات".
وتضيف: "للفن العام دور جوهري في أنسنة المشهد الحضري، وإضفاء لمسة قُرب على المدينة، فهو لا يجمّل المكان فحسب، بل يخلق أيضاً جسور تواصل بين الناس والأماكن التي يعيشون فيها". وتشير إلى أن إشراك المجتمع في هذا المسار هو عنصر أساسي لفهم الأثر الاجتماعي وتعزيز التفاعل الإنساني مع البيئة العمرانية. كما تُلفت إلى "تجربة ملهمة في "إكسبو 2020 دبي"، إذ اختارت المدينة أن تكرّم بأناقة وامتنان أكثر من 200 ألف عامل حول العالم ساهموا في هذا الحدث، "في لفتة تعبّر عن تقدير عميق للجهد الإنساني الكامن خلف العظمة المعمارية".
وتختتم الكعكي حديثها بتسليط الضوء على الدور المحوري للقطاع الخاص والمطورين العقاريين في تعزيز أنسنة المباني، "من خلال إشراك السكان المحليين في التخطيط، وتطوير مشاريع استخدام متعدد تجمع بين السكن والتجارة والترفيه، إلى جانب التصميم المستدام، وإدماج المساحات العامة الخضراء، والتصميم الشامل الذي يراعي حاجات جميع الأفراد". وتشير إلى "أهمية إدماج الثقافة المحلية في التصاميم ضمن بيئة ذات جنسيات مختلفة، مع تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية، والمكافآت التنظيمية، وخيارات التمويل، وبرامج التقدير، والتعاون مع المنظمات غير الربحية، والدعم التنظيمي لتسهيل التصاريح الخاصة بهذه المشاريع".
0 تعليق