كيف احتفل المصريون القدماء بعيد شم النسيم؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف احتفل المصريون القدماء بعيد شم النسيم؟ - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 05:37 مساءً

يعد عيد شم النسيم من أقدم الأعياد في التاريخ الإنساني، حيث تعود جذوره إلى الحضارة الفرعونية قبل أكثر من 4500 عام. وقد جسّد هذا العيد لدى المصريين القدماء احتفاءً بالحياة والطبيعة والتجدد، وكان مرتبطًا ببداية موسم الحصاد وبالانقلاب الربيعي، حين تتساوى ساعات الليل والنهار. لم يكن شم النسيم مجرد يوم عطلة أو تنزه، بل طقسًا يحمل أبعادًا دينية وفلسفية واجتماعية، يظهر فيها تقديس المصري للطبيعة، واحتفاله بانتصار الحياة على الموت. هذا المقال يستعرض كيف احتفل المصريون القدماء بشم النسيم، وما الرموز التي حملها، وكيف لا تزال بعض طقوسهم مستمرة حتى يومنا هذا.

طقوس الاحتفال: الفجر والضوء وبداية الحياة

كان المصري القديم يعتقد أن يوم شم النسيم يوافق لحظة خلق الحياة، حين خرج الإله "آتوم" من تلة الوجود الأولى وسط المياه، ليخلق الكون. لذلك، كان الاحتفال يبدأ مع أول خيوط الفجر، حيث يتوجه الناس إلى ضفاف نهر النيل أو المناطق الزراعية لمشاهدة شروق الشمس. 

وكان لهذا الطقس معنى عميق، فالفجر في المعتقد الفرعوني يرمز إلى التجدد والانبعاث، ويترافق مع ترديد الترانيم وتقديم القرابين البسيطة للآلهة. كان ارتداء الملابس البيضاء أمرًا شائعًا، لما تحمله من رمزية للنقاء والولادة الجديدة. كما كان الناس يزينون بيوتهم بالورود والزهور، وخاصة زهرة اللوتس التي كانت ترمز للحياة في مصر القديمة.

الأطعمة المقدسة: الفسيخ والبصل والبيض رمز الحياة

لم تكن المأكولات التي يتناولها المصريون في شم النسيم اختيارًا عشوائيًا، بل كانت تحمل رموزًا دينية وفلسفية عميقة. فقد اعتُبر السمك المملح أو الفسيخ من رموز الخلود والحياة الأبدية، واعتاد المصريون القدماء تحنيطه بأساليب تشبه تلك المستخدمة في حفظ المومياوات. 

أما البصل، فقد كان يرمز إلى طرد الأرواح الشريرة، وكانت العائلات تضعه تحت الوسائد أو على أبواب المنازل لطرد المرض والحسد. ويُعد البيض الملوّن من أقدم رموز هذا العيد، حيث كان يمثل البذرة الأولى للحياة، وكان المصريون القدماء ينقشون عليه الأمنيات قبل أن يضعوه في الشمس لتحقيقها، وهي عادة لا تزال مستمرة حتى اليوم في شكلها الرمزي البسيط.

الحدائق والطبيعة: الاحتفاء بالحياة في حضن الطبيعة

لم تكن احتفالات شم النسيم تقتصر على المعتقدات والطعام، بل كانت الطبيعة هي المسرح الأكبر لهذا العيد. كان المصريون يخرجون جماعات إلى الحدائق والمتنزهات وضفاف النيل، حيث يقيمون حفلات الغناء والرقص، ويجلسون في حلقات عائلية. وكانت هذه التجمعات تحمل طابعًا روحيًا واجتماعيًا، حيث يتقارب الناس من بعضهم البعض ويشكرون الآلهة على تجدد الطبيعة. 

ويُعتقد أن هذه العادة ارتبطت أيضًا بفكرة "بعث الحياة" بعد فيضان النيل، إذ كانت الأرض تصبح خصبة، ويعود الخير بعد ركود الشتاء. ومن اللافت أن هذا التقليد لا يزال قائمًا في مصر المعاصرة، إذ لا يمر شم النسيم دون خروج ملايين الأسر إلى الحدائق والنزهات في مشهد يكاد يُكرر الطقوس الفرعونية ذاتها.

يمكن القول إن شم النسيم لم يكن مجرد عيد موسمي، بل مناسبة روحانية متجذرة في عمق الحضارة المصرية القديمة. لقد جسّد رؤية متكاملة للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، وعبّر عن فلسفة الحياة والموت والتجدد. وما يثير الدهشة أن كثيرًا من طقوسه لا تزال قائمة، وإن تغيرت أشكالها أو خلفياتها، مما يعكس عبقرية المصري القديم وقدرته على صوغ طقوس خالدة تفيض بالحكمة والجمال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق