ساعتي الطبقية - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ساعتي الطبقية - تكنو بلس, اليوم الجمعة 25 أبريل 2025 07:08 صباحاً

في آخر عهدي بعالم الدعاية والإعلان في المملكة العربية السعودية، وفي وداعي أحد كبار قومها، فاجأني بهديّة جميلة وثمينة: ساعة "رولكس" فضيّة وزرقاء، فاخرة ومهيبة، ومعها كتاب تقدير وقّعه بنفسه، وجدته حينها فعلياً أثمن من الساعة نفسها. 

ركنت الساعة في أحد الأدراج، وحملتها بحبّ وحنان معي إلى بيروت مغادراً الرياض، فبقيت في علبتها المخمليّة الخضراء زمناً طويلاً. اليوم، مع كلّ هذه الضوضاء بشأن العلامات التجارية الراقية والثمينة، ومثيلاتها المقلّدة في الصين أو الهند أو ماليزيا أو في غيرها، تثير فيّ ساعتي أضغاث أحلام طبقيّة "واقعية قليلاً". 

أنا واثق بأنني مهما حاولت تسلّق السلم الطبقي الاجتماعي، فلن أنجح تماماً في أن أكون واحداً من "هؤلاء الناس" في الطبقة المخمليّة... آتياً من عائلة ميسورة بالحدّ الأدنى أولاً، فلا ميراث إلا الأخلاق الحميدة (أحياناً!)، ومكافحاً ثلاثة عقود ونيف لحياة مريحة، لا أكثر. 

علاقتي بالعلامات التجارية رفيعة المستوى لا تتجاوز حذاءً أو قميصاً، بثمن "مقدور عليه" (أحياناً!). فمن يراني اليوم، في هيئتي هذه، وحول معصمي "رولكس" فضية وزرقاء، سيرمقني غير مصدّقٍ أنها حقيقية أصليّة، ولو أقسمت له أيماناً غليظة: "من أين لك يا هذا ساعة ثمنها المبلغ المرقوم، وما عهدي بك ناجحاً في تجارة، ولا ضليعاً في تهريب، ولا خبيراً في ادّخار؟". فحتى القصة الحقيقية وراء هذه الساعة الأصلية لن تسعفني في جواب مقنع.

لكن، هل سيكون الأمر نفسه لو كنت غنيّاً بخيلاً أستجير بـ "كوبي آي" زهيدة الثمن من أصلية غالية؟ أبداً، فحينها ستكون الناس مؤمنة، من دون أيّ شكّ أو تمحيص، في أن ما أتزيّن به حقيقي أصلي، على قاعدة "متى حضر الأصيل بطل الوكيل".

ساعتي طبقية، وأنا لا أحبّ البرجوازية ولا البرجوازيين مذ كنت يافعاً. ساعتي هذه عنوان لهوس الفخامة، ووهم الماركة، ونكد المجتمع الاستهلاكي الذي يقود ناسه بـ"رسن" من دون لجام، والذي حوّل كلّ مناسبة وعيد إلى مكيدة لصرف الأموال على نحوٍ مبالغ فيه، لأن "تَهَادُوا تَحَابُّوا" لا تمرّ إن لم تكن ممهورة بنسرٍ أو تمساحٍ أو سمكة قرشٍ أو حصانٍ أو تاجٍ... أو ما شابه.

ربما أبيعها، أو أقدّمها هدية لأحدهم، مع تعهّد في مكتب الكاتب بالعدل أنها أصلية غير مقلّدة. لكن زوجتي تمنعني عن ذلك، فـ"الكادو ما بينكدا". فلتبقَ إرثاً لابنتيّ إذن، فلن أورثهما شيئاً إلاها، والقليل من الأخلاق الحميدة (أحياناً!).

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق