من "لعبة إيران" إلى"لعبة تهجير غزّة" - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من "لعبة إيران" إلى"لعبة تهجير غزّة" - تكنو بلس, اليوم الأحد 27 أبريل 2025 09:34 مساءً

 
 غزّة أصبحت "موطناً لليأس". الجوع "يتمدّد ويتفاقم بشكل متعمَّد"... بهذه الكلمات اختزل المفوض العام لوكالة "الأونروا" الوضع اللاإنساني الذي يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع. ولا يبدو أن تهمة تصنيع المجاعة تستوقف إسرائيل وساستها، ما دام أن الـ 19 شهراً من الحرب تحوّلت صمتاً دولياً وتعوّداً على جرائم الحرب.

 

"حكومة غزة" التابعة لحركة "حماس" تحذّر من أن الغزّيين "على شفا الموت الجماعي" بسبب توسع رقعة المجاعة وانهيار القطاعات الحيوية بالكامل، وتطالب بفتح ممر إنساني فوري من دون تأخير، كما تدعو الى تشكيل لجان دولية مستقلة للتحقيق "في جريمة التجويع والقتل البطيء التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي"... وإذا اشتبه أحدٌ بأن ثمة مبالغة في هذا التوصيف للوضع المتعفّن في غزّة، فما عليه سوى أن يعود إلى تصريحات بنيامين نتنياهو وعدد من وزرائه، أمثال يسرائيل كاتس وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، كي يفهم ما يعنيه فيليب لازاريني بقوله إن "هذه المجاعة متعمّدة، ومن صنع الإنسان" وليست نتيجة كارثة طبيعية مثلاً.

 

حتى دونالد ترامب أقرّ في تصريح نادر بأن هناك "حاجة ماسة إلى الأغذية والأدوية"، قائلاً إنه أبلغ نتنياهو بأنه "يجب أن يترفّق بالقطاع، فالفلسطينيون هناك يعانون، سنهتم بذلك". لكنه في الواقع لم يهتمّ، وعلى افتراض أنه فعل فإن الحكومة الإسرائيلية المصغّرة قررت الاجتماع لدرس استجابتها، وقررت أن كلام ترامب لا ينطوي على أي ضغط، إذ أنه سلّم إسرائيل لتوّه ثلاث طائرات جديدة من طراز "أف 35".

 

لذلك أبقت الحكومة ثلاثة بنود بلا أي تعديل: الحرب مستمرّة، التجويع مستمرّ، وأي "صفقة تبادل" مرفوضة ما لم تتضمّن استسلام "حماس" والإفراج عن الرهائن من دون شروط. ثم أضافت بنداً آخر هو عدم المشاركة في تشييع البابا الراحل فرنسيس عقاباً له على تعاطفه الإنساني مع غزّة ومعاناتها. وبما أن "كتائب القسّام" عاودت شنّ عمليات ضد القوات الإسرائيلية، فإن رئيس الأركان، رجل نتنياهو، توعّد بتوسيع الهجوم المستمرّ منذ 18 آذار (مارس) الماضي، أي منذ أسقطت إسرائيل آخر اتفاق لوقف النار. 

 

في السياق، يؤكّد محللون أميركيون وإسرائيليون أن زمرة التطرّف المحيطة بترامب ليست متناغمة مع متطرّفي حكومة إسرائيل فحسب بل محفّزة لهم، فهؤلاء لا يستبعدون أي بحث في وقف الحرب فحسب، بل يهدّدون على الدوام بإسقاط الحكومة إذا لم تتّخذ قراراً بمعاودة احتلال قطاع غزّة بكامله. لا أحد في الحكومة، لا نتنياهو ولا غيره، يريد إسقاط الحكومة لكن الحديث عن انقسامات ومزايدات، وعن تقديرات متفاوتة بين الجيش والحكومة، ما هو إلا جزء من سيناريو تمرير القرارات الأكثر جنوناً، والمعروف مسبقاً أنها ستواجه إشكالات قانونية.

 

لكنّ الإسرائيليين الذين تُركوا يخوضون حرباً لم تُراعَ فيها أيّ قوانين أو أخلاقيات وأعراف إنسانية أصبحوا موقنين أنهم يستطيعون تحقيق الأهداف القصوى التي يرسمونها، ولن يمنعهم أحد، لا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا محكمة العدل الدولية ولا المحكمة الجنائية الدولية، ولا العرب. ولديهم ما يؤكّد يقينهم، إذ احتلوا أراضي جديدة في سوريا ولبنان، وقضموا أكثر من ثلث مساحة قطاع غزة، وجرّفوا مخيمي جنين وطولكرم، ويمارسون حالياً أكثر عملية توحّش ضد سكان القطاع، ويواصلون استفزاز مصر... ولم يتلقوا لوماً واحداً من واشنطن.

 

على العكس، يُؤخذ هذا الانهيار في الوضع الغزّي على أنه يدعم "مقترح ترامب" لتهجير أهل غزّة وإقامة أكبر مشروع تطوير عقاري على شاطئ المتوسّط. فلو قوبل هذا المقترح بصمت القبول عربياً ودولياً لكان ترامب "أمر" إسرائيل بـ"وقف الحرب"، أما وقد قوبل بالرفض فإنه أجاز لنتنياهو أن يذهب في حربه إلى مراحل أكثر فظاعة.

 

يعتقد ترامب إن رفض مقترحه قد يصبح قريباً مناشدة علنية له كي يفعّل عملية التهجير، لكنه وهو يطارد المهاجرين ويطردهم من أميركا ويعزّز بذلك شعبيته المتراجعة (بسبب حرب الرسوم الجمركية)، فإنه لن يقرّر استيعاب أكبر عدد من الغزيّين في الأراضي الأميركية، ولن ينفق بضعة مليارات على هذه العملية.

 

عندما استدعى ترامب نتنياهو لإبلاغه أنه اختار التفاوض مع إيران، وطلب أن تُطوى موقتاً خطط ضرب منشآتها الحيوية، أدرك نتنياهو أنه إزاء مرحلة تغلب فيها المصالح الأميركية على المصالح الإسرائيلية، وأنه لا يستطيع أن يعامل ترامب بالعدائية التي تعامل بها مع باراك أوباما. لكنه أدرك أيضاً أنه حرّ التصرّف في المنطقة، وما دام أنه حُرم من "لعبة إيران" التي تتوّجه إقليمياً فإنه سينصرف إلى "لعبة غزّة"، معلناً "مقترح ترامب" كهدفٍ استراتيجي لحربه المستمرة. لم يعد معنياً بـ"تبادل الأسرى" بل بـ"استسلام حماس"، ولا بوساطات لوقف النار بل بالإعداد للخطوة التالية: احتلال قطاع غزّة وإخلاؤه من سكانه. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق