نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مزاعم ترامب عن قناة السويس: سردية زائفة لتقليص الكلفة على حساب سيادة الدول - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 03:30 مساءً
من جديد، أثار تصريح "لا عقلاني" من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجدل، بعد أن زعم أن لأميركا الفضل في إنشاء قناة السويس، وطالب بمرور السفن الأميركية من دون دفع رسوم عبور، وهو ادّعاء أثار موجة رفض واستنكار واسعة في مصر، بالنظر إلى ما تمثله القناة من سيادة قومية وإنجاز تاريخي بجهود مصرية خالصة.
لكن التاريخ يفنّد بشكل قاطع هذه المزاعم، إذ بدأت أعمال حفر القناة عام 1859 على يد المصريين، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة غارقة في صراعات داخلية، أبرزها الحرب الأهلية. وتشير الوثائق التاريخية إلى أن أكثر من مليون مصري شاركوا في عملية الحفر، وأن المشروع تمّ بجهود نحو 120 ألفاً منهم، كما أن أميركا لم تساهم في تمويل المشروع، بل امتنعت عن الاكتتاب في أسهم شركة قناة السويس الفرنسية، التي كانت تقود المشروع، مما ينفي أيّ علاقة للولايات المتحدة بإنشائها أو تطويرها.
افتُتحت القناة عام 1869، وأصبحت منذ ذلك الحين من أهمّ الممرات البحرية في العالم، تربط ما بين البحرين الأحمر والمتوسط، وتختصر المسافات البحرية، وتخدم نحو 12% من التجارة الدولية، محقّقة لمصر عائدات تتجاوز الـ 9 مليارات دولار سنوياً. وفي عام 1956، قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم القناة، مما أدّى إلى العدوان الثلاثي، في دلالة واضحة على الأهمّية الاستراتيجية لهذا الممرّ البحريّ.
تصريحات ترامب قوبلت بردود رسميّة وإعلامية تؤكّد بوضوح أن قناة السويس خاضعة للسيادة المصرية المطلقة، وتدار وفق قوانين مصرية ومعاهدات دولية تمنع التمييز بين الدول في المرور أو فرض رسوم خاصة. فمن حيث القانون الدولي، تخضع قناة السويس لاتفاقية القسطنطينية في عام 1888، التي تنصّ على حرية الملاحة لجميع السفن التجارية من دون تمييز بين الدول، بشرط احترام السيادة المصرية. وبالتالي، إعفاء دولة واحدة من الرسوم يُعدّ خرقاً لهذه الاتفاقية، لأنه يُخلّ بمبدأ "المعاملة المتساوية" بين الدول. أما من حيث القانون المصري، فتحديد رسوم العبور يخضع لقوانين سيادية ومراسيم من هيئة قناة السويس، ولا يحقّ لأيّ دولة فرض إعفاء لنفسها. وبالتالي، فإن طلب ترامب غير قانوني، ويمثل تعدّياً صريحاً على السيادة المصرية، كما يشكّل سابقة خطيرة في التجارة الدولية.
وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، يمر ما بين 1,000 إلى 2,000 سفينة أميركية سنوياً عبر قناة السويس، من أصل نحو 20,000 سفينة، مما يمثل ما بين 5% و10% من إجمالي حركة السفن عبر القناة. وبما أن إيرادات قناة السويس السنوية تبلغ نحو 9 مليارات دولار، فإن السفن الأميركية تسهم بما يُقدّر بين 500 مليون إلى مليار دولار سنوياً في هذه الإيرادات.
إن جرى إعفاء هذه السفن من دفع رسوم العبور، فستخسر مصر ما يصل إلى مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل أكثر من 11% من إجمالي إيرادات القناة. وستوفّر شركات الشحن الأميركية هذا المبلغ الضخم، مما يحسّن قدرتها التنافسيّة عالمياً، ويخفّض من كلفة النقل البحريّ عبر قناة السويس.
قناة السويس (وكالات)
من جهة أخرى، الاقتصاد الأميركي يواجه منذ سنوات عدّة تحدّيات متزايدة في التنافس مع الصين، خاصة في قطاع الشحن واللوجستيات. خفض تكاليف العبور للسفن الأميركية سيعني تحفيز صادرات أميركية أكبر إلى آسيا وأفريقيا عبر قناة السويس، كما سيؤدي إلى تعزيز موقع الشركات الأميركية في سلاسل التوريد الدولية مقارنة بالشركات الأوروبية أو الآسيوية التي تدفع نفس الرسوم، وسيساهم في تقليل كلفة استيراد النفط والسلع من الخليج والهند والصين، لا سيما أن قناة السويس تُستخدم بشكل أساسي في هذه الخطوط.
الخطوة، من منظور ترامب، هي وسيلة لتطبيق مبدأ "أميركا أولاً" من خلال خفض التكاليف التشغيلية على الشركات الأميركية من دون الحاجة لإعانات حكومية، وفرض ضغوط سياسية واقتصادية على الدول "المورّدة للخدمات" مثل مصر.
على مقلب آخر، إن خضعت مصر لهذا الطلب، فستتكبد خسارة فورية بقيمة تصل إلى مليار دولار سنوياً في الإيرادات، كما أن هذه الخطوة ستشجّع دول أخرى على طلب إعفاءات مماثلة (مثل الصين أو روسيا أو دول الاتحاد الأوروبي)، مما سيُقوّض نموذج التمويل الذاتي لقناة السويس.
وسيؤدي خضوع مصر لترامب إلى ضرب الثقة الدولية في إدارة مصر للقناة كمرفق دولي محايد، وسيضعف السيادة الاقتصادية المصرية، وسيحوّل الممر البحريّ إلى أداة تفاوض سياسيّة دوليّة.
أما بالنسبة إلى السفن والشركات الأميركية، فستستفيد مالياً على المدى القصير، لكنها قد تواجه ردود فعل انتقامية من شركاء تجاريين آخرين. فقد يجري تشجيع الدول المالكة لمضائق حيوية (مثل مضيق هرمز أو باب المندب أو قناة بنما) على رفع رسومها على السفن الأميركية كرد فعل.
تصريحات ترامب بشأن إعفاء السفن الأميركية من رسوم عبور قناة السويس ليست سوى محاولة مكشوفة لتقليص التكاليف الأميركية على حساب الدول الأخرى، من خلال سردية زائفة لا أساس تاريخياً أو قانونياً لها. اقتصاديًا، مكسب أميركا سيكون بحدّ أقصى مليار دولار سنوياً، لكنه سيُقابل بخسارة استراتيجية كبيرة لمصر، وبتوترات قانونية وسياسية دولية. ما يطالب به ترامب هو اعتداء صارخ على السيادة المصرية، وهو غير قابل للتنفيذ لا قانوناً ولا واقعاً، خاصة في ظل نظام الملاحة العالمي القائم على احترام المعاهدات وسيادة الدول.
0 تعليق