نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المغرب ودول الساحل علاقات متينة في سياق إقليمي متوتر - تكنو بلس, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 01:18 صباحاً
في خضم التحولات الجيوسياسية التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، وفي ظل سياق إقليمي مضطرب، برز استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس بداية هذا الأسبوع لوزراء خارجية دول تحالف الساحل الثلاث -عبد الله ديوب (مالي)، كاراموكو جون ماري تراوري (بوركينافاسو)، وباكاري ياوو سانغاري (النيجر) - كحدث ديبلوماسي استثنائي في المنطقة يحمل دلالات استراتيجية عميقة، تؤكد انخراط المغرب الفعلي في إعادة رسم ملامح التوازنات والنفوذ في غرب إفريقيا، في ظل تراجع الأدوار التقليدية لبعض القوى الإقليمية والدولية.
لم يخفِ المغرب دعمه الثابت لهذه الدول، خصوصاً في ظل الظروف الانتقالية التي تمر بها، إذ أكد وزراؤها بعد لقاء العاهل المغربي امتنانهم للمملكة على دعمها المتواصل، وعلى المبادرة الملكية لربطها بالمحيط الأطلسي. وكان الملك محمد السادس قد أعلن عن هذه المبادرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، وهي مبادرة تشكل متنفساً اقتصادياً واستراتيجياً حيوياً لدول حبيسة، وجواباً تنموياً على حالة أمنية وسياسية غير مستقرة. في الوقت نفسه، بذل المغرب جهوداً ديبلوماسية ملحوظة للدفاع عن حق هذه الدول في التمثيل داخل الاتحاد الإفريقي، بعدما تم استبعادها من التصويت خلال قمته الأخيرة، إلى جانب السودان. وقد شددت الرباط على ضرورة مواكبة هذه البلدان لا عزلها، باعتبار أن إقصاءها يُضعف التضامن الإفريقي ويقوّض الاستقرار الإقليمي.
هذا التوجه المغربي يأتي في لحظة مفصلية تشهد فيها المنطقة تراجعاً للنفوذ الفرنسي وتوتراً في العلاقات بين دول الساحل والجزائر، خصوصاً بعد التحولات العسكرية والسياسية التي أطاحت أنظمة كانت موالية للجزائر. وبينما تتحرك الرباط بثبات، مستفيدة من سياسة خارجية مرنة، وعلاقات تاريخية متجذرة مع المجتمعات الإفريقية على المستويات الدينية والثقافية والاقتصادية، شهدت العلاقات الجزائرية بدول الساحل تصعيداً كبيراً بعد التوتر العسكري مع مالي، تمثل في استدعاء الدول الثلاث في خطوة موحدة، لسفرائها من الجزائر، وهو ما يدل على أن العلاقات بين الطرفين وصلت إلى مرحلة القطيعة، بل إن تقارير إعلامية أشارت إلى الصعوبات التي يواجهها مشروع خط الغاز النيجيري - الجزائري الذي يعبر النيجر، في مقابل ذلك تزدهر علاقات الدول الثلاث بالمغرب منذ سنوات.
الرهان المغربي على دول الساحل لا يقتصر على الحضور الرمزي فحسب، بل يتجسد في مشاريع ملموسة، أبرزها ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يُنتظر أن يشكل جسراً اقتصادياً وسياسياً بين المغرب ودول الساحل مضافة إليها موريتانيا. هذا المشروع لا يحمل بعداً لوجستياً فحسب، بل يعبّر عن تصور متكامل لتحالف عابر للصحراء، يتجاوز الإكراهات الجغرافية والسياسية، ويؤسس لتعاون إفريقي-إفريقي يقوم على المصالح المشتركة، لا على الوصاية أو التدخل.
من زاوية أخرى، تقدم المبادرة المغربية بديلاً تنموياً لدول الساحل، بعيداً من المحاور الدولية التي تتصارع على المنطقة من خلال أدوات النفوذ العسكري والاقتصادي. فالمغرب يعرض شراكة تقوم على المنفعة المتبادلة، وتركز على التنمية، والبنية التحتية، والانفتاح على الأسواق، من دون شروط سياسية أو تدخلات في السيادة الوطنية من خلال وصاية مرفوضة من النخب الجديدة التي تحكم البلدان الثلاثة. هذا النموذج يلقى ترحيباً من دول تعاني التهميش الجغرافي والاقتصادي، وتبحث عن شركاء يحترمون استقلال قرارها.
رسالة المغرب من خلال هذا التحرك واضحة وهي أنه لا يوجد في موقع المراقب، بل هو فاعل رئيسي ومبادر يقترح الحلول ويدعم الاستقرار بوسائل غير تقليدية منطلقة من تقاسم الهوية الإفريقية بالاستناد على إرث حضاري وثقافي مشترك. نجاح هذه الرؤية سيعتمد على قدرتها على الاستمرار والفعالية، وعلى مدى قدرتها على تحصين الشراكات من التقلبات السياسية الإقليمية والدولية.
في النهاية، يؤكد الاستقبال الملكي لوزراء خارجية دول الساحل أن الرباط تتقدم بثقة نحو لعب دور بنيوي في غرب إفريقيا، مستندة إلى مشروع متكامل يربط التنمية بالسيادة، ويؤمن بأن بناء إفريقيا قوية لا يتحقق إلا من خلال التضامن، وفتح الآفاق الاقتصادية، وتكريس منطق الشراكة، لا التبعية أو العزلة.
0 تعليق