شهدت سياسة الولايات المتحدة حيال العملات الرقمية تحولاً جذرياً مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية عام 2025، بعد سنوات من المواقف المتحفظة عن هذه التكنولوجيا الناشئة خلال مدة رئاسته الأولى. ففي عام 2019، عبّر ترامب عن رفضه الصريح للعملات المشفرة، ووصف البيتكوين بأنه "متقلب ويفتقر إلى القيمة الجوهرية". لكن في ولايته الثانية، وتحديداً خلال أول 100 يوم، اتخذ مجموعة من الخطوات الجذرية التي أعادت تشكيل مشهد الأصول الرقمية في البلاد، مغيراً بذلك المسار الذي اتخذته الإدارات السابقة.

تحوّل تشريعي وتنظيمي شامل

في يناير 2025، وقّع الرئيس ترامب الأمر التنفيذي الرقم 14178، الذي ألغى الأمر التنفيذي السابق للرئيس جو بايدن (الرقم 14067)، بالإضافة إلى الإطار التنظيمي الذي وضعته وزارة الخزانة للأصول الرقمية. وشمل الأمر الجديد حظر إنشاء أو إصدار أو الترويج لأي عملة رقمية للبنك المركزي، وهو موقف يعارض نهج العديد من البنوك المركزية العالمية. كما أعلن ترامب عن تشكيل "مجموعة العمل الرئاسية المعنية بأسواق الأصول الرقمية"، برئاسة ديفيد ساكس، الذي عُيِّن رسمياً "مسؤول الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة" في البيت الأبيض. وقد أُوكل الى المجموعة وضع إطار تنظيمي شامل للأصول الرقمية خلال 180 يوماً.

تسهيل مشاركة البنوك في سوق الكريبتو

في خطوة ذات أهمية كبيرة للمؤسسات المالية، ألغت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية النشرة المحاسبية التي كانت تُلزم الشركات إدراج الأصول المشفَّرة التي تحتفظ بها لصالح المستخدمين كالتزامات مالية في ميزانياتها. ومن المتوقع أن يساهم هذا التغيير في تسهيل دخول المؤسسات المالية التقليدية إلى قطاع حفظ العملات الرقمية.

إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين

وفي تحول غير مسبوق، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً بإنشاء "احتياطي بيتكوين استراتيجي"، يُموَّل من عملات البيتكوين المصادَرة من عمليات اتحادية. ويُعتبر هذا الاحتياطي أصلاً وطنياً دائماً، وقدّرت الحكومة الأميركية أنها تملك نحو 200,000 بيتكوين، ما يجعلها أكبر جهة حكومية مالكة لهذه العملة. إضافة إلى ذلك، أُنشئ "مخزون الأصول الرقمية الأميركي" لتخزين الأصول الرقمية غير البيتكوين التي يتم الاستحواذ عليها بالطريقة نفسها.

تشريعات جديدة على طاولة الكونغرس

أُدرج في الكونغرس مشروع قانون "احتياطي البيتكوين"، الذي يهدف إلى شراء مليون بيتكوين خلال خمس سنوات بطرق مالية محايدة، مثل استخدام عائدات الرسوم الجمركية أو تبادل الذهب في مقابل البيتكوين. ورغم أن المشروع لم يُقر بعد، فقد أثار نقاشات واسعة حول دمج الأصول الرقمية ضمن الاحتياطات الوطنية. كما أعلن السيناتور تيم سكوت ومسؤول العملات الرقمية في البيت الأبيض ديفيد ساكس عن نيتهما تمرير قانون لتنظيم العملات المستقرة خلال مدة الـ100 يوم الأولى. ويستهدف التشريع المقترح وضع متطلبات ترخيص لهذه العملات، مع السماح للسلطات التنظيمية على مستوى الولايات بالإشراف على المشاريع الصغيرة، في حين تظل المشاريع الأكبر خاضعة لمعايير فيديرالية صارمة تشمل متطلبات الاحتياطي وتدابير الأمان.

عملات الميم والمخاوف الأخلاقية

وفي خطوة أثارت الجدل، أعلن الرئيس ترامب عن حفل عشاء خاص لأكبر حاملي العملة الرقمية المرتبطة باسمه. حصل أول 220 حاملاً على دعوة للعشاء، بينما أُتيح لأكبر 25 حاملاً حضور حفل استقبال كبار الشخصيات وجولة في البيت الأبيض. تسببت هذه الخطوة بارتفاع حاد في قيمة العملة بنسبة تجاوزت 50%، وأثارت انتقادات من مشرعين ديموقراطيين مثل السيناتور إليزابيث وارن وآدم شيف، اللذين دعوا إلى تحقيق في احتمال وجود فساد من نوع "ادفع لتحصل على امتياز".

أثر اقتصادي وأسواق متفائلة

ساهمت هذه السياسات في تعزيز ثقة المستثمرين، بحيث شهدت أسواق العملات الرقمية انتعاشاً ملحوظاً. ارتفع سعر البيتكوين إلى مستويات قياسية تجاوزت 108,000 دولار، مدفوعاً بالتفاؤل بشأن التوجه الأميركي الرسمي نحو دعم العملات المشفّرة. ويرى محللون أن الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب قد لا تؤثر بشكل مباشر على أسعار السوق، لكنها توفر أساساً مؤسساتياً يشجع على دخول مزيد من الاستثمارات المؤسسية، وربما تُطلق موجة استحواذ عالمية على الأصول الرقمية.