السوريون شعبٌ وليسوا مجرد مكونات! - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السوريون شعبٌ وليسوا مجرد مكونات! - تكنو بلس, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 09:26 صباحاً

مرة أخرى يجد السوريون أنفسهم أمام معضلة جديدة نجم عنها سقوط ضحايا في بلدتي جرمانا وصحنايا (ريف دمشق)، هذه المرة، من المدنيين والقوى الأمنية والمسلحين المنفلشين، ليس فقط بسبب افتقاد الثقة بين السوريين، بعضهم إزاء بعض، تبعاً للتركة الثقيلة التي تسبّب بها نظام الأسد (الأب والإبن)، خلال قرابة ستة عقود، وانتشار السلاح بين جماعات عديدة، وضعف الأجهزة الأمنية للدولة الجديدة، المفترض بها الحفاظ على أمن كل المواطنين، وإنما أيضاً بسبب استمراء أطراف مختلفة اللجوء إلى العنف، المادي والرمزي، لفرض غلبتها، وعصبيتها، ورؤيتها، على الأطراف الآخرين، بخصوص تحديد ماهية سوريا المستقبل.

 

الاستنتاج السابق لا يقلّل، ولا يخفّف، من حجم المداخلات الخارجية التي تتوخّى التخريب على المرحلة الانتقالية في سوريا، والحؤول دون تعافيها، سواء أتت من طرف فلول النظام السابق، أو الأذرع التي تعمل كامتداد لنفوذ إيران في محيط سوريا، أو من طرف إسرائيل، لكنه يفيد بأن الأطراف الخارجية لا يمكن لها أن تحقق مآربها، إلا بتوافر أرضية داخلية تساعدها على ذلك، عن قصد أو من دونه.

 

ما يفترض إدراكه، من قبل كل السوريين، وبشكل خاص من قبل القيادة السورية الجديدة، أن بلدهم يمر بمرحلة انتقالية صعبة ومعقدة، لا تتعلق فقط ببناء الدولة، إذ هي تتعلق، أيضاً، ببناء المجتمع، أو بصياغة إدراكات السوريين لذاتهم كشعب، أي كمواطنين. 

 

بمعنى آخر فإن السوريين معنيون باستنهاض مؤسسات الدولة السيادية والخدمية والأمنية، وتأهيل البني التحتية، ورفع المستوى المعيشي، لكنهم معنيون، أيضاً، بتعزيز صيرورتهم كشعب، بتعزيز هويتهم، أو ولاءاتهم، الوطنية، على حساب هوياتهم الأولية، الإثنية والطائفية والعشائرية والمناطقية، أي النظر إلى ذاتهم كمواطنين، أفراداً وأحراراً متساوين، ومستقلين عن كل تلك الانتماءات والهويات الأولية، لأن ذلك هو شرط تحولهم إلى شعب بكل معنى الكلمة، وضمن ذلك اعترافهم وقبولهم بتنوعهم، واختلافاتهم، الاثنية والطائفية والسياسية والأيديولوجية والاجتماعية، باعتبار أن هذا التنوع يضفي عليهم حيوية، وكميزة إيجابية لهم.

 

أيضاً، ما يفترض إدراكه من قبل السوريين، بخاصة في القيادة والقوى السياسية، أن الاعتقاد بوجود محاولات، داخلية أو خارجية، لتقسيم سوريا، صحيح، لكن مقاومة هكذا توجه لا تكون، فقط، بالشعارات، أو بالحديث عن سيادة أراضي سوريا ووحدتها، ولا بالتسهيل له بالانجرار لمنطقه الهوياتي، إذ إن التقسيم الجغرافي لا يمكن أن يحصل بدون تقسيم الشعب، بإبقائه عند حيّز الهويات الطائفية والإثنية والمناطقية والعشائرية، أو بمعنى آخر بالحؤول دون قيام دولة المواطنين، التي تجعل السوريين شعباً. 

 

يستنتج من كل ما تقدم أنه لا يوجد حلّ أمني لخلافات مواطنين في بلد واحد، إذ الحل بالقوة العسكرية، وبالغلبة، هو الوصفة المثلى لتصدع الدولة والمجتمع، ولفتح الباب أمام التدخلات الخارجية، وضمنها الاستدراج للوقوع في الفخّ الإسرائيلي، عن قصد أو من دونه.

 

الفكرة هنا أن فخ "الأسرلة" لا يتأتّى من طرف يرغب في ذلك، فقط، وإنما يتأتى، أيضاً، ممن يسهل ذلك، بردة فعله غير المدروسة، والعنيفة، والمفعمة بالكراهية والاقصاء، والتي تنبني على تنميط طرف معين، بذريعة شخص، أو أشخاص، أو حدث ما، وهذا هو مغزى تدخلات إسرائيل، التي ينبغي الحذر منها، وعزلها، وتفويتها. ولعل المسؤولية في وأد هذا الفخّ تقع على عاتق الدولة، التي عليها كي تنجح أن تكون محايدة ومسؤولة إزاء مواطنيها، كأحرار ومتساوين، وأن تتعامل بشفافية ووفقاً للقانون، مع الجميع.

 

أما بخصوص حيثية مداخلة إسرائيل فهي تتوخى الاستثمار بهشاشة الدولة والمجتمع في سوريا، في هذه المرحلة الانتقالية، بحيث تبقى في حال من التصدع الدولتي والمجتمعي، وصولاً لمحاولتها تطبيع بلدان المنطقة بطابعها، بتعميم خاصيتها كدولة يهودية، بهوية دينية /طائفية، عبر تخليق كيانات على شاكلتها، في لبنان والعراق وسوريا؛ وهذا هو معنى التطبيع الحقيقي مع إسرائيل.
في التاريخ السوري، في مواجهة الاستعمار الفرنسي، تم إشهار شعار: "الدين لله والوطن للجميع"، الذي رفعته، أو مثلته، شخصيات وطنية مثل سلطان باشا الأطرش وفارس الخوري وابراهيم هنانو وعبد الرحمن الشهبندر وهاشم الأتاسي وسعد الله الجابري وشكري القوتلي، وهذه الوطنية التي تم قطعها من قبل التيارات الأيدلوجية المغلقة، اليسارية والقومية والدينية والطائفية والتسلطية، هي أكثر ما يحتاجه السوريون اليوم.

 

وهذه كلمة لأولي الأمر في سوريا: كفى حديثاً عن "مكونات"، فهذا مصطلح خاطئ ويفتح على مشكلات الهوية والعصبية والغلبة، ما يضر بالدولة وبوحدة المجتمع، فالشعب لا يتألف من مكوّنات، وإنما من مواطنين، أفراد، وأحرار، متساوين ومستقلين عن هوياتهم الأولية، لذا الأجدى، والأصوب، ضبط المصطلحات، وتعزيز الإدراك بالهوية الوطنية، التي تجعل الشعب شعباً حقاً.

 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق