في خطوة مثيرة للجدل، أثارت تجربة أجراها باحثون من جامعة زيورخ باستخدام الذكاء الاصطناعي جدلاً واسعًا على منصة Reddit، حيث حاول الباحثون دراسة تأثير التعليقات المولدة آليًا على تشكيل آراء المستخدمين. هذا المشروع واجه ردود فعل سلبية تتهمه بانتهاك أخلاقيات البحث عبر الإنترنت، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الثقة في الفضاء الرقمي.

التجربة السرية باستخدام الذكاء الاصطناعي

عمل الباحثون خلال التجربة على نشر أكثر من ألف تعليق تمت صياغتها بواسطة نماذج ذكاء اصطناعي في منتدى r/changemyview، وهو مساحة للنقاش حول القضايا المثيرة للجدل. ركزت التعليقات على مواضيع حساسة مثل برامج التنوع والشمول وأزمتي السكن والكلاب من نوع بيتبول. لجعل التعليقات تبدو واقعية، اعتمدت التجربة على قصص شخصية وهمية مثل “أنا ضحية اغتصاب قانوني”، بهدف اختبار قدرة الذكاء الاصطناعي على التأثير المباشر في آرائهم؛ وقد أثبتت النتائج أن التعليقات المولدة كانت أكثر تأثيرًا من تعليقات المستخدمين العاديين حيث حققت معدل تصويت أعلى.

أثارت هذه التجربة التساؤل حول كيف يمكن أن تؤثر التكنولوجيا المتقدمة في النقاشات العامة، ومع ذلك تعرض الباحثون لانتقادات شديدة من المستخدمين والخبراء بعد اكتشافهم أنهم كانوا جزءًا من تجربة دون علمهم. هذا الأمر أثار قضايا تتعلق بالأخلاقيات والشفافية في أبحاث الإنترنت وتأثيرها على المصداقية.

غضب المستخدمين وغياب الشفافية

تفاجأ أعضاء المنتدى بالكشف عن التجربة بعد انتهاء مدتها، مما أثار غضبهم واعتبروا ذلك انتهاكًا لخصوصيتهم وثقتهم في المنصة. عبر الأعضاء عن شعورهم بالاستغلال من خلال التعبير عن رفضهم لهذه الوسيلة “غير الأخلاقية”، مطالبين الباحثين بالاعتذار وعدم نشر نتائج الدراسة. إلا أن الباحثين دافعوا عن تصرفهم باعتباره وسيلة ضرورية لاختبار التأثير الواقعي للذكاء الاصطناعي في سياقات غير معلنة، كما أضافوا أن الأخطار النفسية الناتجة عن هذه التجربة ضئيلة وفق تقديرهم.

لم يكن المجتمع الرقمي هو الجهة الوحيدة التي أظهرت استياءها، حيث انضم علماء مرموقون إلى الجدل ووصفوا التجربة بأنها إحدى أبرز انتهاكات أخلاقيات البحث الرقمي، مما عزز المخاوف حول مستقبل يجمع بين القوة التكنولوجية والتأثير المجتمعي السلبي.

انعكاسات التجربة والخوف من المستقبل

يرى الخبراء أن هذه الحادثة تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتطوير قوانين تضبط أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في الأبحاث، خصوصًا مع تنامي قدرته على التأثير في توجهات الرأي العام. مع تزايد تأثير المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي في تشكيل المواقف، أصبحت مسألة كشف التعليقات المصطنعة تحديًا أمام المجتمعات الرقمية. تشير الدراسات إلى أن الأدوات الذكية مثل ChatGPT باتت تتميز بقدرتها على خلق محتوى عالي الإقناع قد يتفوق أحيانًا على تعليقات الأفراد الحقيقيين.

حتى الآن، يعاني الباحثون والمختصون من نقص الأدوات الفعالة لرصد التعليقات المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من احتمال مخاطر تأثير هذه “البوتات” على النقاشات العامة. يبقى السؤال المحوري هو كيفية تحقيق التوازن بين استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة العلم وضمان عدم المساس بالمبادئ الأخلاقية التي تحافظ على الثقة والمصداقية بين المجتمعات الرقمية.