فوز الاستراتيجية الأميركية وعودة إيران إلى بيت الطاعة؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فوز الاستراتيجية الأميركية وعودة إيران إلى بيت الطاعة؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 03:34 صباحاً

الدكتور كمال ديب

نتابع هنا شرحَ ما آلت إليه أمور لبنان والمنطقة بعد أحداث عام 2024 المصيرية (راجع مقال ديب النهار  26 نيسان/ أبريل 2025)، فنبني على ما ذكرناه سابقاً أنّ المشروع الأميركي قد قوّض الأيديولوجيا العربية العلمانية القائمة منذ مئة عام تقريباً في الثقافة واللغة، وأدخل العرب – كلّهم – عصر البراغماتية الأميركية التي من شروطها غياب اللون (مع الإبقاء على زومبي قشرة عربية من فولكلوريات الدين والعادات والتقاليد، فيقال هنا "منطقة لغة عربية مسلمة" كما يقال هنا "منطقة لغة إسبانية كاثوليكية" إشارة إلى دول أميركا اللاتينية).

وحالياً ثمّة مفاوضات ثنائية أميركية – إيرانية في مسقط عاصمة عُمان وفي روما، وما هي إلا مسألة وقت حتى تعود إيران تحت المظلة الأميركية. وعندها تنتهي الفترة الانتقالية التي تعيشها المنطقة العربية. وقبل مواصلة الشرح، نذكر أنّ من يظنّ أن لبنان والمنطقة كانا خارج النفوذ الأميركي وأنّهما سقطا تحت هذا النفوذ عام 2024، هو على خطأ. ومن يظنّ أنّ ثمّة محوراً كان قائماً قبل 2024 ويقاوم نفوذاً أميركياً ويحافظ على تركة العروبة العلمانية هو على خطأ أيضاً. فالنفوذ الأميركي كان موجوداً قبل وبعد 2024، بل هو يعود إلى عام 1947.

استراتيجية أميركية ثابتة

في مؤتمر يالطا عام 1945 وكانت الحرب العالمية الثانية تشارف على الانتهاء، اجتمع زعماء أميركا والاتحاد السوفياتي وبريطانيا، واتفقوا على تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ. وبموجب هذا الاتفاق باتت دولتا تركيا وإيران (اللتان تفصلان المنطقة العربية عن الاتحاد السوفياتي) ضمن النفوذ الأنغلوساكسكوني. وفي الوقت نفسه بدأ الافتراق التاريخي بين موسكو وواشنطن، فاشتعلت بينهما الحرب الباردة عام 1947 بعدما تنازلت بريطانيا عن مناطق نفوذها لمصلحة أميركا. فقامت استراتيجية أميركية ثابتة ترتكز على عمودين:

– الأول هو حلف شمال الأطلسي لمواجهة الاتحاد السوفياتي مباشرة في أوروبا الشرقية (تأسّس عام 1949)،

– والثاني هو إقامة قوس إسلامي يشكّل حاجزاً هجومياً لأميركا وحلفائها الغربيين في وجه الصين وروسيا الشوعيتيين الملحدتين (بدأ عام 1951).

ومنذ ذلك الحين لم تتغيّر هذه الاستراتيجية، وما تغيير الرؤساء والإدارات الأميركية كل بضع سنوات إلا تعديل طفيف على أوجه تنفيذ واشنطن لهذه الاستراتجية (من هنا عدم تفرقة هذا الكاتب بين عهد رئيس أميركي عن سواه). وما يهمنا هنا هو العمود الثاني من الاستراتيجية الثابتة – أي إقامة القوس الإسلامي. ففي عام 1951 كتب المؤرخ البريطاني برنارد لويس في فصلية أكاديمية بريطانية تدعى "إنترناشونال آفيرز" عن ضرورة استعمال الإسلام كأداة فعّالة لمحاربة الشيوعية الملحدة. فبنظره تطوّق الكتلة الاشتراكية شعوب هي على دين الإسلام، بدءاً من شعب اليوغور المسلم في الصين إلى جمهوريات وسط آسيا السوفياتية الإسلامية، ثم دول أفغانستان وباكستان وإيران، وصولاً إلى أذربيجان ومسلمي جبال القفقاس وتركيا ومقاطعات يوغسلافيا (خاصة مقاطعات البوسنة والهرسك وكوسوفو).

وفي هذا الاتجاه أخذت الولايات المتحدة تدعم قيام أنظمة إسلاميّة في أنحاء آسيا وإيقاظ الهوية الدينية، حيث شهدت أندونيسيا الكبيرة نسبياً سقوط نظامها المدني عام 1964 (وكان للأمر رمزيته حيث عُقد فيها مؤتمر باندونغ عام 1954 الذي أوصل إلى منظمة عدم الانحياز عام 1961)، وباتت أندونيسيا تنهج إسلامياً بميول أميركية. وفي باكستان، أسقطت حركة إسلامية مسلّحة الرئيس المدني ذو الفقار علي بوتو عام 1976، ثم أقدم قائد الانقلاب الجنرال ضياء الحق على إعدام بوتو عام 1977، وأعلن باكستان دولة إسلامية موالية للولايات المتحدة أيضاً. وفي شباط/ فبراير 1979 أسقطت الثورة حكم الشاه في إيران، ثم فرض أحد أجنحة الثورة نظاماً إسلامياً في طهران. وفي منتصف 1979، ظهرت حركة إسلامية مسلّحة في أفغانستان كادت تقضي على الحكم الشيوعي فيها، ما أدّى إلى تدخّل عسكري سوفياتي. وهنا كان الفتيل الذي أنهى الاتحاد السوفياتي. فقد تعرّض الجيش السوفياتي لهزيمة في أفغانستان وفازت حركة طالبان عام 1989، لم يمضِ عام بعد ذلك إلا وسقط الاتحاد السوفياتي ومعه الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية. وبعد ذلك تحوّلت الجمهوريات السوفياتية السابقة (قرغيزيا، أوزبكستان، طاجيكستان، وتركمنستان) إلى دول مستقلة إسلامية جنباً إلى جنب مع باكستان الإسلامية وأفغانستان الإسلامية، وكلها مجاورة للصين. وحتى في شرق أوروبا، حيث جنوب روسيا الرخو، اشتعلت انتفاضة إسلامية في جبال القفقاس، من الشيشان إلى داغستان، ووُلدت جمهورية أذربيجان كدولة مستقلة مسلمة على علاقة وثيقة بالناتو، إلى جانب تركيا عضوة الناتو حيث وصل الإسلاميون إلى الحكم أيضاً.

عقدة إيران

كان من المفترض أن يكون نجاح الإسلام السياسي في عموم آسيا جيّداً للاستراتيجية الأميركية: ألم يؤدّ ذلك إلى إسقاط الاتحاد السوفياتي وتشديد الطوق على الصين؟ فماذا جرى؟ الذي جرى أنّ إيران، بموافقة الغرب، أسقطت الشاه وابتكرت نظاماً إسلامياً مكانه. وللأمانة التاريخية، فإيران الشاهنشاهية كانت أكثر من وكيل للغرب في المنطقة: كان الشاه محمد رضا بهلوي شرطي أميركا في الخليج العربي وحليف إسرائيل الأوّل، بل كانت إيران في عهده متقدمّة أميركياً حتى على تركيا. ولكن الشاه لم يقرأ جيداً في استراتيجية أميركا العالمية التي لا تسمح بتعدد الأقطاب. فقد كان منحاه قوميّاً فارسياً فيما تطلبت استراتيجية أميركا بناء قوس إسلامي يطوّق الاتحاد السوفياتي والصين. ومن نزواته القومية تمويل "حفل القرن" عام 1971 بمناسبة مرور 2500 سنة على قيام الإمبراطورية الفارسية، بكلفة ملياري دولار. ورأت واشنطن أنّ تحويل إيران إلى دولة إسلامية قد حان وقته.

والمهول أنّ إسقاط الشاه قد تم بسرعة قياسية، خلال بضعة أشهر من عام 1978 حتى شباط 1979 وباتت إيران جمهورية إسلامية رغم أنّ ثورتها كانت مختلطة. ولكن تحوّل إيران نحو الإسلام لم يكن تماماً وفق الاستراتيجية الأميركية. فبعدما كان الشاه حجر الزاوية في السياسة الأميركية في المنطقة وعدوّ القومية العربية، كان صعود الإمام الخميني في طهران بالنسبة لأميركا وإسرائيل أكبر من زلزال جمال عبد الناصر في القاهرة على الساحة العربية عام 1956، إذ إنّ مصالح أميركا وإسرائيل تأذّت كثيراً وأعلن قادة إيران الجدد إلغاء الاتفاقيات التي وقّعها الشاه مع إسرائيل وقطعوا العلاقات معها. وهكذا منذ 1979، وُلدت عُقدة إيران أميركياً وصدرت مذكرات ودراسات أميركية تبحث "كيف خسرنا إيران؟" وواشنطن حتى بعد مرور أكثر من أربعين عاماً تعوّل على استعادة إيران بالوسائل الاقتصادية والديبلوماسية، وهي لا تصل أبداً إلى حرب مباشرة معها (رغم إشراف واشنطن على حروب عسكرية أميركية – إسرائيلية ضد حلفاء إيران في المنطقة). ذلك أنّ مصالح أميركا لطالما اعتبرت إيران جوهرة التاج في آسيا. وفي تلك الأثناء، بقيت المنطقة العربية على هامش أحداث "أوراسيا" (أوروبا وآسيا) الكبرى في الاستراتيجية الأميركية. فعدا مصالح النفط وإسرائيل، ماذا كان مصير المنطقة العربية؟ (خاصة أنّ العرب لغة وثقافة قد قامت قائمتهم قبل قرن على أشلاء السلطنة العثمانية وظهرت بقوّة حواضراهم الذهبية – بيروت وبغداد والقاهرة ودمشق).

 

-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق