ليس المطلوب جسوراً من إسمنت وحسب، بل جسور أمل... - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ليس المطلوب جسوراً من إسمنت وحسب، بل جسور أمل... - تكنو بلس, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 12:26 صباحاً

 ديان سامر اللبّان*


عوضاً عن انتظار المساعدات الخارجية التي طال أمدها وتعثّر وصولها، على لبنان أن يبادر بنفسه إلى إطلاق عجلة التعافي عبر بناء جسور أمل لمواطنيه، جسور لا تقتصر على الإسمنت والحديد، بل تمتدّ إلى الإنسان وكرامته.

 

لبنان اليوم عند مفترق طرق، لا مجازاً بل فعلياً. الانهيار الذي أصاب البلاد لم يعد مجرّد أرقام وتقارير، بل مشاهد ملموسة: مبانٍ مهدّمة، طرق محفّرة، محلات مغلقة، ومستشفيات عاجزة. لكن وسط هذا الخراب، ثمة ما هو أخطر من كل ما تراه العين: الفقر المستشري، البطالة القاتلة، واليأس المتفشّي الذي يهدد بانهيار المجتمع من الداخل.

 

رغم ذلك، كلما طُرحت كلمة "تعافٍ"، انحصرت النقاشات في المصارف، والطرقات، والمرافئ، والكهرباء. وكأن التعافي مشروع إسمنت وحديد فقط!

 

نعم، إعادة هيكلة النظام المالي وإصلاح البنية التحتية ضرورة لا غنى عنها. لكن ماذا عن الناس؟ عن النسيج الاجتماعي الذي تفكّك؟ عن الإنسان الذي فقد الأمل قبل أن يفقد راتبه؟ إعادة الإعمار لا تكتمل بدون إعادة الاعتبار للإنسان.

 

من الإسمنت إلى الإنسان: مفهوم جديد للتعافي

 

ثمّة نموذج آخر لتعافي الدول الخارجة من أزمات كبرى، نموذج جُرّب في رواندا، كينيا، أفغانستان، وهايتي. نموذج يقوم على الشراكات بين القطاعين العام والخاص (Public-Private Partnership - PPP) في القطاع الاجتماعي أو "الناعم -  Soft PPP" أي في الصحة، التعليم، الحماية الاجتماعية، والتدريب المهني.

 

لا نتحدث هنا عن بناء جسر أو سد، بل عن:

 

-عيادات صحية متنقلة تصل إلى القرى المهملة في الأطراف.
-مراكز تدريب مهني تمنح الشباب سلاح الصمود والبقاء.
-مدارس رسمية تُرمَّم ويعاد فتحها بعد سنوات من الإهمال.
-مشاريع تدوير نفايات تنظّف الشوارع وتخلق وظائف وتزرع الأمل.

لماذا نحتاج إلى هذا النوع من الشراكات؟

 

لأنها، ببساطة، تضع الإنسان أولاً. هذه الشراكات أثبتت فعاليتها في ظروف أصعب من ظروف لبنان، وهي قادرة على:

 

1. منع الانهيار الاجتماعي من خلال تقديم خدمات أساسية تحفظ الكرامة وتحدّ من اليأس.

 

2. جذب تمويل متنوع من المؤسسات الخيرية، والجهات الدولية، والقطاع الخاص، وليس فقط المصارف التجارية.

 

3. خلق فرص عمل فورية وتنمية مهارات مطلوبة.

 

4. استعادة الثقة بالنظام والمجتمع وبالدولة عبر خدمات يلمسها المواطن في حياته اليومية.

ماذا لو طُبّق النموذج في لبنان؟

 

إليك خمسة مشاريع قابلة للتنفيذ سريعاً:

 

1. عيادات متنقلة. بالتعاون بين المستشفيات الخاصة والصليب الأحمر ووزارة الصحة، يمكن الوصول إلى 70% من سكان الأطراف خلال 6 أشهر.

 

2. مراكز تدريب مهني. بدعم من شركات ومؤسسات تعليمية، يتم تدريب 5,000 شاب على مهارات مثل الطاقة الشمسية والتمريض، مع ضمان التوظيف.

 

3. إعادة تأهيل المدارس الرسمية. إصلاح 50 مدرسة متضرّرة خلال أقل من عام، بالشراكة مع القطاع الخاص ومنظمات تعليمية.

 

4. مشاريع فرز وتدوير النفايات. بالتعاون بين الشركات البيئية والبلديات والجمعيات، يتم تنظيف الشوارع وخلق وظائف.

 

5. توزيع غذاء مقابل عمل. مشروع يحافظ على كرامة المحتاج من خلال مشاركته في تحسين الحي مقابل قسائم غذائية.

لماذا لبنان بحاجة إلى هذه الشراكات؟

-لأنّها تعالج الأسباب الحقيقية للفوضى. عندما تتوفّر الرعاية الصحية والتعليم والعمل، يقلّ العنف واليأس.

 

-لأنها تجذب تمويلاً غير مشروط من مصادر متنوعة، كالمؤسسات الخيرية، والقطاع الخاص، والمنظمات الدولية.

 

-لأنها تخلق فرص عمل بسرعة وتبني مهارات يحتاجها البلد.

 

-لأنها تعيد الثقة بالدولة عبر خدمات يلمسها المواطن مباشرة.

حتى تنجح هذه المبادرات، يجب أن نضمن:

 

-أن يكون التأثير الإنساني أولاً، قبل أي أرباح مالية.

 

-أن تكون المشاركة شاملة. البلديات والمجتمع المدني يجب أن يكونوا شركاء.

 

-أن تكون النتائج واضحة. عدد المستفيدين، الوظائف، وغير ذلك.

 

-أن تكون المعلومات شفافة. العقود، الشركاء، الأداء.

 

-أن تكون قابلة للتوسّع. أي يمكن تكرارها وتكبيرها حسب الحاجة.

ولكن، ما المطلوب كي تنجح؟

 

● قرارات وتشريعات واضحة تتيح هذا النوع من الشراكات.

● وحدة تنفيذية خاصة لتسريع العمل وتجاوز البيروقراطية.

● عقود جاهزة، ونماذج تقييم شفافة، ومؤشرات أداء واضحة.

● دعوة وطنية مفتوحة للمجتمع المدني والقطاع الخاص لاقتراح المشاريع، بعيداً عن الاحتكار المركزي.

إلى صانعي القرار: تجرّؤوا!

 

لبنان لا يحتاج إلى إعادة إختراع العجلة – No need to reinvent the wheel. فقط يحتاج إلى تفعيلها. لقد جُرّبت هذه النماذج ونجحت وفي ظروف أصعب. المطلوب اليوم ليس فقط جسراً من الإسمنت فوق نهر، بل جسر من الأمل بين الحاضر الموجع والمستقبل الممكن.

 

إذا امتلك المسؤولون الجرأة على التفكير خارج صندوق الإسمنت، وإذا اعتبروا كرامة الإنسان بنية تحتية لا تقلّ أهمية عن الكهرباء والمياه، وإذا وثقوا بالمجتمع المدني والقطاع الخاص، فإن طريق التعافي تبدأ اليوم قبل الغد.

 

*باحثة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وناشطة اجتماعية.

 

-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق