نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"أليسار لم تبن قرطاج"... دراسة تهزّ أقدم أساطير العالم! - تكنو بلس, اليوم الاثنين 12 مايو 2025 01:13 مساءً
تقول الأسطورة إن أميرة فينيقية هاربة من مدينة صور في جنوب لبنان كانت وراء تأسيس قرطاج العظيمة. الأسطورة تؤكد أن هذه الأميرة بفضل ذكائها الخارق استطاعت أن تشتري الأرض التي أسست عليها واحدة من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ القديم "مقابل جلد ثور" فقط.
يتداول التونسيون هذه الأسطورة كُلما طُرح الحديث عن تأسيس قرطاج وعن أصول القرطاجيين، الذين أسسوا أمبراطورية ممتدة في المنطقة تجاوزت حدودها تلك الرقعة الجغرافية الصغيرة.
لكن نتائج دراسة علمية جديدة، تم الكشف عنها قبل أيام وأحدثت ضجةً كبيرةً في تونس، جاءت لتضع هذه الأسطورة وسائر المعتقدات السائدة عن تاريخ وأصول القرطاجيين موضع شك.
" القرطاجيون ليسوا فينيقيين"، هذا ما خلصت إليه دراسة قام بها باحثون أميركيون على امتداد أكثر من 8 سنوات.
ونشرت المجلة العلمية "نيتشر" دراسة رائدة في 23 أبريل/نيسان 2025، كشفت عن نتائج غير متوقعة في ما يتعلق بالهوية الجينية لسكان قرطاج في العصور القديمة، وهو ما يمثّل "تحوّلاً كبيراً في فهمنا لأصول الحضارة القرطاجية"، وفق الباحث في التاريخ والأكاديمي في الجامعة التونسية بولبابة النصيري.
وأجرى الدراسة فريق يتكون من علماء الوراثة من جامعة "هارفارد" ومعهد "ماكس بلانك" في ألمانيا، واستُخدمت خلالها تقنيات حديثة لتحليل الحمض النووي المستخرج من بقايا بشرية قديمة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
تجاوزت قيمة هذه الدراسة 7 ملايين دولار، وفق النصيري، الذي يؤكد أن فريق البحث استخدم أحدث التقنيات المستعملة في تحليل الحمض النووي، ما يجعل من نتائجها "اكتشافاً علمياً هاماً".
تصحيح التاريخ
من المعتقد منذ زمن طويل، استناداً إلى القصص والأساطير القديمة، أن مدينة قرطاج تأسست في القرن التاسع قبل الميلاد على يد أميرة فينيقية تدعى أليسار (ديدو)، فرت من مدينة صور، في لبنان الحالي.
الأسطورة التي تقول إن أليسار اشترت مقابل جلد ثور الأرض التي أسست عليها قرطاج، تحوّلت في الوعي الجمعي إلى رمز للذكاء السياسي الذي أسس أقوى الحضارات القديمة ونسبها إلى الفينيقيين.
لكن الدراسة الجديدة وفق النصيري، وهي "الأكبر من نوعها لكنها ليست الوحيدة"، قامت بتحليل جينات 203 أفراد من مواقع أثرية في قرطاج وصقلية وسردينيا وجنوب إسبانيا، يعود تاريخها إلى عام 1200 قبل الميلاد.
وقد جاءت نتائج الدراسة لتقدم رواية مختلفة "نسفت كل الروايات السائدة طيلة قرون طويلة"، وفق المؤرخ التونسي الذي أوضح أن "النتائج أظهرت أن البصمة الوراثية للفينيقيين في سكان قرطاج كانت منخفضة للغاية، مقارنة بنسبة كبيرة من الأصول المحلية الشمال أفريقية".
رسم لأليسار ملكة قرطاج.
تأثير ثقافي
بناء على ما جاء في هذه الدراسة، فإن التأثير الفينيقي في المنطقة لا يتعدى حدود التأثير التجاري والثقافي، ويتعلق بنشر الأبجدية والتقاليد الدينية وبعض الأساليب المعمارية، لكن الفينيقيين "لم يشكّلوا غالبية سكان قرطاج"، يقول النصيري، الذي يلفت إلى أن "الفينيقيين الذين جاؤوا إلى قرطاج وعددهم قليل لا يتجاوز 70 فرداً، وفق بعض الروايات، جاؤوا كلاجئين وليس كغزاة أو مستعمرين".
ويتابع: "الفينيقية ليست حضارة، بل هي صفة وهم تجار كانت بينهم عداوات كثيرة، وهو ما أجبر عدداً منهم للجوء إلى قرطاج التي كانت في تلك الفترة تعرف أنها أرض السلم والتسامح".
يؤكد المتحدث أن قرطاج حضارة عريقة، وأنها تفرّدت بكونها حضارة قوانين وتشريعات، فقد "سنّت أول دستور في العالم وقوانين تكفل حقوق النساء والأطفال والمسنين. كما أنها منحت النساء حقوقاً لا تزال دول عدة تناضل من أجل نيلها، مثل الحق في ملكية الأرض وفي الإرث وفي الإجهاض".
وبناء على هذه الدراسة يقول النصيري: "سيكون من المهم إعادة كتابة التاريخ بناء على ما كشفه العلم، لا استناداً إلى روايات سادت لقرون طويلة دون إثبات علمي لها".
ويشدد على أن الحضارة القرطاجية هي "ابنة بيئتها" ونتاج محلي لشعوب المنطقة الأصليين وليست نتيجة للاستعمار الخارجي.
ويتابع: "الأمر هنا لا علاقة به بالأصول الجينية بقدر ما هو مرتبط بالهوية قبل كل شيء".
ويلفت إلى أن هذه الدراسة تفند كل الروايات والأساطير التي تم تداولها لعقود طويلة، لتؤكد أن قرطاج "كانت حضارة محلية ذات جذور وهوية محلية".

جانب من مدينة قرطاج في الوقت الراهن.
ضجة كبيرة
الدراسة أحدثت ضجةً كبيرةً في تونس، وتناولها في منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي عدد من المتخصصين في التاريخ، الذين أكدوا أن هناك الكثير من المغالطات في هذه السردية، متمسكين بالرواية المتعارف عليها تاريخياً والتي أثبتها كبار المؤرخين في تونس والعالم. أما البعض الآخر من المتمسكين بنظرية الهوية القرطاجية، فقد اعتبروا أن هذه الدراسة تشكّل "قنبلة" لا بدّ من الاستناد إليها لتصحيح التاريخ.
0 تعليق