نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الآثار الاجتماعية والاقتصادية للانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 10:55 صباحاً
لانا جرجي موسى - دكتورة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية
في لبنان، تشكل الانتخابات البلدية والاختيارية محطة مفصلية في الحياة السياسية المحلية. وعلى رغم أنها غالبًا ما تُعتبر ثانوية مقارنة بالانتخابات النيابية، فإن لها تأثيرًا ملموسًا ومباشرًا على الحياة اليومية للمواطنين. إذ إن تجديد هذه المؤسسات المحلية يولّد آثارًا اجتماعية واقتصادية تستحق اهتمامًا خاصًا، خصوصاً في بلد يواجه أزمة متعددة البعد منذ عدة سنوات.
على الصعيد الاجتماعي، تلعب هذه الانتخابات دورًا أساسيًا في تعزيز المشاركة المدنية. فهي تتيح لسكان كل مدينة أو قرية أو حي اختيار من يمثلهم ويدافع عن مصالحهم المحلية. وتُولّد هذه العلاقة القريبة بين المنتَخبين والسكان شعورًا بالانتماء المجتمعي، غالبًا ما يكون أقوى من الانتماء للدولة المركزية. وفي مجتمع لبناني مجزأ تطغى عليه مشاعر عدم الثقة بالمؤسسات، تسمح هذه الدينامية المحلية بإعادة نسج الروابط الاجتماعية وتعزيز التماسك داخل المجتمعات المحلية.
كذلك، تشكل الانتخابات المحلية فرصة لتجديد النخب السياسية على المستوى المحلي، إذ تفسح المجال لظهور قادة شباب ومرشحين مستقلين أو من المجتمع المدني، ما يضخ روحًا جديدة في مواجهة الوجوه التقليدية المرتبطة غالبًا بالأحزاب الطائفية. ويمكن لهذا التجديد أن يخلق مناخًا اجتماعيًا أكثر انفتاحًا، يقوم على الكفاءة والنزاهة والخدمة العامة، بدلًا من الزبائنية السياسية.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتضطلع البلديات بدور متزايد في إدارة الشؤون المحلية. إذ يمكن للبلدية النشيطة أن تطلق مشاريع تنمية حضرية، لنقل النفايات أو معالجتها، أو تأهيل المرافق العامة. ويؤدي ذلك إلى خلق فرص عمل، وجذب استثمارات محلية ودولية، وتحسين جودة حياة المواطنين. فعلى سبيل المثال، تمكن بعض البلديات في لبنان من إنشاء أنظمة لامركزية لإدارة الكهرباء أو المياه، في مواجهة تقصير الدولة المركزية.
ويُعدّ دور المختارين، الذي غالبًا ما يُهمل في النقاشات العامة، ذا بعد اقتصادي لا يُستهان به. إذ من خلال إصدارهم وثائق رسمية (الإقامة، الولادة، الهوية، وغيرها)، يسهلون وصول المواطنين إلى العمل والسكن والمدارس والخدمات الاجتماعية. وفي المناطق الريفية، يشكل المختار غالبًا الرابط الوحيد بين الإدارة المركزية والسكان. ولذلك، فإن كفاءته أو عدم كفاءته لهما أثر مباشر على سلاسة النشاط الاقتصادي المحلي.
وتُتيح انتخابات المختارين أيضًا فرض رقابة شعبية على هذه الشخصيات الإدارية، واستبدال من لم يعد يلبّي حاجات المواطنين. ومرة أخرى، يُعزز هذا المسار الديموقراطي من المسؤولية والشفافية وتحديث الممارسات.
وأخيرًا، وعلى نطاق أوسع، يمكن للانتخابات المحلية أن تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني. ففي ظل شلل الدولة بسبب الأزمات المتتالية، تبرز السلطات المحلية كجهات فاعلة أساسية في تنفيذ السياسات العامة. إذ يمكنها الحصول على تمويلات دولية، وإقامة شراكات مع منظمات غير حكومية أو وكالات تنمية، وتقديم حلول ملموسة لمشكلات المواطنين.
وهكذا، فإن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان تتعدى البعد الإداري البحت، فهي تمس أسس الديموقراطية المحلية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية المستدامة. من هنا، فإن تعزيز هذه المؤسسات وتشجيع المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات يمثلان ركيزة استراتيجية لمستقبل البلد.
0 تعليق