بعد قرار واشنطن بإلغاء الإعفاءات الجمركية للسلع منخفضة القيمة القادمة من الصين في بداية هذا الشهر، أظهرت بيانات من قطاع الشحن الجوي تراجعاً بنسبة تقارب الثلث في الطاقة الاستيعابية بين الصين والولايات المتحدة. هذا الانخفاض يُمثل ضربة كبيرة لإيرادات شركات الطيران الآسيوية الكبرى التي كانت تعتمد بشكل أساسي على هذا المسار الحيوي.

وقد استفادت شركات مثل "كاثي باسيفيك"، و"تشاينا ساذرن"، و"إير تشاينا"، و"كورين إير" من انتعاش التجارة الإلكترونية المدفوعة بعمالقة التجزئة السريعة مثل "شي إن" و"تيمو"، والتي اعتمدت على الشحنات الجوية المباشرة من الصين إلى السوق الأمريكي.

استمرار تعليق الإعفاءات يهدد الطلب على المدى الطويل

ورغم التهدئة الأخيرة في العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن، والتي أسفرت عن تخفيض مؤقت لبعض الرسوم الجمركية المتبادلة، فإن تعليق إعفاء السلع منخفضة القيمة ما زال سارياً. ووفقاً لما نقلته وكالة "رويترز" عن خبراء في القطاع، فإن هذا التعليق يُنذر بانخفاض طويل الأمد في الطلب على الشحن الجوي.

ماركو بلومن، المدير التنفيذي لشركة "إيفيان" للاستشارات في مجال الشحن الجوي، أوضح أن الطاقة الاستيعابية بدأت بالتعافي منذ إعلان التهدئة، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن الشحنات المرتبطة بالتجارة الإلكترونية تأثرت مؤقتاً بفعل القرار الأمريكي.

التحول إلى الشحن البحري كبديل استراتيجي

يُشكل الشحن الجوي نحو ربع إيرادات شركتي "كاثي باسيفيك" و"كورين إير"، وقد شهدت هذه الإيرادات نمواً سريعاً تجاوز نمو قطاع الركاب خلال العام الماضي. ووفقاً لتحليل أجرته شركة "إيفيان"، فإن الشحنات الإلكترونية منخفضة القيمة شكلت في عام 2024 ما نسبته 55% من إجمالي الشحنات الجوية من الصين إلى الولايات المتحدة، مقارنة بـ5% فقط في عام 2018، مما يعكس تحولاً جذرياً في أنماط التجارة الإلكترونية.

ومع توقعات بعدم عودة الإعفاءات الجمركية قريباً، بدأت شركات التجارة الإلكترونية باللجوء إلى الشحن البحري الجماعي إلى الولايات المتحدة أو إلى مراكز تخزين بديلة بدلاً من الاعتماد على الشحن الجوي المباشر. وذكرت وكالة "رويترز" أن شركة "شي إن" استأجرت مستودعاً ضخماً في فيتنام، وهو ما قد يُخفف من تعرضها لتقلبات العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة.

تراجع كبير في السعة الاستيعابية للشحن الجوي

كانت شركة "كاثي باسيفيك"، التي تعمل انطلاقاً من أكبر مطار شحن في العالم، قد حذرت في أبريل/نيسان الماضي من تراجع متوقع في الطلب على الشحن الجوي بين الصين والولايات المتحدة اعتباراً من مايو. وتُظهر بيانات من شركة "روتيت" الاستشارية أن طاقة الشحن الجوي من الصين وهونغ كونغ إلى الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 26% في الفترة بين 2 و13 مايو، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. كما تراجعت بنسبة 30% مقارنة بمتوسط الأسابيع الأربعة السابقة.

أما في كوريا الجنوبية، التي تُعد مركزاً إقليمياً مهماً للشحن، فقد انخفضت الطاقة الاستيعابية للشحن نحو الولايات المتحدة بنسبة 22% خلال الفترة نفسها. وكشفت البيانات أن شركة "أطلس إير" الأميركية، وهي أكبر مشغّل على هذا الخط، سجلت تراجعاً بنسبة 28%، بينما تراجعت "كاثي باسيفيك" بنسبة 2%، وانخفضت "تشاينا ساذرن" المملوكة للدولة بنسبة 30%.

إلغاء رحلات وتحويل المسارات نحو أسواق بديلة

مع تأثر حركة الركاب أيضاً نتيجة انخفاض الأسعار والمخاوف الاقتصادية العالمية، بدأت شركات الطيران الآسيوية بتحويل قدراتها في الشحن إلى مسارات بديلة. وفي هذا السياق، أفادت شركة "دايميركو" للشحن في بيان لها أن عدداً من رحلات الشحن المجدولة بين الصين وأمريكا قد أُلغي، وتم تحويل بعضها إلى وجهات مثل المكسيك وأمريكا اللاتينية.

وأشار ماركو بلومن إلى أن نحو 70 طائرة شحن توقفت مؤقتاً عن العمل على خطوط المحيط الهادئ، إلا أنه تم إعادة نشر بعضها في أسواق أخرى لتقليل الأثر السلبي.

جنوب شرق آسيا المستفيد المحتمل من إعادة هيكلة سلاسل الإمداد

مع التغيرات الجارية في سلاسل الإمداد العالمية، يُتوقع أن تستفيد دول جنوب شرق آسيا من تحوُّل بعض الشركات إلى تصنيع أو شحن البضائع إلى الولايات المتحدة من خارج الصين. ورغم هذا الاحتمال الإيجابي، فإن بعض تلك الدول قد تواجه أيضاً رسوماً جمركية جديدة في حال توسعت السياسة الحمائية الأمريكية.

وفي تعليق له، قال غو تشون فونغ، الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية السنغافورية: "رغم أن التغيرات الجمركية الحالية لن تُحدث صدمة بحجم ما شهدناه في أزمة كوفيد-19، فإنها بالتأكيد ستجعل بيئة العمل أكثر تقلباً وغموضاً".