نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"أنا علي مطر كاليغولا": قصيدة مسرحية على حافّة الجنون - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 09:26 مساءً
في مسرح "سينما رويال" في برج حمود، اعتلى الشاعر والممثل المسرحي علي مطر الخشبة بعد غياب، وحيداً إلّا من ظلّ كاليغولا، طيف السلطة حين تتعرّى من معناها، وهمس الحروب، وشهقات الحب، وصراخ الجنون في وجه التاريخ. جاء العرض بعنوان "أنا علي مطر كاليغولا" (إخراج جان عبد النور)، كأنّ مطر لم يكتفِ بتقمّص الشخصية، بل أعلن التماهي معها، أو التحدي لها، أو ربّما كليهما معاً، في مسرحية عبثية.
مطر، المعروف بقدرة لغته على الحفر عميقاً، اختار أن يواجه الجمهور منفرداً بنصّ ثقيل الإيقاع، متمرّد البناء، أقرب إلى هذيان شعري تتداخل فيه مشاهد الحلم بالكابوس، والانهيار بالتأمل. يحمل الشاعر الممثل على منكبيه عالماً ثقيلاً، ويرفعه عالياً لئلا يلامس أطرافه أيّ تراب. لكن رغم الجهد اللافت في الحفظ والسيطرة على المنصّة، بدا الإيقاع في غير صالح التجربة؛ بارداً، ممتداً، يقترب أحياناً من الجمود. لم يخلُ من الصدق، لكنّه ظلّ محكوماً بشيء من الانضباط الخانق لأيّ شرارة، وكأنّ التجربة لم تنهض بالكامل لملاقاة النص.
يؤخذ على المسرحية أنّها تُشبه، على نحو ما، عرضاً سابقاً من إخراج جان عبد النور هو "وحياتك ع بيروت" التي شاهدناها نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، فبدت "أنا علي مطر كاليغولا" كشقيقتها الأصغر: تحمل الملامح نفسها من حيث البناء البصري، وتُعاني القلق ذاته بين الواقع المسرح، بين الشكل المتقن والمحتوى العاطفي المعلّق، وكأنّ العرضين يقولان الشيء نفسه بمسمّيات عدّة، وكأنّ العرض الأحدث يستعير ملامحه من سلفه، ويلتقيان في نقطة واحدة: بحث دائم عن التفجّر من دون أن يبلغ الانفجار.
كاليغولا هنا ليس فقط ذلك الإمبراطور المخبول، بل فكرة تتكثّف في الجملة الشعرية: "أنا فكرة تمشي على رمح"، كما يقول مطر. يحاول أن يمشي على ذاك الرمح من دون أن يسقط، لكنه في هذه المحاولة يبدو أحياناً وكأنه يتريّث أكثر من اللازم، متفادياً الجُرح، والدم، والصرخة المدوّية. العرض غني بالصور، بالرموز، بمحاولات الحفر في الأسطورة لاستخراج المعنى المعاصر من وجه الطغيان، لكنه ظلّ، في بعض اللحظات، يكتفي بلمس الجرح من دون أن يغوص فيه.
في المقابل، أضاء صوت الممثلة عشتروت عون المشهد، أنوثةً وموسيقى، كأنها خيط حريري يتسلل عبر الشقوق ليمنح العرض شيئاً من الدفء، عبر لعبة الإيقاع. كما أسهمت السينوغرافيا المدروسة (ليلى حاوي) والإضاءة الموفّقة (ميلاد طوق) في تعزيز الجو المسرحي العام، فبدا العرض أشبه بلوحة حيّة تتنفس عبر الضوء والظل.
لكن في النهاية، بقي العرض معلقاً بين اللغة والمسرح. بين القصيدة والصراخ. بين مطر وكاليغولا. بين رغبة علي مطر في الغوص العميق، وبين حاجز شفاف من البرد المسرحي حال دون ذلك الغوص. إنّها تجربة مسرحية طموحة تنبض بالشعر والصورة، وتكشف عن شغف علي مطر بالغوص في الأسئلة الوجودية.
رغم الإيقاع المتأمل الذي قد لا يلامس جميع الأذواق، فإنّ العمل يترك أثراً بصرياً ولفظياً واضحاً، ويُضاف إلى مسيرة فنية يُحسَب لها جرأتها في ارتياد مناطق معقّدة من الذات والتاريخ. هي خطوة أخرى على درب البحث، لا تدّعي الاكتمال، لكنها تمهّد لمسار غنيّ بالتجريب والاحتمالات.
اقرأ أيضاً:"وحياتك عَ بيروت": مسرحية تحاكي هواجسنا ويوميّاتنا في المدينة
0 تعليق