نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"القطط البرتقالية".. العلماء يفكّون شيفرتها الجينية بعد قرن من الغموض - تكنو بلس, اليوم الأحد 25 مايو 2025 11:18 مساءً
منذ أكثر من قرن، لاحظ العلماء أن القطط البرتقالية تتبع نمطاً وراثياً استثنائياً، ظلّ غامضاً لعقود. لكن باحثين من جامعة ستانفورد تمكنوا أخيراً من فك هذا اللغز الجيني، عبر تحديد الطفرة المسؤولة عن اللون البرتقالي، في اكتشاف غير مسبوق يُلقي الضوء على الكيفية التي قد تكتسب بها الجينات وظائف جديدة داخل خلايا محددة.
في حديث خاص لـ"النهار"، وصف الدكتور كريستوفر كايلن، الباحث الرئيسي في الدراسة، الاكتشاف بـ"الاستثنائي"، مؤكداً أن اللون البرتقالي في القطط جذب اهتمام العلماء منذ أوائل القرن العشرين بعد ملاحظتهم ارتباطه بالكروموسوم "X"، بعكس ما يحدث في أنواع أخرى من الثدييات، مثل البشر، والخيول، والكلاب.
ويقول كايلن: "كنا نعرف أن النمط الوراثي مختلف، لكن لم تكن لدينا الأدوات المناسبة لفك الشيفرة. ومع توفر تجميع الجينوم الكامل للقطط المنزلية، وتطور تقنيات تسلسل الحمض النووي خلال السنوات الأخيرة، تمكنا أخيراً من تعقب الطفرة وفهم تأثيرها".
طفرة جينية
في معظم الثدييات، مثل الخيول، يرتبط اللون البرتقالي بطفرات في جين يُعرف بـ"Mc1r" الذي لا علاقة له بالجنس. أما في القطط، فالوضع مختلف؛ إذ إن الطفرة التي تعطي اللون البرتقالي تقع على الكروموسوم "X"، ولهذا السبب تكون معظم القطط البرتقالية من الذكور. أما الإناث، فلا يظهر عليها اللون البرتقالي الكامل إلا إذا ورثت الطفرة من الأم والأب معاً، وغالباً ما يظهر عليها مزيج من الألوان يُعرف بـ"الكاليكو" أو "السلحفائي".
الاختراق الحقيقي في هذا الاكتشاف، كما يوضح الدكتور كايلن، كان في العثور على تغيير صغير في الشيفرة الجينية أدى إلى تفعيل جين يُسمى "Arhgap36" داخل خلايا الجلد المسؤولة عن اللون، رغم أن هذا الجين لا يعمل عادة في هذه الخلايا. هذا التفعيل غير المعتاد يجعل الخلايا تتوقف عن إنتاج اللون الأسود، وتبدأ بدلًا منه بإنتاج اللون البرتقالي، وهو ما يفسر ظهور هذا اللون المميز في بعض القطط.
يرى الدكتور كايلن أن تفعيل "Arhgap36" في خلايا اللون فقط، رغم أنه لا يعمل فيها عادة، يوضح كيف يمكن للجينات أن تكتسب وظائف جديدة. وما زال الفريق يبحث في سبب هذا التغيير، على أمل فهم أوسع لتطور الصفات المعقدة لدى الكائنات.
لا يعكس السر الجيني للون البرتقالي أي سلوكيات أخرى للقطط
ما هو أبعد من اللون؟
رغم أن الدراسة ركزت على لون الفراء، إلا أن البعض تساءل عما إذا كان للجين علاقة أيضاً بسلوك القطط البرتقالية، خصوصاً مع شهرتها بأنها لطيفة ومشاغبة في الوقت ذاته. يوضح الدكتور كايلن أنه لا توجد أبحاث علمية كافية عن سلوك هذه القطط، وأن فريقه لم يلاحظ أي نشاط غير طبيعي للجين في أعضاء أخرى مثل الدماغ أو القلب أو الكلى. لكنه يضيف أنه لا يمكن استبعاد وجود تأثير في أنسجة لم يتم فحصها بعد.
الطفرة البرتقالية، بحسب الباحث، ظهرت على الأرجح في مراحل مبكرة من استئناس القطط، وربما ساهم البشر في نشرها بسبب انجذابهم للونها النادر، ويقول: "نعلم من لوحات تعود إلى القرن الثاني عشر أن قطط "الكاليكو" كانت موجودة. وهذا دليل على أن الطفرة قديمة، لكنها لم تُفك شيفرتها إلا الآن".
ويضيف كايلن: "الطفرة التي تعطي القطط لونها البرتقالي ظهرت غالباً في وقت مبكر من تاريخ تربية القطط مع البشر، وقد يكون الناس آنذاك أحبوا هذا اللون المميز وساعدوا في انتشاره. لدينا لوحات من القرن الثاني عشر تُظهر قطط "الكاليكو" بوضوح، وهذا يعني أن الطفرة قديمة جداً، رغم أننا لم نكتشف سرها العلمي إلا أخيراً".
وتجدر الإشارة إلى أن فريقاً بحثياً آخر من جامعة كيوشو اليابانية نشر دراسة موازية خلال الفترة نفسها، توصل فيها إلى نفس الطفرة الجينية تحديداً، مؤكداً علاقتها الواضحة بلون الفراء البرتقالي.
وتميزت هذه الدراسة اليابانية بعمقها التجريبي، إذ اعتمدت على تسلسل جينومي كامل، وتحليل التعبير الجيني "RNA-seq"، ودراسة الأنماط المثيلية (DNA methylation)، لتثبت بالدليل القاطع أن حذفاً بطول 5.1 كيلوباز داخل جين "ARHGAP36" هو السبب المباشر لتغير لون الصبغة.
أهمية الدراسة اليابانية لا تكمن فقط في تأكيد النتائج الأميركية، بل في تقديم تفسير جزيئي متكامل يربط بين الطفرة والتغيرات في المسارات البيوكيميائية التي تتحكم بإنتاج الميلانين. وهذا التلاقي العلمي بين دراستين من جهتين مختلفتين يعزز مصداقية الاكتشاف ويضع حداً نهائياً للغموض الذي دام أكثر من مئة عام.
0 تعليق